العلاقات الجزائرية-الموريتانية"تكتسي طابعا استراتيجبا "بأمتياز"    نثمن عاليا هذه المبادرة التي "تجسدت بعد أن كانت مجرد فكرة    الوزير الأول, السيد نذير العرباوي, ترأس, اجتماعا للحكومة    توقع نموا ب2 % للطلب العالمي سنتي 2025و2026    قرار الجزائر طرد 12 موظفًا قنصليًا فرنسيًا يستند إلى مبدأ المعاملة بالمثل    تواصل هبوب الرياح القوية على عدة ولايات من البلاد    في اختتام الطبعة ال1 لأيام "سيرتا للفيلم القصير    يوم العلم: شايب يشارك عبر تقنية التحاضر عن بعد في الاحتفال الذي نظمته قنصلية الجزائر ببوبيني (فرنسا)    فرنسا تعيش في دوامة ولم تجد اتجاهها السليم    الصحراء الغربية: وفد من المتضامنين الإسبان يؤكد تضامنه مع الشعب الصحراوي    وزارة التربية تجتمع بممثلي المنظّمات النّقابية    إحباط محاولات إدخال قنطارين و32 كلغ من الكيف المغربي    التكنولوجيات الرقمية في خدمة التنمية والشّمول المالي    "سوناطراك" ملتزمة باستكشاف آفاق استثمار جديدة    قطاع غزة يدخل مرحلة الانهيار الإنساني    الرياضة الجوارية من اهتمامات السلطات العليا في البلاد    آيت نوري ضمن تشكيلة الأسبوع للدوريات الخمسة الكبرى    السوداني محمود إسماعيل لإدارة مباراة شباب قسنطينة ونهضة بركان    عين تموشنت تختار ممثليها في برلمان الطفل    الطبخ الجزائري يأسر عشاق التذوّق    استبدال 7 كلم من قنوات الغاز بعدة أحياء    اجتماعات تنسيقية لمتابعة المشاريع التنموية    "خطأ شكلي" يحيل أساتذة التربية البدنية على البطالة    الألعاب المتوسطية 2026: تارانتو تحتضن غدا الخميس ندوة دولية لتسليط الضوء على التحضيرات الخاصة بالنسخة العشرين    أيام من حياة المناضل موريس أودان    "التراث الجزائري من منظور بلجيكي" بالجزائر العاصمة    نافذة ثقافية جديدة للإبداع    بومرداس تعيد الاعتبار لمرافقها الثقافية    شهر التراث: برنامج فكري وعلمي لصون وتثمين التراث الثقافي الجزائري في ظل التحولات التكنولوجية    وزير الدفاع الموريتاني يؤكد رغبة بلاده في تعزيز الشراكة الاستراتيجية بين الجزائر وبلاده    تجمع حقوقي يستنكر استمرار قوة الاحتلال المغربي في اعتقال ومحاكمة السجناء السياسيين الصحراويين بسبب الرأي    سوناطراك: حشيشي يعقد اجتماعات مع كبرى الشركات الأمريكية بهيوستن    صناعة صيدلانية : قويدري يتباحث مع السفير الكوبي حول فرص تعزيز التعاون الثنائي    سونلغاز تتوصل إلى اتفاق مبدئي لإتمام محطة عين وسارة عبر مجمع صيني    صادي يؤّكد ضرورة تفعيل الرياضات المدرسية والجامعية    توقيع 8 اتّفاقيات بين الجزائر والصين    جثمان رئيس فيض البطمة يوارى الثرى    والي العاصمة يتفقد مشاريع إعادة التأهيل    مختصون يبرزون دور الحركة الإصلاحية    بلمهدي يبرز دور الفتوى    كأس الجزائر : "سوسطارة" بشق الأنفس, وتضرب موعدا في النهائي مع ش بلوزداد    فصائل فلسطينية: أي تهدئة بغزة دون ضمانات حقيقية لوقف الحرب "فخ سياسي"    الرمان وفوائده.. ومحاذير الإفراط في تناوله    سانحة للوقوف عند ما حققته الجزائر من إنجازات بالعلم والعمل    تنظيم ملتقى بعنوان دور الشباب في تعزيز التكامل الإفريقي    من "غير المجدي" الابقاء على زيارته المبرمجة الى فرنسا    حجز الرحلات يسير بصفة منظمة ومضبوطة    ظاهرة الكهول العزّاب تتفشّى في الجزائر    كأس الجزائر (نصف النهائي): اتحاد الجزائر يفوز على اتحاد الحراش (1-0 بعد الوقت الإضافي) ويبلغ النهائي    التنفيذ الصارم لمخطط عمل المريض    20 رحلة من مطار "بن بلة" نحو البقاع المقدسة    السفير يطمئن على قندوسي    فتح رحلات الحجّ عبر الأنترنت    ما هو العذاب الهون؟    عربٌ.. ولكنهم إلى الاحتلال أقرب!    كفارة الغيبة    بالصبر يُزهر النصر    الحضارات الإنسانية لا تعادي الثقافات النبيلة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فرفر يعلق الجرس في جبن المثقف وخيانته
أقواس
نشر في الشروق اليومي يوم 19 - 05 - 2010

حين كنا تلاميذ، كانت محافظنا خاوية إلا من بعض الكراريس، إلا أن رؤوسنا الصغيرة كانت مليئة بأحلامنا المدوخة والكبيرة كبر العالم الذي كنا نحلم به جميلا ونقيا. كانت محافظنا تضم كتاب القراءة المصورة بنصوصه الأدبية المدهشة...
