منذ أن عادت الجزائر للمشاركة في كأس العالم لكرة القدم في الثامن عشرة من نوفمبر الماضي ونحن نبحث عن وسيلة جادة وفعالة لربط مزيد من العلاقات التجارية مع السودان بعد أن أكدت تلك المباراة التي لن ينساها الجزائريون أنه يمكننا أن نجد في نهر النيل في جزئه الجنوبي ما لا نجده في البحر الأحمر وشرم الشيخ وشمال نهر النيل... ولأن إرسال وفود العزف والدف لا تغني ولا تسمن عن جوع إعلاميا وبيولوجيا فإن صفقة اللحم التي من المفروض أن تكون الحدث الرمضاني الأهم بعد ثلاثة أشهر ونصف شهر جعلتنا نطرح أسئلة مشتقة من الماضي ومن الحاضر ومن المستقبل .. وهي لماذا جرّبنا في الأشهر المعظّمة السابقة كل أسواق اللحوم والماشية الأوروبية والبرازيلية والاسترالية برغم قضية "الحلال والحرام" التي تطرح نفسها في الشهر المبارك، ولم نلتفت إلى بلد عربي مسلم إفريقي مجاور كلنا نحفظ المقولة التي رددها العرب وأيضا هواري بومدين وهي أن السودان لوحده بإمكانه أن يطعم كل الدول العربية ويمنحها اكتفاء غذائيا ذاتيا بعيدا عن سياسة الغذاء مقابل الانبطاح التي يعتمدها الغرب، وبالخصوص الولاياتالمتحدةالأمريكية، ولماذا اقتصر التفكير في الحاضر على اللحم رغم أن السودان يزخر بالكثير من المنتوجات التي مازلنا نسافر إلى آخر الدنيا لاستيرادها، ثم لماذا لا نأخذ مستقبلا من التجربة السودانية، وكما استعنا بالصينيين لبناء العمارات وإنجاز الطرقات الإسمنتية التي نعلم جميعا أننا سنرميها بأنفسنا بعد سنوات وربما بعد أشهر معدودات فلماذا لا نستعين بالسودانيين في دفع نمو ثروتنا الفلاحية والحيوانية، ونحن نعلم جميعا أنها هي الدائمة وهي التي تحل مشاكلنا نهائيا في الفترة الحالية وفترة ما بعد البترول .. لكن المواطن البسيط لا يفهم لماذا بعض الوزارات عندنا لا تفكر في مثل هذه الحلول إلا باقتراب موعد رمضان، فليس قدرنا أن نأكل اللحوم بأسعارها المقبولة إلا في رمضان _ هذا إن تحقق طبعا هذا "الحلم" _ لأن جسم الإنسان الجزائري النحيف بدنيا ومعنويا في حاجة إلى بروتينات على مدار السنة وعلى مدار العمر وليس في رمضان فقط، وبارونات اللحوم الذين جعلوه من الكماليات ولا يمسّه إلا المطهرون وغير المطهرين من الأثرياء، وعقدة البسطاء بسياسة المضاربة وتهريب الماشية حان الوقت لأن يسقطوا ويصبح اللحم في الجزائر، كما هو في العالم بأسره مادة غذائية عادية تزور الطناجر الجزائرية بين الحين والآخر، وليس مثل هلال رمضان مرة في السنة لتتحرر بعد ذلك شياطين الأسواق من أصفادها وقيودها وتعود إلى ممارسة عمليات تعذيب المواطن وكيّه بنار الأسعار. القاعدة تقول إن عيد الأضحى هو موعد للنحر والتكافل الاجتماعي وتبادل الزيارات، وشهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هو موعد للصيام والقيام ومصالحة مع الذات ومع الآخرين ولكننا جعلناه صداع الرأس بقصة اللحم التي تتكرر في كل مناسبة .. ولكن من دون أسبرين شاف؟