بدأت الأحزاب الموالية منها والمعارضة، في تجهيز وعودها تحسبا لانطلاق الحملة الانتخابية، وشعارها في ذلك استمالة الجزائريين، بكل السبل، لكسب أصواتهم في السباق من أجل الحصول على أكبر عدد ممكن من مقاعد الغرفة السفلى للبرلمان. وبعد أن فشلت جميعها في إقناع غالبية الناخبين بالانخراط في العملية الانتخابية في آخر انتخابات تشريعية، تبدو مسؤوليتها اليوم أكبر من أي وقت مضى، في بلورة خطاب جديد يسلتهم من أخطاء الماضي علّها تنجح في تجاوز إخفاق 2012، وذلك من خلال إعطاء نصيب موعد الرابع من ماي المقبل، الزخم الذي يستحقه، وهذا يتطلب قدرا كبيرا من الوعي بما ينتظره منهم عموم الجزائريين، وفي مقدمة ذلك الإقلاع التام عن بيع الأوهام، وبالمقابل تلمس أوجاع الناخبين ومحاولة البحث عن الدواء الشافي لها. فكيف السبيل إلى ذلك؟ وهل ارتقت الطبقة السياسية إلى المستوى الذي يمكنها من بلورة خطاب واقعي وعقلاني يتماشى وانشغالات الشارع؟ وقبل ذلك، هل وقفت مع ذاتها وصححت الأخطاء التي وقعت فيها قبل خمس سنوات؟ وهل اقتنعت أن سياسة "بيع الأوهام" باتت عند الجزائريين تجارة غير رائجة؟ هذه الأسئلة وأخرى سيحاول "الملف السياسي" لهذا العدد الإجابة عليها.
"بيع الأوهام" وراء تطليقهم العملية الانتخابية أي خطاب يقنع 56 بالمائة من الجزائريين بالعودة إلى الصناديق؟ مع اقتراب موعد انطلاق الحملة الانتخابية للانتخابات التشريعية المرتقبة في الرابع من ماي المقبل، يعود التساؤل الأبدي، وهو: علامَ تراهن الأحزاب في خطاباتها عندما تواجه الجزائريين؟ هل على البرامج التي تنطلق من الوعود الواقعية التي تستهدف معالجة جراح الجزائريين والاستجابة لانشغالاتهم؟ أم على الوجوه والاعتبارات التي تستهدف حصد الأصوات ولو تم ذلك عبر بيع الأوهام؟ برامج الأحزاب في مثل هذه المواعيد والاستحقاقات، أصبحت في مخيلة الجزائريين عبارة عن وعود وأوهام سرعان ما يختفي أصحابها بمجرد انقضاء الموعد الانتخابي، وهي النقطة السوداء التي باتت تميز الكثير من "الأحزاب الموسمية". وبإخضاع خطابات وبرامج الفاعلين في المشهد السياسي لقراءة متأنية، يمكن التمييز بين نوعين من البرامج، برامج الأحزاب الداعمة للسلطة، ممثلة في كل من حزب جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي، وبدرجة أقل حزب عمار غول، تجمل أمل الجزائر (تاج)، والحركة الشعبية لوزير التجارة الأسبق عمارة بن يونس. واللافت في الأمر، أن أكبر هذه الأحزاب (الأفلان) ليس له برنامج انتخابي خاص به، لأنه ببساطة يدعم ويساند برنامج الرئيس بوتفليقة، كما قال أمينه العام جمال ولد عباس، ما يعني أن الخطاب الذي سيرفعه بداية من التاسع أفريل المقبل، سيتركز حول إنجازات العهد الأربع للرئيس بوتفليقة. غير أن الغريم الثاني في معسكر أحزاب السلطة، ممثلا في التجمع الوطني الديمقراطي، شكل الاستثناء من خلال محاولته إضفاء مسحة "أرنداوية" على بعض الجوانب من برنامج الرئيس، وذلك عبر إبرازه التأكيد على البعد المتعلق بأمن واستقرار البلاد، الذي جسدته إجراءات المصالحة والوئام بالتوازي مع محاربة الظاهرة الإرهابية، وهي المسائل التي