أكد مختصون في ندوة "الشروق" حول الجرائم الإلكترونية أن هذه الأخيرة لم تعد تقتصر على الابتزاز والتشهير على الفايسبوك، بل امتد الأمر إلى أنواع جديدة وخطيرة من الجرائم التي باتت تهدّد الأمن العام والاقتصاد والحياة الشخصية للأفراد والجمعيات، باستخدام تقنيات جد متطوّرة لقرصنة مواقع وحسابات المؤسسات المالية والتجارية، بالإضافة إلى تصوير الفتيات في غرفهن من دون أن يشعرن. وكشف ممثلون عن الشرطة والدرك أن الأطفال هم أكثر المتورطين في الجرائم الإلكترونية وتأتي في المرتبة الثانية النساء مع تسجيل ارتفاع متسارع في عدد القضايا التي باتت تتجاوز 2000 قضية سنويا..
عميد الشرطة بشير سعيد رئيس المصلحة المركزية لمحاربة الجرائم المتعلقة بتكنولوجيا الإعلام والاتصال: عالجنا 1622 جريمة إلكترونية أغلب مرتكبيها أطفال تعكس الأرقام التي تحوزها مصالح الأمن تفشيا رهيبا لهذا النوع من الجرائم في مجتمعنا، حيث قدّم عميد الشرطة بشير سعيد رئيس المصلحة المركزية لمحاربة الجرائم المتعلقة بتكنولوجيا الإعلام والاتصال أرقاما مضاعفة في كل عام بالنظر إلى السنوات السابقة.
1055 قضية للجرائم الإلكترونية العام الماضي عاد بنا العميد إلى إحصائيات عام 2013، حيث سجلت مصالح الأمن 91 قضية، لترتفع في العام 2014 إلى 246 جريمة، وسارت هذه القضايا على نفس الوتيرة لتصل في عام 2015 إلى حدود 567 قضية وتتضاعف بشكل كبير جدا في عام 2016 وتصل إلى 1055 قضية. وناهزت قضايا الاحتيال 28 قضية وكذا المساس بأنظمة المعالجة الآلية للمعطيات التي بلغت 31 قضية بالإضافة إلى 18 قضية تتعلق بعرض أشياء ممنوعة على الأنترنيت.
قصّر يقودون جرائم إلكترونية في العالم الافتراضي وفي قراءة تحليلية لهذه الأرقام أكد العميد أنّ 1023 ضحية سجلت في هذه القضايا العام الفارط منهم 138 قاصر و76 ضحية معنوي، وعلى النقيض من هذا ارتكب 104 قاصر جرائم إلكترونية بالإضافة إلى 946 متورط في بقية القضايا بصفة عامة. ويعقّب ممثل الأمن الوطني قائلا "أغلب الضحايا القصر هم أطفال تورطوا في الأمر بدافع حب الاستكشاف والتعرف، حيث يجرب هؤلاء برامج اختراق وقرصنة دون علمهم بأن الأمر جرائم يعاقب عليها القانون". تضاعف الأرقام جاء أيضا من الوعي النابع من المواطنين لأنهم أصبحوا يبلّغون، يقول العميد، "حتى أننا نتلقى الكثير من طلبات الطلبة الجامعيين الذين يخصصون أبحاثهم للجريمة الالكترونية ولأجل هذا يفتح الأمن الوطني موقعه الالكتروني ومواقع التواصل الاجتماعي حيث استقبلنا عديد الشكاوى بالإضافة إلى برامج أخرى في طور الإنجاز". وتعتبر المدوّنات ومواقع التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية مناخا خصبا لتنامي الجريمة الالكترونية، حسب ضيف الشروق الذي أكد أن مؤسسته لم تدّخر جهدا منذ سنوات بعيدة للحفاظ على أمن الجزائريين على جميع المستويات، حيث قال "المديرية العامة للأمن الوطني ومنذ العام 2000 وضعت إستراتيجية خاصة توقعا منها لتنامي الجريمة وتطوّرها وهي تحرص على العمل وفق القانون 04-15 الصادر في نوفمبر 2004".
