وسط عائلة شغوفة بالدين والثقافة ومتمسكة بالأخلاق وتقاليد المنطقة، رأى البروفيسور التيجاني هدام النور في 11 جانفي 1921 في جوهرة الغرب الجزائري، حينها فتح عينيه على حب القرآن، فحفظه صغيرا، في سنّ الرابعة عشرة بمسجد سيدي اليدون بتلمسان، واستمرت علاقته بكتاب الله طول حياته، فكان يؤم الناس في صلاة التراويح، حتّى وهو طالب طبّ في باريس مطلع الأربعينيات، ثمّ مسجد الرحمة بالجزائر العاصمة في 1980، بعد أن صار وزيرا وسفيرا. مرّ التيجاني هدام، بمراحل عديدة في حياته منذ طفولته، فدرس حتى المرحلة الثانوية بتلمسان، حي نال بكالوريا في الرياضيات عام 1941 وثانية في الفلسفة لاحقا، مع تكوين في الفلسفة بمعهد الدراسات الشرقية بجامعة السوربون بفرنسا نهاية الأربعينيات من القرن الماضي، إلى الإبحار في عالم الطب بمزاولة دراسته في الجزائر العاصمة وقسنطينة بين 1942 و1945، تمرّس في الجراحة العامة وعلاج الأمراض المعدية، وفي باريس خلال سنتي 1946و1948، أكمل دراسته في الطب فتربص عند طبيبين فرنسيين، حتى عيّن كجراح في المستشفى الفرنكو -الإسلامي ونهر السّين، وبقي كجراح في نفس المستشفى، حتى قدّم أطروحته لنيل شهادة دكتوراه دولة في الطب سنة 1952، عن موضوع الكيس المائي لرئة عادية ورئة معقدة، حيث حصل على شهادة جراحة مؤهلة من طرف مجلس باريس، ثمّ زار السويد بعدها كجراح ماهر. عرف الرجل أيضا كمناضل في جبهة التحرير الوطني، إذ كانت عيادته الخاصة للجراحة بقسنطينة، مركزا لعلاج معطوبي جيش التحرير الوطني، بين سنتي 1954 و1956، وبتوليه رئيس مصلحة في مستشفى الصديقي بتونس، من 1957 إلى 1960، حيث امتهن جراحة الرئة والقلب والطب العام، تحمّل مسؤولية الخدمة الطبية لجيش الثورة، والعمل مع جبهة التحرير، قبل أن يفتح عشية الاستقلال أول مصلحة لجراحة الصدر، القلب والأوعية الدموية في مستشفى مصطفى باشا، تولى رئاستها منذ 1963 إلى 1989. ويعتبر التيجاني هدام مرجعية سياسية وطبية ودينية، فقد كان عضوا في مجمع الفقه الإسلامي بمكة المكرمة في الثمانينيات، بعد تحصّله على دكتوراه في الفقه الإسلامي من جامعة الزيتونة مطلع السبعينيات، كما شغل إماما عميدا لمسجد باريس بين عامي 1989 و1992، وعضوا في مجلس دراسة الإسلام في فرنسا، كما يعدّ من محرّري أول دستور للجزائر المستقلة، إضافة إلى تعيينه وزيرا للشؤون الدينية سنة 1964، ثم وزيرا للصحة بين 1965 و1970، وعين سنة 1992، عضوا في المجلس الأعلى للدولة، الهيئة التي تضم 5 أعضاء، تولت قيادة البلاد بعد استقالة الشاذلي بن جديد، وقبلها شغل منصب سفير الجزائر في تونس سنة 1970 لمدة خمس سنوات، ومثلها في الرياض منذ سنة 1982. ولأنه صنع التميز بجمعه للفلسفة والدين والطب، وحصوله على شهادات دولية، دكتوراه في العلوم الطبية من أكاديمية العلوم الطبية في موسكو سنة 1965، وقبلها شهادة جراحة مؤهلة من طرف مجلس باريس، ومبعوث السويد كجراح ماهر، فقد كان عضوا مؤسسا في مجلس التفكير حول الإسلام، وعضو مجمّع الحوار الإسلامي المسيحي في فرنسا، وعضوا مشاركا في الكلية