تلتقي حولها كل الأطياف السياسية على اختلاف توجهاتها ومواقعها. في الجهة المقابلة، هناك فسيفساء من الأحزاب الموصوفة بالمعارضة التي لا يجمعها إلا رفض كل ما يصدر عن السلطة، وهي تقف عادة في موقع يسمح لها بانتقاد برامج وسياسات الحكومة، كونها لم تسهم في إعدادها ولم تشرف على تجسيدها ميدانيا، ما يجعلها في أريحية من أمرها. وتجد المعارضة في وعود الحكومة التي لم تحقق، وما أكثرها، منفذا لبرمجة خطاب سياسي ناقد من شأنه أن يحرج السلطة، فبرامج السكن لا تزال متعثرة، ومشكلة البطالة تتفاقم من سنة إلى أخرى، والقدرة الشرائية لم تتوقف عن التراجع، فضلا عن تردي خدمات القطاعات الأكثر تماسا مع انشغالات المواطنين.. وهذه المعطيات ستشكل من دون شك محور خطاب الأحزاب غير الدائرة في فلك السلطة ومحيطها، خلال الحملة الانتخابية. وبين هذا وذاك، تبدو غالبية الجزائريين وقد نفضت يدها من العملية الانتخابية، ويؤكد هذا نسبة المشاركة في الانتخابات التشريعية التي جرت في عام 2012، التي لم تتجاوز عتبة 44 بالمائة، وهي رسالة مفادها أن أكثر من 56 بالمائة من الجزائريين رافضون لسياسات الحكومة وغير مقتنعين بخطابات المعارضة. وإن كانت مقاطعة هذه النسبة من الجزائريين للانتخابات تشكل تعبيرا عن رفضها لسياسات وإخفاقات الحكومة، فإنها بالمقابل غير متحمسة لإيصال المعارضة إلى الحكم، ربما لعدم ثقتها فيها، ولعل هذا الاحتمال يجد ما يبرره في أداء الكثير من النواب الذين تم اختيارهم ضمن قوائم الأحزاب الموصوفة بالمعارضة. فالمعركة التي يتعين على السياسيين وبالخصوص المعارضين منهم، أن يخوضوها في الحملة الانتخابية المقبلة، هي كيفية إقناع ال 56 بالمائة الذين طلّقوا العملية الانتخابية، وهي نسبة عريضة من شأنها أن تقلب المعادلة السياسية رأسا على عقب، بمعنى يمكن أن توصل المعارضة إلى الحكم، وتزيح السلطة من برجها العاجي، غير أن هذا الأمر يتطلب معجزة في ظل ضعف أداء الأحزاب المعارضة وكذا الكثير من الوجوه التي دفعت بها إلى معترك التشريعيات.
عضو المكتب الوطني للحركة الشعبية الشيخ بربارة ل"ا لشروق": "الصراحة" عنوان برنامجنا في الانتخابات.. والسياسيون وراء العزوف يرى عضو المكتب الوطني المكلف بالإعلام في الحركة الشعبية الجزائرية، الشيخ بربارة أن خطاب الحملة الانتخابية الكفيل بجر الجزائريين إلى صناديق الاقتراع، يجب أن يكون مبنيا على مصارحة الشعب، وحثه على التكيف مع الظروف التي تعيشها البلاد، بالمقابل حمّل الأحزاب السياسية مسؤولية عزوف الشعب عن مكاتب الاقتراع، بسبب بعض الممارسات ومنها اختيار أسماء أكثر مصداقية، بعيدا عن الشكارة والمحسوبية. ماذا أعددتم لمواجهة الجزائريين في الحملة الانتخابية للتشريعيات المقبلة؟ في البداية يجب التأكيد على أن "الحركة الشعبية" قبل دخولها هذا المعترك الانتخابي، قامت بإعداد برنامج شامل مس العديد من الجوانب سواء ما تعلق بالجانب الاقتصادي أو الاجتماعي أو الثقافي، حيث تم تحيين البرنامج حسب الظروف والتطورات التي تعيشها البلاد، وهي الحملة التي ينتظر أن تجعل الجزائري يتوجه نحو صناديق الاقتراع ويختار مرشحيه. على ماذا يراهن حزبكم لاستقطاب أصوات الناخبين؟ "الحركة الشعبية" تراهن على منتخبيها المحليين وقياداتها في مختلف ولايات الوطن، لإقناع الشعب الجزائري بضرورة التوجه إلى صناديق الاقتراع يوم 4 ماي واختيار ممثليهم في البرلمان، وهدف الحركة الشعبية من وراء ذلك، هو تحقيق مشاركة كبيرة من شأنها أن تضفي شرعية على المؤسسات المنتخبة وتعيد الثقة في البرلمان كهيئة تشريعية عليا، وحزبنا يبحث عن المصلحة العامة للبلاد لتأتي بعدها مصلحة الحزب، فلا يهم أن يختار المواطن حزبا آخر دون حزبنا، المهم في الأمر قوة المشاركة وكسر حاجز العزوف الذي أصبح هاجسا يؤرق الجميع بما فيها الحكومة والأحزاب السياسية. إقناع الجزائريين بالخروج يوم الاقتراع.. هل هو مسؤولية الأحزاب أم الحكومة؟ إذا تحدثنا عمن يتحمل المسؤولية في إقناع الجزائريين بضرورة المشاركة في التشريعيات المقبلة، نقول إن الأحزاب السياسية تتحمل جزءا كبيرا من المسؤولية، فنسبة 80 بالمائة من الإقناع تقع على عاتقها، بينما مهمة الحكومة تكون في توفير ضمانات النزاهة والسهر على حياد الإدراة ، وإقناع الجزائري بأن صوته سيكون في أمان، وهي الأمور التي من شأنها أن تعيد ثقة الشعب في الانتخابات وضرورة المشاركة والمساهمة في التغيير، لذلك وجب اختيار رؤوس القوائم يحظون بثقة المواطن، ولا يشترون ب"الشكارة " ومتورطين في الفساد. هناك من يقول إن الجزائريين فقدوا الأمل في الأحزاب.. برأيكم، كيف السبيل لإبعاد هذه التهمة عنكم؟ بالفعل كثر الحديث مؤخرا على أن الشعب لم يعد يثق في الأحزاب السياسية وما ستقدمه في الانتخابات المقبلة، خاصة وأن البرلمان المنتهية عهدته ألصقت به العديد من النعوت والتهم على غرار "برلمان الحفافات والشكارة"، وهي المصطلحات التي نفّرت الشعب عن أداء واجبه الانتخابي، لذلك فالسبيل الوحيد الذي يمكن الأحزاب السياسية من استعادة ثقة الشعب الضائعة منها، هو بتقديم مرشحين يحظون بثقة القاعدة المحلية ليكونوا في مرتبة سفراء دوائرهم الانتخابية في المجلس الشعبي الوطني، وتكون النزاهة والكفاءة والمستوى التعليمي مقياسا في الاختيار، ومن هنا يتبين مدى صعوبة المهمة الملقاة على عاتق الأحزاب السياسية في مسح الصورة السوداء التي صنعها بعض أشباه السياسيين، الذين سودوا صورة السياسي، والذي أصبح بمفهومهم يقتنص فرصة المواعيد الانتخابية للظهور ثم الاختفاء عن المشهد بمجرد وصوله إلى مبنى زيغود يوسف. ما طبيعة الخطاب الذي يتعين على حزبكم المرافعة به في ظل الظروف التي تعيشها البلاد؟ في الحقيقة الظرف الذي تمر به البلاد يتطلب خطابا سياسيا ينطلق من واقع الجزائريين ويسعى لإيجاد حلول لمشاكلهم، خاصة وان الشعب الجزائري أصبح مطلعا على الحقيقة، لذا وجب مصارحته أكثر، ونحن في الحركة الشعبية الجزائرية سوف نركز في خطابنا على الوضع الأمني والتحديات التي تعرفها المنطقة داخليا وخارجيا، لأن من دون استقرار، لا يمكن الحديث عن السياسة والمال والاقتصاد، هذا الأخير الذي قمنا بتحضير برنامج خاص به يتضمن مقترحات من شأنه إخراج الجزائر من الأزمة المالية التي عرفتها بعد تراجع سعر برميل النفط.
