تعرف حرفة الإسكافي في السنوات الأخيرة انتشارا واسعا في مختلف شوارع وأحياء وأسواق العاصمة، فهذه الحرفة التي كانت تقتصر على الشيوخ والأبناء الذين توارثوها عن الأسلاف، أضحت اليوم من اختصاص الشباب هروبا من شبح البطالة، فبعد أن تركوا المجال لممارستها للأفارقة الذين يتخذون من الجزائر مركز عبور للوصول إلى الضفة الأخرى من البحر المتوسط، عادوا إليها كمنفذ أخير لكسب لقمة العيش بكرامة. أصبحت مهنة الاسكافي تجذب الكثير من الشباب من سكان العاصمة، فتصليح الأحذية انتقل من حرفة إلى مهنة يبني عليها هؤلاء الشباب آمالا في كفهم السؤال والانحراف، إلى أن يستفيدوا من المشاريع التي هي في طور الإنجاز كمشروع مائة محل في كل بلدية. ''نتجاور دون منافسة فالأرزاق على الله'' تستدعي التساؤل مناظر هؤلاء الشباب الذين يتجاورون أمام بعضهم البعض لممارسة نفس النشاط، ففي سوق رضا حوحو وتحديدا في الشارع الرابط بين السوق وشارع ديدوش مراد يلاحظ المارة العدد الكبير لهؤلاء الشباب الإسكافيين، فلا تكاد أحيانا المسافة الفاصلة بين الواحد والآخر تتجاوز 5 أمتار على أكبر تقدير. اقتربنا من بعضهم فلمسنا من كلامهم معنا أنهم يجدون متعة كبيرة بجوار بعضهم، بحيث تقوم بينهم منافسة قوية سواء في كيفية تصليح الأحذية أو جلب الزبائن. كما تحدث بين الحين والآخر بعض المناوشات في حال استدعاء أحدهم زبائن الآخر لتصليح أحذيتهم إذا ما كان ذلك الأخير منهمكا مع زبون آخر، لكن سرعان ما يخمد لهيبها ويعود جو الصداقة والزمالة، لأنهم متيقنون، كما ذكر أحدهم بعد انتهائه من مناوشات كلامية مع زميل له، من أن '' الأرزاق على الله''. ومع اكتساح المنتوجات الصينية الرديئة والمغشوشة السوق يجد المواطن نفسه في الكثير من الأحيان مضطرا إلى التوجه لإصلاح حذائه حتى يتمكن من مواصلة سيره، زيادة عن أولئك الذين يقصدونهم لترقيع أحذيتهم باستمرار في ظل ارتفاع الأسعار التي يقابلها عجز في قدرتهم الشرائية خاصة أرباب الأسر ممن يضحون من أجل أبنائهم. ''حاجتنا دفعتنا لمنافسة الحرفيين'' يعرف هؤلاء الباعة حق المعرفة أنهم وبتوجههم إلى هذه المهنة صاروا يشكلون مصدر قلق ومنافسة للحرفيين الإسكافيين خاصة أولئك العاملين بمحلاتهم الخاصة، فانخفاض الأسعار لدى هؤلاء الشباب يستقطب المواطنين ذوي الدخل الضعيف حتى وإن كانت النوعية غير جيدة، مثلما أكده لنا إسماعيل شاب تعوّد على هذه المهنة منذ سنتين، يتخذ من شارع محمد بلوزاداد وتحديدا بالقرب من مدخل مقبرة سيدي امحمد مكانا لمزاولة مهنته وكسب رزقه. إنها مهنة صعبة وتحتاج إلى الخبرة والصبر وقوة البراهين والحجج ودبلوماسية الحديث لتبرير الأخطاء، فإذ أراد الشاب فعلا أن يصبح اسكافيا فما عليه سوى أن يضع طاولة تحتوي على معدات من غراء ومسامير ومطرقة وغيرها من الأدوات التي يحتاجها الاسكافي في عمله عادة، ورغم قلة الخبرة لدى معظم الإسكافيين إلا أنهم تمكنوا من استقطاب عدد كبير من الزبائن من المارة ومن سكان هذا الحي الشعبي.قد تبدو حرفة الإسكافي سهلة لا ترهق أو لا تكلف الكثير، إلا أنها تحتاج إلى معدات ولوازم عمل تجعل من يمتهنها يصرف مبالغ لا بأس بها في اقتناء المواد المستعملة، ما يجعل الأسعار تختلف من شخص لآخر سواء في التسمير أو حتى ما يخص التعديلات والإضافات التي تزيد من تكلفة تصليح الحذاء. وعليه، فإن معظم هؤلاء الشباب ممن التقيناهم يؤكدون أن حرفة الاسكافي مرتبطة خاصة بسوق الجلود، كما يشكون من وضعيتهم غير القانونية ويأمل العديد منهم أن تجد السلطات المحلية حلا لهم، خاصة فيما يتعلق بالمحلات، بحيث يشتكون من برودة الطقس والجو الماطر شتاء والحرارة الشديدة صيفا بفعل الساعات الطويلة التي يقضونها على أرصفة الشوارع من دون إيجاد ما يقيهم من عوامل الطبيعة القاسية، فهم يناشدون رؤساء البلديات أخذهم بعين الاعتبار لدى عملية توزيع المحلات التجارية المائة بكل بلدية.