الأمريكية لأطباء الصدر منذ عام 1954، وكامل العضوية في الجمعية الدولية لجراحة القلب والأوعية الدموية. وبعد تلك الرحلة العامرة، توقّف عطاء البروفيسور التيجاني هدام، الفيلسوف، الطبيب والدبلوماسي والسياسي والإمام، يوم 20 مارس من سنة 2000، لكنه رحل بعد أن ترك إرثا زاخرًا، منثورًا في مؤلفات مخطوطة باللغتين والعربية، في مجالات مختلفة، أهمها الفكر الديني والفلسفة والفقه الإسلامي، إضافة إلى المذكرات الشخصية، وقد أكدت عائلته ل"الشروق" أنّ تلك الأعمال الثريّة منقحة ومدققة نهائيا، ولكنها ستقرر نشرها في الوقت المناسب. كما تحمل عديد المرافق العمومية اسم البروفيسور التجاني هدام في قطاعي الصحة والتعليم العالي، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر، كلية الحقوق بجامعة منتوري بقسنطينة، المكتبة الجامعية المركزية بتلمسان، مستشفى بئر العاتر بتبسة وكذا عيادة الاستعجالات بولاية تيبازة وهذا تخليدا لاسم الجرّاح العالمي "هدّام" الذي خلّف من ذريّته 6 أطباء، في تخصّصات مختلفة بالمستشفيات الجزائرية. وفي الذكرى السابعة عشر لوفاته، تفتح "الشروق" صفحاتها لشهادات الأصدقاء والرفقاء، تقديرًا لهذه القامة السامقة في تاريخ الجزائر الحديث، واحتفاء بمسيرته الخالدة.
بروفيسور جراحة الأنف والحنجرة حسان عبد الوهاب: "هدّام.. أول طبيب أجرى جراحة ناجحة للقلب في تونس" تحدث البروفيسور حسان عبد الوهاب عن صديقه السابق الراحل التيجاني هدام، بصعوبة بالغة، وهو يحاول تجميع بقايا الذكريات التي لا تزال عالقة في ذهنه، نظرا لمرور وقت طويل على ذلك، فقد لاقتهما مهنة الطب بعد تعارفهما أول مرة سنة 1950 بفرنسا، حينما قصد التيجاني مدينة باريس الفرنسية من أجل تعلم الجراحة على يد البروفيسور "عقبي" آنذاك بمستشفى "بوبيني"، الخاص باستقبال المرضى المسلمين القاطنين في باريس وضواحيها، بينما كان حسان عبد الوهاب لا يزال يدرس الطب. وبخصوص ذلك، قال البروفيسور حسان إن وزير الصحة السابق كان جراحا متمرسا ومشهورا في تخصّص الأمراض الصدرية والقلب، بدليل أنه أول طبيب أجرى عملية جراحية ناجحة على القلب في تونس. وقال المتحدث "سي التيجاني هدام... كان شخصية كبيرة في كل المجالات في الطب والسياسة، وأكثر من ذلك فهو مثقف يتقن اللغات بشكل جيد"، وأضاف "أن التيجاني إنسان طيب جدا، ويحمل قلبا معطاء، ولأجل ذلك أحبه الجميع". وأضاف البروفيسور أن مهنة الطب ظلت السبب الوحيد الذي جمعه بالتيجاني خلال الثورة وبعدها، فقد شغل منصب المسؤول عن لجنة الأطباء بجيش التحرير الوطني في الفترة بين 1957 إلى سنة 1959، فيما تواجد "حسان" إلى جانبه، وظلّ على اتصال معه حتى بعد الاستقلال، حيث أصبح المستشفى الجامعي مصطفى باشا المحطة المشتركة الثانية بينهما، بعد أن شغل فيه رئيس قسم الأمراض الصدرية، وهو التخصّص الذي درسه هدام في أمريكاوالسويد بعد فرنسا، حتى أصبح جراحا متميزا. وكان هدام، حسب صديقه حسان، طيّبا مع مرضاه لدرجة كبيرة، ومتواضعا رغم تقلده عدة مناصب، لأنه رجل أصيل لا تغيره المواقع والمسؤوليات.
