انتشر الكلام الفاحش بشكل مخيف وسط الجزائريين، وأصبح متداولا بصورة عادية في الشوارع وحتى في البيوت، والأكثر من هذا لا يقتصر على الكبار، بل تعدى إلى الصغار والعنصر النسوي أيضا، حتى أن شريحة واسعة من الجنس اللطيف باتت تتفوه بعبارات لا يقدر معشر الذكور على نطقها، ما جعل الكثير ينادي إلى التحرك لإنقاذ المجتمع من ظاهرة أخلاقية خطيرة تهدد ذوق وجوهر الإنسان في الصميم. يرى الأستاذ وليد بنونة من المدية، بأن انتشار ظاهرة الكلام الفاحش يعود أساسا إلى غياب سلطة المجتمع التي كانت تجعل في وقت سابق الطفل يشعر حتميا بخطورة هذا النوع من الكلام، مضيفا بأن العشرية السوداء بما أتت به من مشاكل اقتصادية وسياسية وأمنية انتكست سلبا على الأعراف الاجتماعية والموروثات الأخلاقية، ما تسبب في إهمال الكثير من الأخلاقيات، من جانب آخر يؤكدالدكتور سمير بلكفيف، أستاذ الفلسفة بجامعة خنشلة، بأن العنف اللفظي (قبح العبارة) لا يرتبط باللغة في شيء، بقدر ما يرتبط بالذات المتكلمة، لأن الذات حسب قوله هي التي تباشر عملية البناء اللغوي، والتعبير اللفظي، كما أن اللغة قبلية (سابقة لوجود الفرد)، إنها "مسكن الإنسان" بلغة هيدغر، بينما الكلام بعدي (يظهر في لسان شخص ما)، ومن ثمة فالكلام حسب سمير بلكفيف هو "العنف المؤسس" - وفق عبارة رونيه جيرار - بما أنه يخضع للذات التي تتكلم، لكن هذا لا يعني أن اللغة بريئة، إذ أن اللغة حسبه تنتج الحقيقة، في ظل تطابق ماهوي بين اللغة والحقيقة والفكر.
الأولياء في قفص الاتهام والأبناء يقطفون سموم الشارع أوضح الأستاذ حكيم حسونة من بسكرة، بأن الإنسان هو ابن بيئته يتفاعل معها إيجابا أو سلبا، مشيرا بأن الدور الأساسي في هذه العلاقات المتداخلة هما الوالدين ثم بقية أفراد المجتمع، على غرار أبناء الحي وزملاء الدراسة، ويرجع محدثنا تفشي الظاهرة إلى تخلي كثير من الآباء عن مسؤولياتهم في متابعة أبنائهم، وغياب الخطاب الديني المسجدي الفاعل والمؤثر، إضافة إلى اقتصار المدرسة على التعليم دون التربية، وكذا غياب السلطة القانونية الصارمة في تطبيق القوانين ذات الصلة حماية للمجتمع، وفي السياق ذاته يرى نبيل حورة (أستاذ جامعي في علوم الإعلام والاتصال) بأن الطفل صفحة بيضاء يكتبون فيها من هم أكبر سنا، فالطفل حسب نبيل حورة بمجرد سماع الكلمة لا يدرك دلالتها، لكن لما يردد الكلام الفاحش قد يلقى ردا ايجابيا سواء بالصمت أو بالتفاعل أو الاكتفاء بإسكاته في تلك اللحظة دون القيام بالنصح والإرشاد، واقترح محدثنا ضرورة تشغيل أوقات فراغ الأبناء في تدريسهم علوم الدين لترسيخ أصول التربية الصحيحة للأبناء وتعزيزها بدور الأسرة، محذرا من انعكاسات هذه الظاهرة التي مسخت حسب قوله شوارعنا، وهي الآن تمسخ البيوت وستسفر عن تميع أخلاقي رهيب إذا لم تتضافر جهود جميع الجهات.
الشارع أصبح مدرسة والكلام الفاحش نغمة يسمعها الجميع من جانب آخر يشير الأستاذ محمد فراح، صاحب مكتب الإحسان بباتنة، بأن ظاهرة الكلام الفاحش بين الجزائريين قديمة، فقد تكون الظاهرة حسبه قد بدأت مع الاستدمار الفرنسي الذي دمر كل شيء في حياتنا الاجتماعية والثقافية والدينية، مضيفا بأنها تنتشر أكثر بين الشباب البطال الذي لم يتعلم كثيرا، بل ربما تلقى تعليمه من الشارع، لذلك كان الأولياء حسب محدثنا ينهون أبناءهم من الخروج إلى الشارع، وإلى الآن نحذر أبناءنا حسب محمد فراح من الشارع وأصدقاء الشارع، فذلك كله يدل أن الشارع يربي بطريقة سلبية، ومنه يتعلم الأولاد والكبار الكلام الفاحش ويعتادونه ويضنونه ربما كلاما عاديا، ولا حرج في قوله وسماعه، وفي سياق حديثه أكد محمد فراح للشروق قائلا"عجيب أمر الشارع الجزائري، فأنت لا تستطيع السير فيه بهدوء دون أن تسمع أذناك ما لا يليق من الكلام البذيء والفاحش من القول"، مرجعا ذلك إلى فشل منظومتنا التربوية في تكوين إنسان صالح، وتخريج المواطن الصالح أيضا في دينه وخلقه وثقافته وتفكيره، ووصل إلى نتيجة بأن الشارع أصبح مدرسة الكثير من الجزائريين وتلك الطامة الكبرى.
"الشتم تحول إلى فاكهة والحل في الأخلاق الفاضلة" أكد الشيخ أحمد رزيق (إمام بمسجد أولاد جحيش بباتنة) ل"الشروق" بأن الشتم والكلام الفاحش أصبح موضة جيل التسعينات، وأصابت عدواها حتى الكبار، والأخطر من ذلك حسب رأيه هو انتقال الآفة إلى العنصر النسوي بشكل رهيب، ويمكن أن تسمع من بنت كلاما لا تصدق أنك تمشي على وجه الأرض، ووصل الشيخ أحمد رزيق إلى نتيجة وهو أن السب والكلام الفاحش أصبح مصنفا في خانة العادي عند جيل اليوم، بدليل أن مجرد مكالمة هاتفية بين صديقين بدايتها كلام فاحش كمقدمة أو كفاكهة المكالمة إن صح التعبير، وحتى البيوت حسب الشيخ أحمد رزيق لا تخلو من ذلك بين الوالدين والأولاد، كذالك ناهيك عن المدرسة التي لم تسلم من هذا حين يتلفظ المعلم أو الأستاذ أو المدير بألفاظ سوقية، وأرجع محدثنا هذه الظاهرة إلى المرحلة التي مر بها الشعب الجزائري، إضافة إلى ظروف تعانيها الأسر الجزائرية في مجال السكن والشغل وغلاء المعيشة، وما زاد الأمر خطورة حسب الشيخ أحمد رزيق هو انتشار الآفات الاجتماعية وسهولة الحصول عليها وارتكابها (فواحش ومخدرات وخمر..)، معتبرا بأن العلاج يكمن في القيام بثورة داعية للأخلاق الفاضلة، وذلك بالعودة إلى ديننا الحنيف وتربية النشء ورعايته، بالتعاون مع الوالدين والمسجد والمؤسسات التعليمية والتربوية والجمعوية.