لن نكشف سرا إذا قلنا إن البلدان الأكثر حرا هي الأكثر فقرا وتخلفا، والجزائريون يعلمون أكثر من غيرهم أنهم كلما غاصوا جنوبا نحو أعماق الصحراء كلما ابتعدوا عن الحياة واقتربوا من الموت، ومع ذلك مازالت الجزائر التي تستورد المشروبات المنعشة والمثلجات والسيارات المكيفة والثلاجات تعجز عن استيراد الأفكار أو خلقها لأجل التعامل مع هذا الوافد الجديد الذي يمسّ بالضرر الإنسان والنبات والحيوان وحتى الجماد.. هل تكفي النشرة الجوية الخاصة، وهل تكفي إرشادات الأطباء لأجل التعامل مع الحرارة التي لم تفاجئنا بعد أن صارت أمرا محتوما.. ولأنها شأن جزائري ولا يمكن لعلماء النرويج وكندا وسويسرا أن يجتهدوا لأجل منحنا أفكارا ووسائل تكنولوجية لأجل التعامل معها، فواجب علينا أن نعتمد على أنفسنا لأن مضارها الاقتصادية والمعنوية قد تنسف برنامج 286 دولار ضمن المخطط الخماسي القادم، فلو سألت أي جزائري عامل أو عاطل كيف قضى يومه نهار أمس أو كيف سيقضيه اليوم وغدا تجده لا يستطيع الجواب من شدة الوهن والإرهاق، فما بالك بدفع دواليب الاقتصاد النائم في عز الشتاء والميت صيفا.. نحن "بامتياز" البلد الوحيد في العالم الذي يتقلص فيه الغطاء النباتي، وتنقرض فيه الغابات والحدائق الطبيعية والمنجزة منذ قرن من الزمن، والبلد الكروي الوحيد الذي لعب كأس العالم وكل ميادين الكرة عنده من العشب الاصطناعي وليس الطبيعي، وإذا كان مابين القاعدة والقمة قطيعة في مختلف المجالات حيث يتهم المواطن السلطة بالحڤرة وتتهم السلطة المواطن بالسلبية إلا أنهما يتفقان على قتل البيئة، فتطال يد المسؤولين الحدائق لأجل بناء الفيلات والقصور وتطال يد المواطن الفقير الغابات والغطاء النباتي لأجل البناء الفوضوي والقصديري، وأحيانا تنسف السلطة وينسف المواطن معها الأخضر من أجل لا شيء، رغم أن الأخضر هو الحل الأمثل لأجل مقاومة الحرارة وتوقيف زحف الصحراء التي بقدر ما هي ساحرة بقدر ما هي قاتلة. علماء الغرب وعلماؤنا أيضا اقتنعوا أن السنوات الحالية والقادمة ستكون عجافا مناخيا، والجزائري الذي كان يعيش الثلوج التي لا تتوقف عن الهطول لمدة شهر في مختلف المدن الشمالية صار يرويها الآن لأبنائه مثل الأساطير القديمة، ولكن الغريب أن الدولة والمواطنين مازالوا يتعاملون مع الحياة الحارة جدا كما كانوا يتعاملون معها قبل حكاية طبقة "الأوزون" وقبل الانقلاب المناخي الحالي وعاصفة الصحراء الكبرى التي يقودها الجنرال حرارة على دول الساحل، ومن بينها الجزائر التي لا تعتمد نظام عمل صيفي حتى على مستوى النقل والخدمات، رغم أن هذا النظام تستعمله دول أوروبية لا تصل فيها درجة الحرارة إلى الأربعين مثل فرنسا وألمانيا. صحيح أن المناخ هو قدر إلهي وصحيح أن الجزائر ليست المتسببة في ثقب الأوزون، لكن الصحيح أيضا أن اليابان دولة وشعبا تعاملت مع تضاريسها الزلزالية، وفنلندا دولة وشعبا مع مناخها المثلج، وإيسلندا دولة وشعبا مع جبالها البركانية، وسنغافورا دولة وشعبا مع مناخها الماطر باستمرار.. فمتى نبدأ حرب الوقاية من مخلفات الحرارة على حياتنا لأنه لا أمل في العلاج بعد أن تتصحر أرضنا وقلوبنا