المجاهد عز الدين بن مبارك صديق التيجاني هدام: "علماء أمريكا تدخلوا للإفراج عنه من سجن فرنسا" برغم ثقل السنوات، فهو يقارب حاليا سن السادسة والثمانين، وبرغم تعاقب الأحداث المثيرة والدامية، إلا أن صورة ولبّ الدكتور تيجاني هدام، ما زالا منحوتين، في ذاكرة عمّي عز الدين بن مبارك، القاطن حاليا بقسنطينة، وهو من مواليد 2 أوت 1931 في مدينة ميلة، أحد أصدقاء نضال تيجاني. يعود أول لقاء بين الرجلين، كما قال المجاهد للشروق اليومي، إلى سنة 1957 عندما كان في مهمة لجلب السلاح من تونس، حيث نقل معه الطفل مولود حمروش، الذي لم يكن سنه قد تجاوز ال 11، كانت حالة مولود الفتى مؤلمة بعد أن قتلت فرنسا والده، والتحق أشقاؤه بالجبل طلبا للجهاد، فحاولت عائلته نقله إلى تونس ليواصل دراسته لدى شقيقه الأكبر محمود حمروش الذي كان يدرس في جامع الزيتونة، كما نقل المجاهد بن مبارك شقيقه، لأجل الدراسة في تونس، ولم يكن حينها يدري بأن القدر يخبئ له أحسن صداقة مع أحسن رجل وهو تيجاني هدام. وما هي سوى أيام معدودات، حتى تكفل تيجاني هدام بشقيق المجاهد بن مبارك عز الدين، فعلّمه التمريض، خاصة الاستعجالي، حتى يكون تحت تصرف المجاهدين، ووفر له المأكل والمبيت والتعليم الجيد في مستشفى الصدّيقي في العاصمة التونسية، ليعلم بعد ذلك بأن تيجاني هدام هو أحسن جراح في مستشفيات تونس، الذي يزدحم بمئات الأطباء الفرنسيين والأجانب. تعرّف الراحل على عمي عز الدين واقترب منه، عندما علم بأنه ينتمي للولاية الثانية، وكانت حكاية تيجاني هدام وطريقة القبض عليه، في عيادته الخاصة بقسنطينة عام 1956 على لسان الجميع، حيث تمّ الزجّ به في سجن الكدية بتهم مساندة المجاهدين طبيا وماديا، ولكن تدخل العلماء والأطباء الأمريكيين، مكّنه من الخروج من السجن، والفرار إلى تونس لممارسة مهنة الطب والبقاء على اتصال دائم مع الجزائريين وثورتهم أو ثورته معهم. تمتنت العلاقة بين المجاهد عز الدين والتيجاني هدام، وكانا على اتصال دائم بين شقيق عز الدين والصغير اليامين زروال اللذين كانا يتربصان في مهنة التمريض في منطقة الداندان بتونس. كانت مهمة المجاهد بن مبارك الأولى هي نقل السلاح من تونس إلى الجزائر، وهو ما تحقق، ثم جاءت عودة أخرى إلى تونس لنفس المهمة في مارس 1959 رفقة علي كافي، وتصادف تواجده في تونس بإصابته بمرض باطني، وعندما نقل إلى المستشفى اتضح معاناته من ورم في أحشائه فتولى الجراح التيجاني هدام تطبيبه، فكانت الجراحة التي جعلت علاقتهما تنتقل من الصداقة إلى الأخوة. وفي تونس توسّعت دائرة الأصدقاء الذين جمعتهم نفحات النضال منهم الكولونيل لعموري، بن طوبال وكريم بلقاسم وغيرهم.