القيادي بحركة مجتمع السلم ناصر حمدادوش: توجهات الناخبين لا تغيرها خطابات الحملة الانتخابية يرى القيادي في حركة مجتمع السلم ومتصدر قائمتها في التشريعيات المقبلة بولاية جيجل، ناصر حمدادوش، أن السلطة انتهجت عقلية الأحادية والإقصاء وقضت على أدوات الرقابة المؤسساتية والشعبية، مشيرا إلى أن هذه السلطة أيضا هي من يقع عليها واجب صناعة البيئة السياسية وتوفير الأجواء الديمقراطية للانتخابات، وأكد على أن الحركة تتوفر على برنامج حقيقي وواقعي تم إعداده بعناية من طرف خبراء في إطار مشروع اللجان القطاعية المتخصصة لنحو 36 قطاعا وزاريا. اقترب موعد انطلاق الحملة الانتخابية فماذا أعددتم لها؟ إننا نرى أن الانتخابات هي محطة طبيعية لأي حزب سياسي واعد، يحمل الأمل ويعرض رجاله ومشروعه، ويختبر مصداقيته، ويقنع برؤيته السياسية والاقتصادية، للعلاقة التلازمية بين الديمقراطية والتنمية. ولذلك فما نحمله نحن هو برنامج تنموي بديل وآمن، بما يحقق الاستقرار السياسي والتطور الاقتصادي والرفاه الاجتماعي للبلاد. وأعتقد أن لدينا الثقة في الشعب، الذي يجب أن تحترم إرادته، لأنه صاحب السيادة في اختيار ممثليه في مؤسسات الدولة. على ماذا تراهنون لاستقطاب أصوات الناخبين؟ إننا نراهن على خروج الشعب ومشاركته القوية في أي انتخابات، والانتخاب حق وواجب يجسد المواطنة الكاملة. وأعتقد أنه لا سبيل للتغيير والإصلاح السياسي والسلمي إلا عن طريق "الانتخابات"، لغياب وعدم واقعية المشاريع الأخرى، فلا الثورات الشعبية ولا الانقلابات العسكرية ولا التدخلات الأجنبية ولا الاستقالات الجماعية تنهض بالوطن وتخدم الشعب. ولهذا، فإن مقاطعة الانتخابات لا تخدم إلا الفاشلين والفاسدين وأصحاب الشكارة، ولا تعبر إلا عن الفراغ السياسي والمؤسساتي، وهو ما يطعن في شرعية مؤسسات الدولة ومشروعية أدائها. على من تقع مسؤولية إخراج من يرفض من الجزائريين الذهاب إلى صناديق الاقتراع؟ إن قناعة المواطنين بالانتخابات مسؤولية جماعية متعددة الأبعاد، تنطلق من الوعي السياسي والثقافة الديمقراطية للمواطن، إلى مصداقية وشفافية العملية الانتخابية، وهي مسؤولية السلطة الحاكمة، لتصل إلى رمزية وقوة الأحزاب وإلى كفاءة ومصداقية المترشحين. إيماننا نحن هو أن المشاركة في الانتخابات أو مقاطعتها هي موقف سياسي يجب أن يحترم، وهو يندرج ضمن حرية الأفراد وحقوق الإنسان. ما تعليقكم على من يقول إن الجزائريين فقدوا الأمل في الأحزاب بسبب وعودها الكاذبة في الكثير من الأحيان؟ إن السلطة الحاكمة هي التي تتحمل مسؤولية صناعة البيئة السياسية وتوفير الأجواء الديمقراطية التي تمكن المواطن من التعبير عن إرادته في اختيار ممثليه. وكلما فشلت في ذلك، كلما ازدادت مسؤولية الأحزاب والمترشحين في الاستدراك على ذلك، ولكن هناك مسؤولية أيضا للأحزاب في إعادة الاعتبار للعمل السياسي والفعل الانتخابي بقوة الطرح والتجذر الشعبي سياسيا ومجتمعيا. برأيكم ما هو الخطاب الذي بإمكانه تغيير مواقف الجزائريين من العملية الانتخابية في الظرف الراهن؟ ما نعيشه الآن هو نتيجة طبيعية لمنظومة الفساد والفشل التي تحكم البلاد، بعقلية أحادية وإقصائية ترفض التداول السلمي على السلطة، اعتمدت على الريع البترولي وتدمير كل أدوات الرقابة الشعبية والمؤسساتية، وهو ما يتطلب رؤية توافقية وفق إرادة شعبية ببرامج سياسية واقتصادية، تعتمد الديمقراطية كآلية للحكم، والعلمية كأداة في وضع البرامج، والشفافية كعنوان في التسيير، ومعايير الحكم الراشد كقواعد في ممارسة المسؤولية. هناك من يتهم أحزاب المعارضة بافتقادها مشاريع سياسية جادة باستثناء مهاجمة سياسات السلطة.. ما تعليقكم؟ لقد وضعنا برنامجا سياسيا بديلا تنمويا ومتكاملا، عكفت على تحضيره إطارات وكفاءات متخصصة من داخل الحركة وخارجها منذ سنتين، في إطار مشروع اللجان القطاعية المتخصصة، لنحو 36 قطاعا وزاريا. وقد ساهم في هندسة هذا البرنامج خبراء من داخل مؤسسات الدولة وخارجها، بعنوان: البرنامج البديل، وسيتم عرضه على الرأي العام في يومٍ إعلامي ودراسي قبل الانتخابات، وسيمثل البرنامج أملا وبديلا آمنا للشعب الجزائري. أما معارضتنا للسلطة فهذه وظيفة ديمقراطية لأي أقلية في العالم، وهو دور رقابي ومسؤولية سياسية وواجب وطني لتصويب اختلالات أي حكومة تحترم الرأي والرأي الآخر.