حين يتجاهل النقاد العرب بأن أول مسرحية بالعربية ولدت في الجزائر عام 1848، فهذا لا يحتاج إلى تفسير، فمسرحية (نزهة العشاق في مدينة الترياق) لإبراهيم دانينوس لا تدرس في الأقسام الأدبية بجامعة الجزائر. وحين يتجاهل النقاد العرب بأن أول نص روائي عربي هو "تحولات الجحش الذهبي" لأبوليوس فهذا بسبب ربط العرب بالعربية وليس بالحضارة العربية. بل إن هناك من حاول أن يربط تاريخ العرب بالإسلام، وليس العكس، وما دام الكثير يجهل الانتماء إلى حضارته فمن الطبيعي أن يتحول الجهل إلى ثقافة مشتركة بين أقطارنا العربية، أما إذا أردنا أن نفحص موقع الجهل في ثقافة كل قطر على حدة فقد نضيع في متاهات الجهل. فما موقع الجهل في الثقافة الجزائرية المعاصرة؟ البطل هو الشعب حين يموت ممثل على خشبة المسرح فالحدث ليس جديدا، ولكن حين يموت في "ليلة القدر" وهو يدعو الله أن يطل عمره 10 سنوات حتى يتجاوز العشرية التي نمر بها فهذا أمر يتطلب التأمل، ذلك أن المرحوم توفيق ميميش الذي وافته المنية على ركح عنابة وهو لم يتجاوز 54 سنة، كان يحلم ب (حياة مؤجلة) عله يتجاوز المحنة الثقافية التي تمر بها البلاد. من رأى أو شاهد الحلقات المطولة لمسلسل (وادي الذئاب) سيرى -لا محالة- التداخل الموجود بين سلطة الفساد وسلطة المال داخل الدولة، وكيف تتقاطع المصالح ليبقى المواطن ضحية الصراع على من يتحكم في رقابه. وكيف تتحكم سلطة الجهل في سلطتي المال والفساد، وهي السلطة نفسها التي نجدها في مسلسل "الأرض الطيبة"، ولكنها تتراجع أمام سلطة الدولة حين تصبح في خدمة المواطن، بحيث نفقد الأقلية ثقافة التمرد على السلطة التي هي في خدمة الجميع دون أن تتجسد في جهة أو أشخاص أو مؤسسات. وأول من حمل شعار "الشعب هو البطل" هو المرحوم مصطفى كاتب عام 1963، عندما انتشرت في الجزائر "سلطة الزعامات". من يتابع نشاطات الوزراء في "المحترمة سابقا" يخيل له أن هناك حراكا ثقافيا في الجزائر، ومن يتصفح الصحافة الجزائرية يتوهم أن هناك صراعا سياسيا أو مناسبة، ومن يتعمق يكتشف الحقيقة المؤلمة وهي ثقافة "دشن وصرح ووعد واجتمع" ولو أن الرئيس يقرر منع حضور الكاميرا في "زيارات واجتماعات وزرائه وولاته ببعضهم البعض" لربما يكون قد قدم خدمة جليلة للمواطن. ماذا نعطي لكل ولاية من ال 48 ولاية سلطة "تحمل" مسؤوليتها كاملة أمام سكانها، بحيث لا يصبح مدير الثقافة مسيرا من وزارة الثقافة. ألا نكون قد وضعنا حدا لتبذير المال العام في أنشطة لا يوجد ما يبرر قيامها إلا المال العام وكيفية صرفه حتى يكون في خدمة هذا المسؤول أو ذاك. وماذا لو أعطينا حرية إنشاء نقابات مستقلة بكل ولاية تشكل فيدرالية.. ألا نكون قد وضعنا حدا لاستمرارية الحزب الواحد. التاريخ للشعوب والله للجميع حين كشف العقيد أحمد بن شريف عن قصة رفاة (سي الحواس وعميروش) في منبر اكتوبر، منذ عشرين سنة، لم يحرك أحد ساكنا، وحين كشف أن للرئيس الراحل محمد بوخروية حسابا في سويسرا، تحركت عقيلة السيدة أنيسة بومدين ورفعت دعوى قضائية في فرنسا ضد المجلة وأحمد بن شريف، ومن أجرى مع المقابلة، يدعم من نظام الشاذلي بن جديد ضد الرئيس السابق أحمد بن بلة، ورفضت المجلة تقديم صورة ل "الصك" إلى المحاكم الفرنسية، انطلاقا من مفهوم صار اليوم غائبا وهو أمن الدولة. والمفارقة أن السيدة عقيلة بومدين التي حاولت الاستحواذ عليه، ها هي تلزم الصمت، وكأن اتهام زوجها السابق بفتح حساب بالعملة الصعبة حرام، أما اتهام السيد سعيد صادي لزوجها العقيد هواري بومدين ب (خيانة الثورة والثوار) لا يعنيها. وأين كان ابن عميروش من رفاة والده حين كشفنا عنها قبل عشرين سنة؟ لو كان لصادي سعيد ومن انساقوا وراءه علاقة بالثقافة وقرأوا "مذكرات الرئيس علي كافي" لما كان لهم رد فعل على لقائه مع "أربع جرائد وطنية"، لكن ما ذنب القارىء الجزائري إذا كان الجهل هو السائد في الصحافة الجزائرية. أعتقد أن الرئيس علي كافي لم يضف جديدا إلى ما نشور في مذكراته اللهم إلا الظهور الإعلامي. ومع ذلك، فقد قرأت ردود أفعال أقل ما يقال عنها إنها لأناس يجهلون أو يتجاهلون أو يتناسون ما سبق نشره. وحين يجتمع ما تبقى من حكومة المرحوم بوصوف ليردوا على كتاب أصدره رئيس حزب حول تاريخ لم يشارك في صنعه، ورجال لم يجرؤ على مواجهتهم في الحكم أو خارجه. أتساءل: لماذا لم يقدموا الوثائق لأستاذ وصحفي طبع كتابا حول بوصوف والتقيته ب (ميلة) وأخبرني أن مناصبهم ووظائفهم لا تسمح لهم بمساعدته على استكمال مشروعه الوطني، فيما ها هم يجتمعون ويكتبون ليس دفاعا عن المرحومين محمد بوخروبة وعبد الحفيظ بوصوف، وإنما لشيء آخر هم أدرى به مني. ليس هذا دفاعا عن "صادي" ولا أشباهه، لأنهم لا يمارسون السياسة وإنما يلبسون غطاء الجهوية الذي اختاره فرحات مهني بعد فشله في الغناء، وسيختاره صادى إذا فشل في تزوير التاريخ.. وللحديث بقية.