المجاهد حسين بوجدرة رفيقه في تونس: "أنامل الجراح هدّام كانت تثير غيرة أطباء العالم" لم يكن عمي حسين بوجدرة، البالغ حاليا من العمر 84 سنة، يعلم بأن الدكتور الكبير تيجاني هدام، الذي سمع عن بطولاته وكيف تحدى الفرنسيين، بهروبه المثير إلى تونس، سيصبح صديقا له في أيام الثورة وما بعد الاستقلال. أصيب المجاهد حسين بوجدرة في إحدى معارك وادي زهور بالشمال القسنطيني، فقطع مئات الكيلومترات هروبا من الاستعمار في سنة 1957 بحثا عن الدواء، ومواصلة معاركه، فدخل تونس وتوجّه إلى مستشفى شارل نيكول، ولكن الطبيب الذي استقبله لم يكن مثل كل الأطباء، لأنه سأله، عن صحته وعن صحة الجزائر، التي كانت تئن بألم الاستعمار. تكفل تيجاني هدام وكان حينها أحسن طبيب في شمال إفريقيا، بمداواة كل الجنود الجزائريين وفقرائهم بالمجان، بل كان يساعدهم ماليا، وحتى الطلبة الذين كانوا يتربصون. كان عدد الجزائريين في مركز تونس، بين مريض وجريح نحو 600، وكان المشرف عليهم تيجاني هدام، وتقلّد عمي حسين وظيفة شرطي لحراسة المجاهدين، إضافة إلى امتهان الطبخ لمساعدة المجاهدين، ولم تكن المسافات تمنع الراحل تيجاني هدام عن تطبيب الجزائريين فكان يسافر ما بين تونس وباجة لطلب شفاء إخوانه، وكان رفقته دكتور فرنسي يدعى مارتيني وأطباء من الجزائر مثل طالب وبلخوجة. وعندما حضر إلى تونس المؤرخ الراحل توفيق المدني وأجرى للشباب الجزائري، امتحانا لأجل إدخالهم المدارس، تكفل التيجاني هدام بالأمر، فكان يساهم في إعطائهم الدروس، ويتكفل بالمهمة ماديا ومعنويا، وتم ترقيتنا _ كما قال _ إلى قسم المخابرات مع الراحل عبد الحفيظ بوالصوف في تونس، وبقي مشرفا طبيا على الفريق الجزائري بكل أصنافه في تونس من دون كلل ولا ملل. وتعرض التيجاني هدام لبعض العراقيل ليس بسبب مساعدته للجزائريين، لأن ذلك كان يتم تطوعا، وإنما بسبب تألقه كجراح متألق، حيث حاول دكاترة من تونس ويوغوسلافيا وفرنسا، خاصة بعد قيامه بما يشبه المعجزة الطبية عندما نزع رصاصة استقر طرف منها في قلب المجاهد المعروف رشيد بوخالفة، حيث حكم الأطباء الأوروبيون على المجاهد بالموت، ولكن الدكتور التيجاني هدام أنقذ حياة المجاهد الذي عاش مدينا له.