وكان كتاب القراءة هذا يحوي قصة جميلة لا يمكنني أن أنساها ومثلي لا أعتقد أن أحدا من مجايليي يكون قد نسيها، وأما القصة فعنوانها "فرفر يعلق الجرس" ولأنها جميلة وتنطبق على حال مثقفينا اليوم فإني سأقصها عليكم بطريقتي الخاصة، ولأني أقصها عليكم في النهار أتمنى ألا تصابوا بالقرع أو يولد لديكم أطفال قرع:
كان في قديم الزمن وسالف الأوان مملكة للفئران، مقامة على شكل مدينة تحت الأرض، شوارعها خنادق وبيوتها جحور. الفئران فيها تعيش بكل هناء وبذخ ونقاش أيضا، دون أن يعكر صفو حياتها معكر، وكانت تتزاوج وتتوالد بشكل طبيعي، وتسافر أيضا دون خوف إلى مدن بعيدة أو قريبة لزيارة الفئران والجرادين واليرابيع الأخرى، ولم يكن يعترض طريقها عارض أو قرصان أو قاطع طريق، وظل حال المدينة هنيئا وكأنها مدينة أفلاطون حتى قدم ذلك اليوم المشئوم، إذ جاء أحد الفئران لاهثا لمقابلة رئيسهم وهو يصرخ ويبكي ويرتجف ذعرا، حين رآه الحاجب على هذا الهول وافق بإدخاله على كبيرهم فورا.
قال رئيسهم للفأر المذعور وقد أدرك أن به مسا:
ما بك؟ هدئ من روعك يا فرفر وكان هذا هو اسم الفأر حامل الخبر.
الأمر خطير يا سيدي، وحياتنا وسلالتنا مهددة بالانقراض؟ أجاب الفأر المذعور.
أفصح عن أمرك؟
و هنا ألقى الفأر أمام كبيرهم بفروة فأر لم يبق من أثر جسده سوى الفروة.
ذعر رئيسهم وسكنه الهلع وأدار رأسه مخفيا وجهه في راحتي كفه ألما وحزنا، ثم عقب:
ها وصلتنا الكارثة.
يا سيدي، إنه قط ضخم مفترس ولعين قد هاجم مدينتنا الفاضلة وشرع في ابتلاعنا واحدا واحدا.
ويروى أن مدينة الفئران هذه كانت مدينة تملأها طبقة من المفكرين والفهماء من الفئران. دعا كبيرهم إلى اجتماع طارئ للنظر في اعتداء القط الذي أصبح يرمي كل يوم بفروة فأر بعد أن يلتهمه.
اجتمع الفئران وشرعوا في مناقشة الأمر بعد أن شرح لهم كبيرهم حجم الكارثة قائلا:
إن القط يصطاد منا كل يوم ثلاثة، يأكل واحدا في فطوره وثان في غذائه وثالثا في عشائه وإذا ما استمر على هذه الحال سينهينا بعد فترة قصيرة. والحل هو إما أن نهجر جميعا هذه المدينة التي ولدنا فيها ولنا فيها أجداد دفنوا بها ، ولنا فيها ذكريات وتاريخ وجودنا ثم نرحل ، وكم يصعب علينا الرحيل، إلى مدينة أخرى حيث مصيرنا يكون مجهولا وغير مضمون. وإما أن نطالب زوجاتنا الفأرات أن ينجبن أكثر وأكثر وبالتالي نترك القط يأكل منا نسبة نعوضها بالولادات الكثيرة وفي هذه الحالة أيضا المستقبل غير مضمون فقد تصاب الفأرات بالعقم أو الولادات القليلة فيقرضنا وسأجد نفسي أنا شخصيا ذات يوم غير بعيد بين فكيه.
