تعد محلات بيع العجائن "الكسرة" و"المطلوع" قبلة الكثير من الموظفين خلال ساعات تناول الغذاء، مفضلين شراء وجباتهم منها مع إضافة شيء من اللبن أو الجبن، معتقدين أنها وجبة صحية أكثر تفيد الجسم لاعتماد القمح في صناعتها ونظيفة مقارنة بما تقدمه محلات الأكل السريع "الفاست فود" من وجبات دهنية تحضر في ظروف تفتقر لشروط الصحة. لكن ما اكتشفناه في جولتنا مع أعوان الرقابة وقمع الغش مغاير تماما للانطباع السائد لدينا. ترهق وجبة الغذاء اليومية الموظفين فتكلفهم ميزانية خاصة تتراوح مابين 80 إلى 500 دج باختلاف المنطقة ونوعية الوجبة المختارة، فما يأكله العامل في بداية الشهر يختلف عن نهايته ومع الأزمة الاقتصادية والزيادات في مختلف الأسعار، أضحت الوجبات الباردة كالحليب ومشتقاته والأجبان هي اختيار بعض الموظفين وهو ما سمح لأصحاب المحلات بعرض وجبات جديدة.
أقمشة بالية مشبعة بالدهون لتخمير خبز الدار ما شدنا لمحل بيع "الكسرة" و"خبز الدار" في الأبيار، ونحن نتجوّل رفقة فريق الرقابة وقمع الغش والمكوّن من ممثل مديرية التجارة، دهار العياشي، ورئيس محقق رئيسي للمنافسة والتحقيقات الاقتصادية، سماش نعيمة، هي بعض الأنواع الجديدة من "الكسرة" المعروضة للبيع، كسرة محشوة أو كما تسمى بالعامية "فارسي" بالتونة، بالجبن، ب"التشكشوكة، بالسبانخ "السلق" بمختلف الأحجام كبيرة وصغيرة، خبز الدار. وطابور طويل من الزبائن يقفون في الدور ليشتروا وجبتهم، فموعد زيارتنا كانت قد تجاوزت فيه عقارب الساعة منتصف النهار وقت اقتناء وجبة الغذاء. دخلنا المحل وأول ما لفت انتباهنا مجموعة من الرفوف الحديدية تحمل صواني مغطاة بأقمشة ملوّنة مشبعة بكميات كبيرة من الدهون يبدو أنها لم تغسل منذ أن افتتح المحل أبوابه، عليها عجين لخبز الدار يتخمر، وآخر نضج وضع عليه ليبرد. ليقف طاقم الرقابة مندهشا ومصدوما من نوعية القماش ومدى اتساخه، والأدهى من هذا أن نوعيته رديئة فهناك احتمال كبير في تفاعل الألوان الموجودة عليها مع تأثير الحرارة في العجين والخبز الساخن ليطالبه أعوان الرقابة باستبدال هذه الأقمشة بأخرى بيضاء اللون وهو شرط أساسي.
أكياس سميد مفتوحة وعجينة تتخمر لجانب جدار متسخ وعلى طاولة من الرخام كانت هناك عجينة الكسرة من دون غطاء مسندة لجدار لونه أسود جراء الطفيليات والجراثيم المتكاثرة فيه، ليتدخل أعوان الرقابة بنبرة حادة مطالبينه بوضع العجين في كيس بلاستيكي شفاف غير ملوّن ولا يحمل أصباغا، حتى لا يكون متناول "الكسرة" في خطر وبخصوص الأنواع المختلفة المحضرة ب "التونة" والجبن حذّروه منها لارتفاع درجة الحرارة في المحل وهو ما يعجل بسرعة تلفها وطالبوه بالامتناع عن عرضها للبيع. وفي الجهة المقابلة من المحل كان هناك وعاء متسخ فيه ماء يغلي، أكد صاحب المحل أنه يستعمله في تحضير العجين وكان لوجود الأوساخ في المحل حصة الأسد، فعلبة "التشكشوكة" وجدناها من دون غطاء و"السلق" كان يسبح في المياه من دون غلاف أو غطاء أما بقية الأطعمة التي كانت في علب بلاستيكية فبسبب تراكم الزيوت والغبار عليها لا تستطيع فتحها، ليوجه له أعوان الرقابة إنذارا شفويا وأمروه بتنظيف المحل واستبدال الأقمشة بأخرى بيضاء والحرص على تغليف العلب بعد كل استعمال وكذا غلق أكياس السميد والفرينة حتى لا تتسلل لداخلها الحشرات.
أوعية بلاستيكية زرقاء "مسرطنة" لنقل اللبن ونحن نواصل جولتنا لاحظنا محلا تجاريا يضع عند مدخله مجموعة من الأوعية البلاستيكية الصغيرة زرقاء اللون "بتية"، ليدخل أعوان الرقابة المحل لاستفسار صاحبه عن أسباب اعتماده عليها، فرد بكونها مخصصة لجلب اللبن، وهو ما استغربوه بشدة فهذه النوعية من الدلاء والأواني البلاستيكية غير الغذائية تم منع استخدامها في المواد الغذائية، لمَ تشكله من خطر على صحة المستهلك بسبب تفاعل محتواها من لبن أو عصير مع البلاستيك فيصبح سرطانا، لكن صاحب المحل برّر ما يقوم به باعتمادها فقط لجلب اللبن ثم يقوم بإفراغه في آنية كبيرة مصنوعة من الألمنيوم لعرضه للبيع. وأضاف صاحب المحل لا يوجد أوعية أو دلاء من الألمنيوم لنستعملها لهذا الغرض وبعد مراقبة السجل التجاري للمحل تبيّن من خلال الرموز "الكود" غير مسموح له ببيع اللبن بل يبيع المواد الغذائية فقط، وهذا نشاط إضافي غير مرخص به. وأكد لنا أعوان الرقابة اعتمادهم على الإنذار الشفوي في بعض الأحيان والعودة بعد فترة لمعاينة المحل للوقوف على التزام صاحبه بالملاحظات التي وجهت له من عدمه، ومرات أخرى يوجّهون له استدعاء لمديرية التجارة لقسم مراقبة المنتجات الغذائية وهناك يخيّر بين تسديد قيمة محضر الصلح وفي حال رفضه يحال الملف على العدالة والتي يكون حكمها غرامات مالية أو غلق المحل.