تكوين الأمن في محاربة الجريمة الإلكترونية حقّق اعترافا دوليا أضاف العميد بشير سعيد أن مؤسسته استثمرت في تكوين الأعوان بما يشرف القطاع وطنيا ودوليا حيث قال "حرصنا على التكوين وأدرجناه مادة أساسية في جميع مدارس الشرطة وأعيدت هيكلة الشرطة القضائية حيث يوجد في كل ولاية فرقة للشرطة القضائية، كما لدينا ضباط شرطة مختصين في الإعلام الآلي، أقلهم حاصل على شهادة مهندس دولة وخضع لتكوين داخل الوطن وخارجه، كما أن كل عناصر الشركة يدرسون مادة الجريمة الالكترونية بالإضافة إلى خبراء الأدلة الرقمية المنتشرين في مخابر الشرطة القضائية.. فعلا مستوى محققي الشرطة عالمي وأثبتناه عن طريق قضايا دولية". وتبذل مصالح الأمن مجهودات أخرى على صعيد التحسيس والتوعية من خلال إنشاء لجنة قطاعية وكذا فرقة تعمل على الوقاية من الأخطار من خلال التواجد بقرب الشباب والأطفال والتواصل معهم في المدارس والجامعات وكذا من خلال وساءل الإعلام والمطويات.
شبكات أجنبية للإطاحة بالجزائريين عرّف العميد الجريمة السيبريانية على أنها الدخول أو البقاء عن طريق الغش وتتضمن تخريب النظام وتعطيله والمساس بالمعطيات وإرسال فيروسات لتحطيم المعلومات. مشيرا إلى عروض العمل على الأنترنيت وبيع الأوهام والمواد الصيدلانية وكثير من القضايا عولجت بطريقة احترافية. وتتم معالجة القضايا من خلال فرق المعاينات تماما مثل التي توجد على أرض الواقع تتمحور مهمتها في معاينة المخالفات في العالم الافتراضي، وإذا كان المحتوى يخالف القانون فيجب التحرك الآني. محدثنا أبان عن وجود "أخطار تأتي من داخل الحدود لكن هنالك أيضا أخطار تزحف إلينا من خارج الحدود من دول عربية ومغربية وغربية ومحاولات اختراق كثيرة بحسابات وأسماء وهمية وأخرى من خلال تقمّص صفة شخصيات معروفة للإطاحة بجزائريين ونحن نعمل في هذا الإطار مع الأنتربول أو البوليس الدولي لوضع حدّ لنشاطها.
الرائد درامشية فريد محقّق في الجرائم الإلكترونية: أحصينا 840 جريمة أولى ضحاياها نساء كشف الرائد درامشية فريد محقّق في الجرائم الإلكترونية بقيادة الدرك الوطني عن أرقام ومعطيات صادمة لواقع الجريمة الإلكترونية في بلادنا التي يجهلها كثير من الأولياء بقدر ما يجهلون أخطارها. الرائد رمشية قال إنّ "أي وسيلة تكنولوجية لها مزايا ومساوئ لكن ما لاحظناه هو سوء الاستعمال الذي يولّد هذه المشاكل المرفوعة من قبل المواطنين".
وتيرة متسارعة للجريمة و540 قضية العام الفارط أعرب ضيف ندوة الشروق عن حرص مصالحه للتصدي لهذا الخطر الزاحف على مجتمعنا حيث قال "منذ العام 2000 تفتح المجتمع الجزائري على هذا النوع من التكنولوجيا ولهذا سطرت قيادة الدرك الوطني وحدات لمواجهة هذا النوع من الجرائم التي تعرف تزايدا مستمرا في المجتمع منذ العام 2014 وبوتيرة متسارعة". وبلغة الأرقام أحصت مصالح الدرك الوطني في شهر جانفي فقط 51 قضية تضاف إلى 540 قضية في العام الماضي، نسبة معتبرة منها من النساء بنحو 27 من المائة وهي قضايا تضاعفت مقارنة مع ما سجل في العام 2015 حيث بلغت سجلت 300 جريمة إلكترونية.
الأطفال والنساء ضمن أكثر ضحايا الجرائم وتشمل هذه الجرائم أنواعا وقضايا مختلفة منها المساس بالحياة الخاصة والسب والقذف والتشهير والمساس بأنظمة المعطيات والابتزاز والتهديد وكذا نشر الصور والفيديوهات. ولفت ممثل الدرك الانتباه إلى ارتفاع محسوس للأطفال ضحايا هذا النوع من الجرائم في المدة الأخيرة مركزا على أهمية المخطط الذي باشرته مصالح الدرك الوطني والذي كان له الأثر الكبير والفائدة في الكشف عن كل المحاولات والمخططات.
