بعد عبارات الحب والأحلام الكبيرة والوردية التي بنوها على موقع التواصل الاجتماعي "فايسبوك"، ومع أول عاصفة تهب على عش الحياة الزوجية السعيد، يتحول ذات الموقع إلى حبل لنشر أسرار حياتهما الشخصية وخلافتهما وأداة للتشهير وفضح بعضهما البعض، بل وأحيانا منبرا لتبادل السب والشتائم، وخلافات وقضايا تصل إلى المحاكم وتنتهي بفك الرابطة الزوجية. تكثر في موقع "الفايسبوك" صفحات ومجموعات للأحاديث النسوية، حيث كل شيء داخلها يصلح للحديث، حتى أدق تفاصيل يومهن من أعمال منزلية، وطبخاتهن، وحتى خلافاتهن الزوجية، سواء مع شريك العمر أم مع الحماة و"السلفات"، ليصبح الفضاء ساحة أخرى لمعركة إلكترونية يطلق المنشور شرارتها الأولى، وقد يتسبب في نسف الهدوء والسعادة، التي ظلوا يسعون لتجسيدها على أرض الواقع، ليتبدد الحلم الجميل، ويصبحان قاب قوسين أو أدنى من الطلاق. ونحن نتابع إحدى المجموعات، شدتنا قصة إحدى السيدات راحت تحكي عن معاناتها مع حماتها وشقيقات زوجها العاملات، اللواتي يعاملنها كخادمة ويرفضن تقديم يد العون لها.. وهو ما شجع قريباتها وصديقاتها، وحتى مطلعات على المنشور، على تقديم رأيهن وتحريضها على القيام بثورة ودعوتهن لمشاطرتها العمل، وهناك من ذهبن أبعد من هذا عندما طلبن منها إجبار زوجها على استئجار مسكن منفرد لها حتى تتخلص من هيمنتهن، لكن هذا الصفاء لم يدم طويلا بعدما وصل المنشور إلى عائلة زوجها لتطلب من المشرفة على المجموعة حذفه خوفا من الخلافات العائلية التي تنتظرها. فيما لم تجد إحدى السيدات، التي قررت ترك بيت الزوجية دون رجعة، أي مانع أو حرج من سرد أسباب الخلاف والطلاق في إحدى المجموعات، بعدما أرجعته إلى غيرة زوجها الشديدة وتدخله في ملابسها ومواعيد خروجها ومراقبته لها في العمل وفحص هاتفها وأجهزتها، بل وحتى تفتيش خزانة ملابسها.. وهو ما لم تهضمه، فلم تعد تشعر بالراحة معه لتقرر الانفصال والبدء من جديد. وراحت تنعت زوجها بعبارات على شاكلة "موسوس"، "مريض ومهبول" وغيرها من المفردات والعبارات الجارحة. وغالبا ما يتخذ أحد الزوجين من الموقع السابق وسيلة للانتقام من خلال نشر معلومات الشريك أو صوره ومصاحبتها بعبارات سيئة، أو حتى استعمال الصور المنشورة في الحسابات الخاصة لبعض الأعمال كالسحر، وهو ما حدث في إحدى القضايا التي قصها علينا المحامي الأستاذ إبراهيم بهلولي. فقد تطلق الزوجان بعد زواج سنتين وإنجابهما طفلة، لتوهم الزوجة شريكها بوجود أشخاص يريدون تحطيم سعادتهم بوضع سحر لهم، وقد استخدموا في سبيل ذلك صور "الفايسبوك" الخاصة به التي لا يسمح لأحد بالاطلاع عليها باستثنائها، ووضعت عليها كادنة وعبارات عن سحر التفريق. وبعد تدقيق وتحقيق من الزوج، علم بأنها هي من أخذت الصور ووضعت السحر، فقرر تطليقها. واستطرد المحامي قائلا: هناك الكثير من الخلافات والعلاقات الزوجية تنتهي بسبب "الفايسبوك" بدعاوى قضائية، فيقصدون مكاتب الدفاع، محملين بأوراق عليها بعض العبارات الجارحة، ويطلبون منهم قولها في معرض المحاكمة، لكن المحامين يكتفون بالإشارة إليها فقط لا غير. وأضاف المتحدث أن كشف أسرار الحياة الزوجية على الفايسبوك ظاهرة أضحت مستشرية في المجتمع زيادة على السب والشتم. وأردف المحامي قائلا إنه قانونيا يعد نوعا من التشهير والسب والقذف عن طريق وسيلة إلكترونية، وتصل العقوبة حتى 6 أشهر والغرامة من 5 آلاف إلى 50 ألف دينار جزائري، وإذا تم نشر صور فيعتبر مساسا بالحياة الشخصية للأفراد دون موافقة الطرف الآخر وفقا للمادة 303 من قانون العقوبات وعقوبتها تصل إلى عام حبسا. أما السب، فمن 5 أيام إلى 6 أشهر وغرامة مالية من 5 إلى 50 ألف دينار جزائري.