حسين أجرود، عون طبي سابق بمستشفى مصطفى باشا : "هدّام.. وزير يعالج المرضى والفقراء في بيته" ترك المرحوم التيجاني هدام، الطبيب والمجاهد والوزير السابق، أثرا بالغا في حياة رفيق دربه حسين أجرود، أحد الأعوان الطبيين في مستشفى باشا سابقا، بطيبة قلبه وإنسانيته التي لم تكن لها حدود، فكان التيجاني، حسب عمّي حسين "مختلفا عن بقية الأطباء، بحنانه المفرط، يحب الناس دون تفرقة بينهم، ولا يرضى بالعنصرية، يتسع قلبه للجميع دون استثناء..". وروى حسين أجرود ل"الشروق" حكايته مع التيجاني هدّام، الذي عرفه لأول مرة خلال شغله منصب رئيس قسم الأمراض الصدرية بمستشفى باشا، قبل أن يسمع عنه الكثير خلال تواجده بالحدود التونسية التي فرّ إليها هاربا من الموت الذي تهدّده من قبل الاستعمار الفرنسي، لاكتشاف أمر نشاطه الثوري، فذاع صيته أثناء حرب التحرير على رأس لجنة الأطباء، حيث أجرى عدة عمليات لمجاهدين مصابين، ويقول أجرود، إن التيجاني، بقي هناك حتى أولى سنوات الاستقلال، ليرجع بعدها للجزائر، حيث ترأّس مصلحة الأمراض الصدرية بمستشفى باشا وغيرها من المناصب السياسية. وأضاف حسين أجرود في شهادته الإنسانية قائلا: "كنت رفيق سفرياته أينما حلّ وارتحل، فقد فضلني أنيسا له، رغم أني كنت أصغره سنا وأتعبه بتصرفاتي، إلا أن طبعه في التحمل والصبر جعله يتغاضى عن ذلك، وأثناء تواجده على رأس الوزارة سنة 1974، بقيت على اتصال به دائما، نلتقي رفقة محمد الشريف عباس في مناسبات عدة". وقال حسين إن وزير الصحة الأسبق، لم تمنعه مسؤولياته من الاهتمام بالفقراء والدفاع عن المظلومين وإنصافهم، فكان يستقبل المرضى حتى في منزله، ويقدّم العلاج مجانا لمن لا يستطيع أن يدفع، وقام بإجراء عمليات جراحية وهو بمنصب الوزير. وفي هذا الصدد، ذكر المتحدث أنّ التيجاني لم يبخل، رغم انشغاله بشؤون الوزارة، بتقديم الرعاية الصحية لوالدته المسنة، بل كان يقصد منزله بالدار البيضاء، من أجل الاطمئنان عليها، ويحملها بنفسه إلى المستشفى حتى تخضع للعلاج بإشراف منه. وأضاف أن التيجاني كان المنقذ، بعد الله عز وجل، لابنتيه وهما على فراش الموت، وسرد حول ذلك وقائع تعرض ابنته الكبرى للإصابة بداء "التيفوييد" سنة 1969، وكيف نجت بأعجوبة، بعد أن أشرف هدّام هو على علاجها، وأصر على البقاء إلى جانبها حتى شفيت، ثم كان له الفضل في إنقاذ وعلاج ابنته الثانية بعد تعرضها لحادث مرور ودخولها الإنعاش مدة 15 يوما.
وزير الشؤون الدينية سابقا البروفيسور السعيد شيبان: "هدّام قبل كُبرى المسؤوليات حبّا لوطنه ودينه" لم يختلف الأستاذ والبروفيسور السعيد شيبان كثيرا، عن بقية من عرف التيجاني هدام عن قرب، وتأثر بخصاله التي قد تكون نادرا ما تجتمع في شخص واحد، على حد قوله، حيث قال عنه "إنه جنّد نفسه من خلال قبوله تقلد وظائف ومناصب كبيرة، حبّا لوطنه ووفاء لدينه، وحرص كل الحرص على أن يؤدي عمله على أكمل وجه"، وأضاف أن التيجاني هدام "أحبّ دينه وتميز عن زملائه ممن درسوا مهنة الطب فترة الاحتلال، بإتقانه وتمسكه باللغة العربية، حيث استغل فرصة تواجده سفيرا