سكت الحضور طويلا ثم أمر رئيسهم برفع الجلسة قائلا:
نظرا لخطورة الأمر ولحالة الحرب فإنني أعلن فرض حالة الطوارئ وأبقي على الاجتماع مفتوحا للنقاش وتبادل الآراء بحثا عن مخرج للكارثة، فمن كانت له أية فكرة عليه أن يسرع بها إلى مجلس الحكماء الذي يبت فيها على الفور،علّنا نقف على منفذ من خلاله لا نضيع فروة أخرى لواحد منا.
وإذ الفئران الحكماء يجلسون، بعضهم يقرأ في كتبه الضخمة، ويدقق في مخطوطاته، وبعضهم يضرب خط الرمل، وبعضهم ينجم في السحاب، وبعضهم يقرأ الفناجين. الكل يبحث عن حل. وبينما هم على هذه الحال من الجد الفكري والفلسفي والرموزي، دخل عليهم فرفر العظيم، وفرفر هذا هو أفهمهم جميعا وأكثرهم ثقافة، دخل وهو يحك رأسه وقد أحضر معه شيئا يخفيه في كيس، تصدر القاعة وخاطب أعضاء مجلس الحكماء بلغة فئرانية فصيحة وصحيحة، فقد عرف عن فرفر الفصاحة ببيانها وتبيينها وهو المعروف أيضا بشعريته العالية وبخطاباته الحماسية المدهشة، ويقال إنه أيضا كان يعرف كثيرا من اللغات الأجنبية التي تتكلمها فئران البلدان الأخرى، يقال إنه كان يتكلم دزينة منها دون لكنة أو عجمة.
قال فرفر:
أيها الإخوة في اللغة والفكر والعرق والملبس والمأوى، لقد نجحت في الوصول إلى حل عبقري يخلصنا ويريحنا نهائيا من هذا القط المجرم الذي عكر صفو حياتنا وأهلك مدينتنا الفاضلة، مدينة الفئران.
اندهش الجميع لكلام فرفر وبدت على ملامحهم السعادة والارتياح.
قال رئيس لجنة الحكماء وقد بدت عليه علامة استعجال معرفة فكرة الخلاص التي جاءت بها رأس فرفر العبقرية:
أفصح واشرح لنا فكرة الخلاص يا صاحب الخلاص.
بثقة أخرج فرفر جرسا نحاسيا من الكيس، لم يفهم الحاضرون ما علاقة الجرس بفكرة خلاص مدينة الفئران الفاضلة من جبروت القط المجرم.
قال فرفر في لغة بيانية وثقة نفسية عالية:
هذا جرس الحكمة، فإن نحن علقناه في عنق القط المجرم المتجبر، فإنه سيخبرنا إذ سيسرسر ويدق بمجرد أن يتحرك القط في اتجاه مدينتنا، حينئذ نأخذ احتياطنا ونفر ونختفي فلا يستطيع أن يلحق بأي أحد منا أذى.
يا للفكرة العبقرية.. عانق الجميع فرفر مهنئين له على فكرة الخلاص هذه.
نطق واحد من الجمع متسائلا:
لكن.. على من تقع مهمة تعليق الجرس في عنق القط؟ إنها مهمة خطيرة؟
احتار الجميع وقد سكنهم الخوف ودبت في أجسادهم الحمى، وبدأوا يتهربون من مغامرة غير محمودة العواقب، يختفي الواحد خلف الآخر، لكن فرفرا أبدى شجاعة كبرى ثم قال:
أنا الذي سيعلق الجرس، أنا مخلص المدينة الفاضلة الفأرية من هذا القط.
صفق الجميع لشجاعة فرفر ولعزيمته وعزمه على تخليص مدينة المثقفين الفأريين من قط متعجرف.
وهكذا شوهد فرفر وهو يحمل الجرس متجها صوب موقع تربص القط.
وفي اليوم التالي، وجدت فروة فرفر عند مدخل الجحر وبجانبها الجرس.
سكت الجميع، نظر الجميع إلى الجميع، لم يسأل أحد عن الجرس ولكنهم كانوا يتأملون فروة فرفر بنظرة فيها مزيج من العجرفة والجبن، ثم قالوا بصوت مرتفع كي يصل إلى مسمع القط لعله يشفق عليهم:
.. إن فرفر هذا، كان فأرا مغرورا .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.