تكوين عال ودقيق لتقفي آثار الجريمة أثنى المحقق في الجرائم الإلكترونية على "التكوين العالي والتقني الدقيق لأعوان الدرك فهم يعملون بجدية وصرامة ووفق قوانين تمكّنهم من متابعة دقيقة لكل القضايا، كما أن الدعوى العمومية تتحرك بفعل الضبطية القضائية في حال تسجيل جريمة تمس المجتمع". ليضيف "لو لم تكن هناك إجراءات احترازية لكان الدفع الإلكتروني ساري المفعول منذ مدّة، سيما وأنّ الاستعدادات التقنية موجودة ومضبوطة والمانع الوحيد الآن هو سبل الوقاية الأمنية والتأمين هو المعرقل الوحيد، لكن يمكن توسيع العمل بهذا النظام مع آفاق 2018 على أكثر تقدير إن لم يكن قبل نهاية 2017، حيث توجد هيئة عليا مختصة بالملف لدراسة كل النقاط من حيث التأمين المالي".
تحيين العقوبات بما يناسب الجرائم وبغرض تحيين العقوبات بما يتناسب مع الجرائم تدرس حاليا لجنة مختصة كافة الاقتراحات للتوصل إلى الإجراءات المناسبة سيما وأن رجال الأمن يطالبون بعقوبات أكبر إذ لا تتعدى العقوبات الحالية 3 سنوات سجنا على أكثر تقدير. وضرب محدثنا أمثلة كثيرة عن أناس أبرياء راحوا ضحية دون ارتكابهم لأي مشكل منهم فتاة في باب الزوار ذنبها الوحيد أن كاميرا الكمبيوتر كانت في غرفة نومها ليستغلها شخص عن بعد فتح الجهاز وصوّرها دون علمها بعد تشغيل السكايب بالإضافة إلى أناس عوقبوا لأنهم نشروا صورا مخلة بالحياء لا يمكن توقيف الجميع، فالانترنيت عالم افتراضي يصعب جدا بسط النفوذ على كل جزئياته وإلا لاحتاج الأمر إلى 40 مليون دركي يراقب كل مواطن.
أكد أن المنظومة التشريعية لم تواكب تطوّرها.. المحامي حنفي للشروق: هكذا خرّبت الجريمة الإلكترونية بيوت الجزائريين كشف الأستاذ قدور حنفي، محامي معتمد لدى المحكمة العليا ومجلس الدولة، التزايد الرهيب للجرائم الإلكترونية في المحاكم الجزائرية، وقال إن الكثير من هذه القضايا تعكس التطور الملحوظ في فنيات ارتكابها من طرف بعض الأشخاص، خاصة التي تتعلق بالجرائم الاقتصادية والمالية، وحسب ما رصده من أروقة العدالة، فإن الجريمة الرقمية تتطوّر بشكل يومي، وساعاتي ومستمر باستمرار التطوّر التكنولوجي. وأكد الأستاذ قدور حنفي، في منتدى الشروق، أن تجربته في القضاء، بينت له مشكلا يتعلق بكيفية الوصول لهذه الجرائم وكيفية إثباتها، إذ أن، حسبه، الآلاف من الجرائم لم يكشف عنها لحد الساعة، وأن الجريمة المالية خطر يتطوّر من حين لآخر حسب القضايا التي تم معالجتها في أروقة العدالة، وغالبا ما تترتب عنها خسائر جانبية منها مالية لم تكن لو كان الكشف عنها في وقته، ويشير إلى أن حتى الولاياتالمتحدةالأمريكية لم تستطع التحكّم في مثل هذه الجرائم، مضيفا أن الجرائم الرقمية المالية أصبحت تستنزف أموالا باهظة قدرت عالميا ب 560 مليار دولار سنويا. الظاهرة حسب ما يعكسه العمل القضائي في المحاكم، لا تزال تتطلب حسب المحامي حنفي، الكثير من التكوين، والخبرة في التحقيق والمستوى الفني للأداء القضائي، "هناك تباين في الصيغة القانونية مع الانتشار الواسع للجريمة الالكترونية" يقول. ويرى أن قانون 2004، في المادة 394 مكرر 7، تتحدث عن المعالجة للجرائم الالكترونية، لم تدقق وتحدد، حسبه، الأفعال، ويبقى مفهوم الجريمة الإلكترونية غير واضح قانونيا حتى بالنسبة للقضاة.