بتونس للمشاركة في مسابقة قرآنية، والحصول على إجازة في القراءة من قبل علماء جامع الزيتونة". وبخصوص علاقتهما ذكر وزير الشؤون الدينية الأسبق، أنه عرف التيجاني بعد الاستقلال حينما كان وزيرا للصحة سنة 1965، فرغم الميزانية المحدودة والظروف المالية الصعبة التي كانت تمر بها الجزائر، إلا أنه تمكن بفضل حنكته وحكمته من إدارة الأمور بشكل جيد، حيث دعم مصلحة طب العيون التي كان الدكتور السعيد شيبان رئيسا لها، من أجل تحضير أدوية العين، ولم يرفض طلبه له بهذا الخصوص، ومنذ ذلك اليوم، توطدت علاقتهما حتّى وضع فيه كامل ثقته، عندما كلفه التيجاني هدّام في جوان 1966، بحضور المؤتمر الدولي للصحة الذي انعقد في ألمانيا، ثم عيّنه في كلية الطب بعد فوزه بمسابقة التبريز، وانتقل شيبان بطلب من البروفيسور هدّام سنة 1968 من مصلحة طب العيون بتيزي وزو إلى مستشفى مصطفى باشا بالعاصمة، ليرسله بعد ذلك على رأس بعثة طبية جزائرية إلى نيجيريا في "حرب بيان فرون". وأشار الوزير الأسبق السعيد شيبان أن التيجاني استمر في منح الدعم له عند توليه منصب عميد في جامع باريس، حين طلب منه تزويد وزارة الشؤون الدينية، بالمؤلفات التي تعنى بتدريس الفلسفة في فرنسا، من أجل إعداد عمل مشترك في إطار مغاربي، لوضع مشروع تدريس الفلسفة، تعليما منسجما بين التعليم الديني والتعليم العام. وأضاف الدكتور شيبان أنّ المرحوم هدّام لبى نداءه أيضا حين طلب منه إرسال الترجمة الفرنسية لصحيح البخاري، إلى رئيس مركز الحديث الشريف في بريطانيا العلامة محمد مصطفى الأعظمي الهندي. وختم الدكتور سعيد شيبان كلامه عن التيجاني هدّام بأنه تشرف خلال حفل تأبينه - رحمه الله- بتقديم أثره حول "الأخلاقيات الطبية"، والتي كان قد أعدها هدام للمشاركة في ملتقى المجلس الإسلامي الأعلى، حول العلاقة بين الحكمة والأخلاقيات الطبية.
تلميذه في الطبّ والجراحة البروفسور علي بلحمري: "منْ يعرف التيجاني هدام لا يفكر في الهجرة نحو الخارج" "كان رجلا سياسيا مميزا، طبيبا جراحا متمرسا، ودبلوماسيا ذكيا، جادا ولطيفا.. لقد فقدته الجزائر"، هكذا بدأ البروفسور بلحمري علي، رئيس مصلحة الجراحة الصدرية بمستشفى باب الوادي بالعاصمة، حديثه عن المرحوم تيجاني هدام، فبكل حماسة واهتمام استرجع ذكرياته الماضية ومرحلة من شبابه، ليعدد مناقب معلمه المتميز في مهنة الطب والجراحة خلال سنوات السبعينيات. وقال البروفسور بلحمري عن أستاذه في الطب "إن التيجاني هدام كان بالنسبة لي اسما سياسيا وطبيبا مشهورا يتردد على مسامعي، عندما كنت طالبا في كلية الطب بالعاصمة، لكن شاءت الأقدار أن أعيش مع هذه الشخصية، فتبهرني بهدوئها وتمرسها في الجراحة الطبية، وسلاسة تعاملها، بتواضع الكبار، المشبعة عقولهم بالعلم والمعرفة". في سنة 1977، في مصلحة الجراحة الصدرية بمستشفى مصطفى باشا بالعاصمة "كنت متربصا لمدة 6 أشهر في جراحة الصدر، القلب والشرايين، في إطار دراسة شهادة التخصص في الجراحة العامة مدة 3 سنوات كاملة، فكان هدام أستاذي وكنت تلميذه المجتهد"، يقول الجراح بلحمري. ويضيف