التعذيب..علامة فرنسية معركة مارس 1976 بالأرجنتين استنساخ لمعركة الجزائر جرائم ال OAS حركتها دوافع أصولية كاثوليكية متطرفة كشفت وثيقة تحصلت "الشروق" على نسخة منها، تجذر عقيدة التعذيب لدى الجيش الفرنسي، وتورط الكثير من قادته ممن سبق لهم ممارسة أبشع أساليب تعذيب الجزائريين إبان الثورة التحريرية (1954 / 1962)، في تصدير تقنيات التعذيب والاستنطاق الوحشي، لعدد من الحكام الديكتاتوريين في أمريكا اللاتينية في الفترة الممتدة ما بين 1970 1980، وفي مقدمتهم نظام ديكتاتوريي الأرجنتين السابق، رينالدو بينيون، المدان الثلاثاء الأخير، ب 25 سنة حبسا. * الوثيقة هي عبارة عن "فيلم وثائقي" بعنوان "كتائب الموت: المدرسة الفرنسية"، صدر برعاية مركز الدراسات القانونية والاجتماعية (سي أو آل آس)، وأعدته المؤرخة والصحفية الفرنسية، ماري مونيك روبين، جاء فيه أن "قيادة أركان الجيش الأرجنتيني، اقترحت على السلطات الفرنسية في سنة 1959، إبرام اتفاق يقضي بالاستفادة من خبراء فرنسيين في إطار الحرب ضد التخريب، وذلك بتقديم دروس واستشارات لصالح الجيش الأرجنتيني، بمقابل مادي". * وبموجب هذا الاتفاق انتقل نخبة من الجيش الفرنسي الذين برعوا في تعذيب الجزائريين، في الفترة ما بين 1954 1962، إلى العاصمة الأرجنتينية بيونس آيرس، وامتد بقاؤهم هناك إلى غاية 1981، وهي السنة التي سقط فيها حكم الديكتاتور المدان، رينالدو بينيون، وذلك بدعم من الحكومتين الفرنسية والأرجنتينية. * ومن بين الدروس التي لقنها خبراء التعذيب الفرنسي في المدرسة الحربية ببيونس آيرس، الأساليب التي استعملها الجيش الاستعماري في قمع مجاهدي العاصمة، فيما تصطلح عليه الأدبيات التاريخية الفرنسية ب "معركة الجزائر"، أو ما يعرف بأساليب مواجهة العدو الداخلي في الوسط الحضري وسبل الحصول منه على المعلومات، على اعتبار أن الجيش الفرنسي في ذلك الوقت، كان يعتبر الثورة التحريرية، حدثا فرنسيا داخليا، انطلاقا من الزعم القائل بأن "الجزائر فرنسية". * ومن بين الأسماء "النجيبة التي تخرجت على يد ضباط الجيش الفرنسي المنتدبين، الذين نشطوا في قمع المجاهدين بالجزائر، وثوار الهند الصينية، نجد، حسب الوثيقة ذاتها، وزير الداخلية الأسبق في عهد الديكتاتور، رينالدو بينيون المدان ب 25 سنة حبسا، ألبانو هارغين دو غي، ورئيس الأمن السري "la DINA" ، بدولة الشيلي، مانويل كونتريراس.. * هذه الشهادات التاريخية المثيرة كشف عنها إطاران من قوات البحرية الأرجنتينية، سجنا ثم طردا من عملهما، بعد إدانتهما لأعمال التعذيب بالأرجنتين، إضافة إلى محامي الفرنسيين المفقودين بالأرجنتين، هوراسيو مانديز كاريرا، وعمدة مدينة ساحة أول ماي (بالأرجنتين) ماريا دال روزاريو شيروتي. * وبحسب الوثيقة، فإن أولى إطارات الجيش الديكتاتوري الأرجنتيني ومنهم الضابط لوبيز أوفرانك، وصلت العاصمة الفرنسية باريس، في 1957، من أجل تلقي الدروس على مدار سنتين بالمدرسة الحربية.. وانطلاقا مما سبق، يقول الفيلم، إن تنظيم معركة مارس 1976 بالأرجنتين، ليست إلا صورة طبق الأصل ل "معركة الجزائر"، وأن المراسيم الموقعة في سنة 1975، في ظل حكومة إيزابيل بيرون من أجل القضاء على الثوار، وكذا المراسيم العسكرية التي أرست الديكتاتورية، كلها مستوحاة من النصوص الفرنسية في معركة الجزائر، التي فوضت خلالها صلاحيات الشرطة للجيش، والمظليين على وجه التحديد، فيما أصبحت الشرطة تابعة تماما للجيش، الذي قاد بدوره عملية التحقيق، ما ساهم في رفع عدد المفقودين إلى ثلاثين ألفا بهذه الدولة. * ويشير الفيلم الوثائقي في هذا الصدد، إلى أن الخبراء الفرنسيين في مجال تلقين آليات التعذيب، قضوا أطول مدة في الأرجنتين، وصلت عشرين سنة، مقابل ثلاث سنوات في الولاياتالمتحدةالأمريكية، فيما قدموا دروسا بانتظام في البرازيل، وأرجع الفيلم طول مدة البقاء في الأرجنتين، إلى العلاقات الوطيدة التي تربط بين اليمين الفرنسي ونظيره الأرجنتيني، التي تعود إلى الثلاثنينيات من القرن الماضي، بدعم من الأصولية الكاثوليكية الفرنسية، التي ساهمت بقوة في تصدير المذهب الفرنسي المبني على الإيديولوجية المعروفة ب "الحي الكاثوليكي"، التي كانت منتشرة بقوة بين العسكريين الفرنسيين خلال الثورة التحريرية، والهدف منها تبرير أعمال التعذيب ضد الجزائريين. * وتلتقي إيديولوجية منظمة "الحي الكاثوليكي"، حسب الوثيقة، مع فلسفة الأب جورج غراسي، الأب الروحي، للمنظمة الإرهابية "OAS"، التي أزهقت أرواح عشرات الآلاف من الجزائريين، بعد 19 مارس 1962 بالتعاون مع كومندوس دلتا (كتيبة الموت)، بهدف منع استقلال الجزائر، وذلك من خلال ما كانت تنشره المجلة المعروفة "لوفارب" (الفعل)، التي اشتهرت خلال الثورة التحريرية بتبريرها لأعمال التعذيب، ما دام أن الهدف هو حفاظ فرنسا على "إلدورادو الجزائر".