الجريمة الإلكترونية حوّلت ضحايا لمتهمين وقال المحامي قدور حنفي، إن عدم وضوح القوانين الخاصة بالجريمة الرقمية ونقض الدقة في نصوصها، إلى جانب ضعف في الأداء من ناحية التحقيق والمحاكمة في الكثير من القضايا ذات الصلة بالجريمة الرقمية، أدى إلى نتائج سلبية وقع ضحايا هذه الجرائم في قفص الاتهام جراء الظروف المحيطة بهم والتي وقعت فيها الجريمة الإلكترونية من أشخاص مجهولين ضدهم. وسرد المحامي حنفي قضية مواطن يبلغ من العمر 34سنة، ولديه أطفال، حيث دخل إلى بيته فوجد ابنته وزوجته ينتظرانه.. أطلعاه على صور إباحية في حسابه على الفايسبوك وهذا بعد تفحص هاتفه النقال الذي تركه في المنزل. وقد تفاجأ بهذه الصور، وراح يدافع عن نفسه بغضب شديد فوقع في شجار مع زوجته.. لم يتمالك نفسه فاعتدى عليها بالضرب بسلاح أبيض. وتحوّل من ضحية لجريمة إلكترونية ارتكبها مجهول إلى متهم بجنحة الضرب والجرح، حيث أدانته المحكمة بعامين حبسا نافذا، في المقابل فإن زوجته التي تأثرت نفسيا بعد الخلاف معه، توفيت ليتحوّل البيت إلى جحيم. ولا تزال الشكوى التي أودعها ضد المجهول المتسبب في نشر صور فادحة لنساء عبر موقع "الفايسبوك" قيد التحقيق.
انتقد الاهتمام الكبير بوسائل الردع.. المختص الاجتماعي عبد الحليم ماضي: تعزيز الرقابة الذاتية هو الحل لواجهة تسونامي الإجرام قال عبد الحليم ماضي مختص في علم الاجتماع والتنمية البشرية، أن الحديث عن ظاهرة الجريمة الإلكترونية في الغالب يكون من جانب المواجهة القانونية والقمعية، غير أن الأمر أصبح حسبه، يتطلب مواجهة تربوية توعوية، وعن طريق أساليب جديدة تتماشى وتغير المحيط وأدواته. ويرى مادي، أنه حتى الأساليب القديمة المستخدمة في تربية الأطفال غابت عن الأسرة الجزائرية، ويضيف "اليوم نتحدث عن تطوّر تكنولوجي سريع لا يمكن توقيف عجلته، في المقابل تشهد تدهورا في المستوى الأخلاقي". وأكد أن التفكير في التطوير التكنولوجي يجب أن يصحبه تطوير في التربية والإنسان، وهو ما يجب إعادة النظر فيه في الجزائر، مشيرا أن أموالا طائلة تصرف لأجل استيراد الأجهزة الإلكترونية واعتماد الرقمنة في الإدارة الوطنية، في حين هناك إهمال واضح في التنمية البشرية والتربية وتطوير الفكر الإنساني للجزائريين. وأوضح في ذات السياق، أن التكنولوجيا عكست واقعا حقيقيا لا يمكن الهروب منه، وهو التدهور الأخلاقي وانتشار الجريمة في المجتمع الجزائري، حيث أن الجريمة الإلكترونية ما هي إلا ترجمة وبروز ظاهري لأخلاق خفية متدنية لدى شريحة واسعة من الناس، إلى جانب نقص وعي ثقافي وضعف وازع ديني وسلاح ذاتي لمستعملي التكنولوجيا الجديدة. ودعا عبد الحليم مادي علم النفس التربوي والتنمية البشرية، لضرورة العمل التكاملي بين القطاعات بدءا حسبه، بالرقابة الذاتية والأخلاقية التي يزرعها كل من الأولياء والأئمة وقطاع التربية في نفوس المقبلين على تطوّرات تكنولوجية متسارعة جدا. وقال إن الاعتماد على الرقابة الخارجية والعقوبات للفرد لا يمكنه الحماية من الآثار النفسية وحتى الجسدية التي تترتب عن الجرائم الإلكترونية، وهي نتائج يقع ضحيتها من ارتكبت هذه الجرائم في حقه.