نكاد نجزم الآن أننا أمام آخر الفرص للإقلاع وفك العقدة التي لازمتنا منذ أن تجرعنا حتى الثمالة من كؤوس الإرهاب الدموي، والإرهاب الإداري، وإرهاب الحڤرة، الذي أدخل في قاموس الجزائريين هذه الكلمة وجعلها لازمة هذا القاموس، وفاتحة كتابه التي يتلوها كل "المحڤورين" في وطننا، مع تنهيداتهم المؤلمة، فضخّ حوالي ثلاث مئة مليار دولار في خزان القطار الاقتصادي المتوقف، وسهر رئيس الجمهورية وإلحاحه على أن تتحرك كل القاطرات، وأن ينزل من الرحلة الجامدين والمفسدين والمتكلين، جعلنا نقول إننا أمام أهم وآخر فرصة لأجل أن نكون بعد أن مرّت كل الهبات السماوية التي تهاطلت على أرضنا، دون أن تحرك هذا الساكن الذي ارتضى أن يعيش "حلاّبا" مزمنا لبقرة النفط، يبيع حليبها في أسواق العالم دون أن يأخذ من زبدها ولا من جبنها، ما عدا دولارات يعيدها لذات الأسواق لشراء الأكل والكماليات. * بقليل من الجهد وكثير من سخاء السماء، تمكنت الجزائر في الموسم الماضي من تحقيق الاكتفاء الذاتي في الحبوب، وبكثير من الجهد وكثير من المال الذي ضخته الدولة الآن، بإمكان الجزائر في المواسم القادمة أن تصبح بلدا مصدرا دائما للحبوب، وبكثير من الجهد وكثير من المال بإمكان الجزائر أن تكتفي ذاتيا غذائيا، وتقضي نهائيا على مسلسل الأزمات الغذائية التي تندلع بين الحين والآخر، من أزمة البطاطا إلى أزمة العدس ووصولا إلى أزمة اللحوم التي نستوردها من بلد لا يمتلك الغيث الذي يروي أرضنا، ولا الأموال التي تمنحنا إياها هذه البطن السخية... * أحسن ما في النظام الجزائري أن الجميع يعترف بأننا أسأنا استغلال خيرات البلاد، واستثمار القناطير المقنطرة من ذهب وفضة النفط الذي لامس سعره السقف، ويعترف بأن الفساد قد سكن الجسد كما تفعل الأورام الخبيثة، وعرفنا جميعا تشخيص هذا المرض الذي شلّ الحركة نهائيا، لكننا نعجز عن تحديد الوصفة، لأن المال وحده لم يحل المشكلة في كل الصدمات البترولية العنيفة السابقة، والتي رفعت أسعار النفط إلى مستويات قياسية، فكان ريعه يذهب أحيانا لاستيراد الكماليات من موز وسيارات هوندا، وأخرى يهرّب إلى الخارج أو يتم تبخيره في مشاريع فاشلة يتفرج عليها المواطن عبر الصور، ويقرأ عنها في الصحف دون أن تتجسد في واقعه، وإن تجسدت يشمّ منها رائحة الفساد الذي لم يعد في حاجة إلى مصالح الأمن لكشفه، بعد أن صار الفساد يمشي بيننا في الأسواق حتى لا نقول في أجسادنا. * المخطط الخماسي القادم الذي وفرت له الدولة مبلغا يفوق ما وفرته الدولة على مدار عقود في ثوراتها الصناعية والعلمية والفلاحية.. هو إما أن يكون حلما جميلا يجعل الجزائر في مكانها المنطقي، الذي يجب أن تكون فيه دولة حباها الله بكل الخيرات الطبيعية والبشرية والتاريخية والجغرافية لتصبح قوة عظمى لأن ما تمتلكه من أسباب الإقلاع تحسده عليها البابان وكندا والسويد وفرنسا وإما أن يكون كابوسا مرعبا أشد إيلاما من كل الكوابيس التي خلّفت من ورائها الإرهابيين والحراڤة والمنتحرين والمتشردين. * قديما قال شكسبير في رائعة هاملت: "أكون أو لا أكون تلك هي المشكلة".. والآن نقولها نحن صراحة إن المواطن يرفض أن يطرح هذا السؤال المشكلة، فقدرنا أن.. نكون.