المتحدّث "وجدت فيه نظرة ثاقبة عميقة للأشياء، صرامة وجدية، يعطي لكل شيء قيمته ووقته، يتعامل مع العمليات الجراحية بكل برودة أعصاب وبكل حذر وثقة، فغرس فينا ذلك". وأكد أن المرحوم تيجاني هدام، كوّن طاقما طبيا متمكنا، وضع كل ثقته فيه، فكان يغيب لأداء مهامه ومسؤولياته الأخرى وهو مطمئن، حيث كانت مصلحة مستشفى مصطفى باشا للجراحة الصدرية الأولى والوحيدة تستقبل الكثير من المرضى وبإمكانيات مادية ضئيلة، ورغم ذلك نجحت في إجراء عمليات جراحية معقدة. تنهد مطولا وواصل بشيء من التأسف "لقد كان تيجاني هدام طبيبا يشخّص ويفحص بدقة وبحذر، بعينيه وخبرته وذكائه، لا يشخّص الأمراض والعلل بالأجهزة والسكانير، هذه الأشياء كانت غائبة في مصلحتنا، لكن الضمير وروح المسؤولية والجدية وحب المهنة وإتقانها يعالج بها هدام مرضاه". وقال الجراح البروفسور علي بلحمري، إن التيجاني هدام جعل الطاقم الطبي قلبا وعقلا واحدا، هدفه علاج الجزائريين وأداء مهنة نبيلة وفقط، مشيرا إلى أنه رغم تعدّد المسؤوليات التي كان يتولاها، إلا أنه لم يتعصب يوما أو يثور، مبررا ذلك بتعب أو بارتباط. "من يعرف التيجاني هدام كطبيب ووزير للصحة، لا يفكر أبدا في الذهاب إلى الخارج"، هكذا قالها البروفسور بلحمري، معترفا بما فعله لأجله، فقد مكّنه وهو متربص من إجراء عملية جراحية على القلب، كما تمكن من استئصال كيس مائي من رئة مريض، وساعده في أن يتكوّن في الخارج، فأرسله مرتين لمستشفيات باريس. وأضاف الطالب الجراح "لقد وجدت أستاذي في أوقات صعبة، كان دائما يرشدني إلى الصواب، يمتلك هدوء الإمام وحكمة الدبلوماسي ومهنية الطبيب الناجح، يسمع للآخر ويأخذ التجارب حتى من عند أصغر الأطباء وهو وزير للصحة".
مستشار عمادة مسجد باريس سابقا، عبد الرحمن دحمان: حكومة ميتران رفضت بقاء هدّام في مسجد باريس ! "لقد كان البروفيسور التيجاني هدام شخصية فذة في تمثيل شؤون المسلمين المقيمين بفرنسا على أحسن وجه، والحفاظ على وحدتهم، من دون مراعاة ألوانهم وجنسياتهم، كما نجح في صناعة صورة نقية ومشرفة عن الإسلام، حتى وصل في وقته إلى أعلى درجات الرقي والوقار من الجميع، حكومة وشعبا"، هكذا وصفه عبد الرحمن دحمان، مستشاره عندما تقلّد منصب عميد مسجد باريس الكبير من 1989 إلى 1992 . وكشف المتحدّث ل"الشروق" أنّ الحكومة اليسارية في فرنسا رفضت آنذاك استمراره، بحجة تقلده منصبين في آن واحد، بعدما صار عضوا في المجلس الأعلى للدولة في الجزائر بداية من 1992، ما اضطرّه للتخلي عن عمادة المسجد، بالرغم من رغبته الجامحة في مواصلة إدارة شؤون المسلمين وإتمام مشاريعه. إلا أنه استجاب في نهاية المطاف إلى واجب الوطن لإنقاذ الجزائر. وشبهه مستشار عبد الرحمان دحمان بعلماء العصر الذهبي للتاريخ الإسلامي، حيث بلغ العلم ذروته في شتى العلوم والفنون والعمارة والآداب، ذلك أن التيجاني هدام تعدّدت علومه وألسنه، فكانت كل حركة من حركاته وسكنة من سكناته تدور في فلك العلوم. وأضاف المتحدث، أنه عاش محافظا على جميع أوقاته في خدمة الإسلام، بذل طاقاته ومساعيه في الدفاع عنه