بدخول المنتخب الجزائري تربصه التحضيري للمونديال المقبل، بدأ العد التنازلي للمشاركة الجزائرية في أكبر تجمع كروي على الإطلاق، ومعه تزداد التعاليق والتوقعات والاحتمالات، وتتوالى الأخبار والمعلومات حول المنتخب، وتزداد الطموحات والتكهنات، وتتوقف الحياة في الجزائر أكثر مما هي متوقفة إلى غاية انتهاء المونديال، وبعدها سنعود إلى يومياتنا وواقعنا وسنرى ماذا سنفعل وماذا سنجني، وكيف ستكون ردود أفعالنا، وكيف ستكون الكرة والرياضة عندنا، وكيف ستكون أحوالنا وهل سالت دماؤنا ودموعنا وتوترت أعصابنا عبثا، أم أننا حفظنا الدرس هذه المرة وسننجح في الاختبارات الموالية، وندخل مرحلة أخرى من التعامل مع الإخفاقات والانتصارات، وندخل الاحتراف فعليا هذه المرة وليس صوريا بالكلام فقط كما كان الشأن في كل مرة .. * * ولكي نقدر مانحن فيه، وما يجب أن نكون عليه بعد المونديال وضرورة تثمينه والاستفادة منه، وحتى لا نندم على تأهلنا إلى المونديال، يجب على كل واحد منا أن يعود بالذكريات ويستعيد شريط الأحداث والمصاعب التي مرت بها الكرة الجزائرية بنواديها ومنتخباتها على مدى عقدين من الزمن، ونتذكر متاعب الجماهير الجزائرية عبر التاريخ، لندرك بعدها بأن جماهيرنا وبلدنا يستحقان منا كل الخير وليس في كرة القدم فقط، ويستحقان منا التخلص من أنانيتنا وذهنياتنا، والمزيد من الجهد والعطاء لإسعاد هذا الشعب وخدمة الوطن. * لا أريد تقليب المواجع، ولن أستطيع سرد كل المتاعب والمشاكل والأزمات، ولكنني أكتفي بالتذكير بأن ظلم الإخوة والأعداء، وقسوة القريب قبل الغريب، ومشاكلنا التي كادت تعصف بنا، جعلتنا لفترة طويلة من الزمن نتفرج على غيرنا وهم يستمتعون ويفرحون، ويشاركون في نهائيات كأس العالم ويتوجون، وكان جيل التسعينيات وبداية الألفية يتحسر على أحواله وكاد يفقد الأمل في الحصول على فرصته في التألق والتفوق. * وبسبب ظروف قاسية وسياسات ورجال سامحهم الله، كاد اسم الجزائر أن يبقى رهينة للفشل ومرادفا للإخفاق، وكاد جيل الألفية الثالثة أن يبقى رهينة انكسارات تلاحقه لسنوات، ولكن بفضل الجهد والرجال أيضا هاهي الجزائر تحمل لواء الوطن العربي بأكمله، وتستعد لتمثيله وتشريفه، وتستعد لتثبت للجميع بأنها عادت فعلا إلى الواجهة ولن تعود بعد اليوم إلى الصفوف الأخيرة. * هذا العبء سنحمله أثناء المونديال وعندما نعود من جنوب إفريقيا نبقى نتذكره ونستلهم منه، لنواصل مشوار الحياة بنفس العزيمة والإرادة وبروح أم درمان في كل مجالات الحياة، لأن الشعب الذي عانى من ظلم الأيام والسنين، وقاوم وصبر ولازال ولم ييئس، يستحق منتخبا وطنيا يرفع رايته بين الأمم، ويزيد من تلاحمه وتفاؤله بالمستقبل، ويستحق أن يخدمه النساء والرجال والهيئات والمؤسسات على كل المستويات، ويستحق أن يدير شؤونه مسؤولون أكفاء لا ينهبون أمواله ولا يخذلونه ولا يقللون من شأنه وقدراته، ويستحق عدالة اجتماعية وفرص تتاح لأبنائه لكي يبدعون ويتألقون ويخدمون وطنهم بدورهم. * التأهل إلى الدور الثاني في المونديال هو الذي نطمح إليه وباستطاعتنا تحقيقه، ولكن إعادة تأهيل كرتنا ورياضتنا ومواردنا البشرية هي التي نصبوا إليها بعد المونديال، واللعب بعزيمة وإصرار وبروح أم درمان هي التي سنخوض بها المباريات في المونديال، ولكن الحفاظ على نفس الروح والعزيمة والإصرار بعد المونديال هي التي نريد مواصلة المشوار بها في كل المجالات، وهي التي يجب أن يتميز بها كل فرد وأسرة وجمعية ومؤسسة، ويتحلى بها كل المجتمع لأن مافعلته بنا الكرة والمنتخب لم يفعله أي انجاز من قبل، ولم تفعله التجارب والتحديات التي رفعناها سابقا. * قد نخرج من الدور الأول في المونديال وقد نتأهل إلى الربع النهائي، ولكن لاهذا ولاذاك يزيد أو ينقص من قيمة الذي حققناه اليوم ومن قيمة الجزائر، ولا هذا ولاذاك ينقص من سقف طموحاتنا في الاستمرار على نفس النهج، خاصة وأننا استرجعنا اليوم بفضل التأهل كما هائلا من اللاعبين الذين عادوا إلى أحضان الوطن يرغبون في الدفاع عن ألوانه، ونملك اليوم رغبة وإرادة رسمية وشعبية في الاستثمار في لعبة كرة القدم، وأدركنا مدى قدرة المجتمع الرياضي على قيادتنا نحو التفوق والتغيير. * الحديث عن أمالنا في المونديال وطموحاتنا وقدراتنا بعد المونديال يقودني لتذكير من لا يقوى على التأقلم مع الروح الجديدة ومتطلبات المرحلة، ومن لايقدر على القيام بواجبه لإسعاد هذا الشعب من موقعه فليبقى في بيته، لأننا أثبتنا قدراتنا وعزيمتنا وصبرنا، ورفعنا سقف طموحاتنا، أما من يتحينون الفرص لإحباط العزائم والتشكيك في كل ماهو جميل، ويعتبرون أنفسهم أوصياء علينا، وبدونهم لن نحقق شيئا فيجب أن يعلموا بأن لا قيمة لهم من دون الجزائر، ويعلموا بأن للجزائر أفضال علينا، وليس لنا أي فضل عليها مهما فعلنا، وحتى وإن فزنا بكأس العالم فإن الطريق لايزال طويلا وشاقا، والحياة والطموحات في الجزائر لا يجب أن تتوقف عند حدود جنوب إفريقيا .. * [email protected]