بأوروبا، وتأمين المسلمين بالغربة وتحسين ظروف ممارسة عقائدهم. وتحدث دحمان عن الجلال والوقار الذي كان يحمله، فقال "كنت مذهولا عندما أتنقل معه في أسفاره، وأتذكر معاملة المملكة العربية السعودية التي دعته أيام الملك فهد بن عبد العزيز في 1990، وكيف عظمه وأجلّه الملك حين دعاه لأداء العمرة وزيارة الأماكن المقدسة وكيف استقبله بعدها الملك سلطان بن سلمان، أول عربي زار الفضاء في عام 1985 ببلدية الرياض". وتابع "كان الرجل طيبا بل وبالغ الطيبة، وأن ميله الشخصي دائما كان ينحو باتجاه الانفتاح وانفتاح المؤسسة الدينية، لم يكن يهمه المال والثروة". وعن تعامله مع مسؤولي الحكومة الاشتراكية الفرنسية تحت رئاسة فرانسوا ميتران، أضاف عبد الرحمن دحمان، أن الدكتور تيجاني هدام وظف إستراتيجية خطاب الاحترام لقيم الجمهورية، وحدّ فرنسا من التدخل في شؤون إدارته لمسلمي فرنسا والتي لم تلق - حسبه- أيّ معارضة أو انتقاد مقارنة بالوقت الحالي، لأنه نجح في حماية صورة الجالية الجزائرية من التدنيس بتهم التطرف الإسلامي والتعصب، بعد أن أحكم السيطرة على كل المساجد التابعة للأئمة الجزائريين، فلم يجرؤ أحد على المساس بها إلى غاية مغادرته المسجد، أمّا اليوم فقد فقدت الجزائر 80 مسجدا استولى عليها الأئمة المغاربة .
عميد مسجد باريس الدكتور دليل بوبكر: "هدّام أتقن سبع لغات في خدمة الإسلام والمسلمين" قال عميد مسجد باريس الدكتور دليل بوبكر، إنّ الشيخ البروفيسور التيجاني هدام جاء إلى مسلمي فرنسا، وهو يحمل بجعبته تجارب حقائب ثقيلة، دبلوماسية وسياسية وحتى طبيّة تقلدها طيلة 35 سنة. وأضاف في شهادته ل"الشروق" أنّ الرجل انطلق في عمله الحضاري بمسجد باريس، من الإيمان بالتنوع والتعدد، ترأس خلاله أيضا المجلس الديني الإسلامي بفرنسا CORIF، بهدف جمع أطياف المسلمين، وإجابته عن استفسارات الناس وحل مشكلاتهم، فضلا عن إشرافه بنفسه على إمامة المصلين في كل جمعة، وإلقاء الخطبة والدروس الدينية باللغة العربية وترجمتها إلى اللغة الفرنسية، وكذلك متابعته مهام الأئمة والمساجد يوميا، للاطلاع على كل صغيرة وكبيرة بها. وشدّد المتحدّث على أنه "كان صاحب الأعصاب الفولاذية ورجل السلام والتاريخ والثقافة المحنك، تمكّن من إضعاف كل أصوات الحنق والحقد ضد الإسلام والمسلمين". وأوضح دليل بوبكر أن سلفه في مسجد باريس كانت جهود وأعمال مشتركة مع وزراء الداخلية الفرنسيين، فيما يخص معتقدات المسلمين، مثل الأعياد الدينية، ومسألة الذبح الإسلامي، وشهر رمضان وغيرها من القضايا، معتمدا في ذلك مرجعيته الصوفية التي تربى عليها بمدرسة تلمسانمسقط رأسه، واصفًا تعامله مع الآخرين، على اختلاف أديانهم وثقافاتهم، بأقصى التحضر والتواضع، مع التهذيب والمجاملة، الأمر الذي جعله نموذجا للاحترام والمحبة من قبل الجميع. وكشف عميد باريس، وهو يستحضر مهارات هدّام رحمه الله، أنّ الأخير كان يتحدث، وبجدارة، سبع لغات، فكان موسوعة لغوية متشعبة، مع إتقانه لعدة لهجات، كما اهتم بمواضيع الفرانكوفونية والترجمة وحوار الأديان خصوصا الإسلامي / المسيحي.