دعت مجموعة من القضاة والقانونيين وزارةَ العدل إلى مراجعة الترسانة التشريعية الخاصة بمحكمة الجنايات في الجزائر التي لاتزال تعاني من نقائص منذ الاستقلال، والتعجيل في إقرار جملة من الإصلاحات داخلها تمس ثلاثة محاور أساسية هي أحكامها غير القابلة للطعن وغياب عنصر تعليل الأحكام الصادرة عنها والنظر في مدى فعالية المحلفين في تشكيلتها . وكانت هذه الإشكاليات الثلاث في محكمة الجنايات الموروثة عن النظام الاستعماري الفرنسي محور يوم دراسي نظمه أخيرا بالعاصمة مركز البحوث القانونية والقضائية بحضور رجال القانون المختصين الذين حاولوا من خلال مداخلاتهم حمل الوصاية على التعجيل في إعادة النظر في هذه الهيئة القضائية، لاسيما وأن رئيس الجمهورية دعا، خلال إشرافه على افتتاح السنة القضائية الموسم المنصرم، إلى مراجعة تنظيم محكمة الجنايات قصد تعزيز ضمانات الأشخاص الذين يمثلون أمامها من خلال إفادتهم بطرق أخرى للطعن على غرار ما هو معمول به في الجهات الجزائرية الأخرى . وفي هذا السياق، أكد المدير العام لمركز البحوث القانونية والقضائية، بوزرتيني جمال، أنه من غير المعقول أن يكون لمن أُدين بارتكاب جنحة أو مخالفة حق الاستئناف أمام المجلس القضائي ضد الحكم الصادر عن محكمة الدرجة الأولى، ولا يكون لشخص آخر مُدان بجناية الحق ذاته، إذ ليس أمامه بمقتضى القانون الحالي سوى الطعن بالنقض أمام المحكمة العليا التي تعيد النظر في الحكم القضائي وليس في حيثيات القضية، مشيرا إلى أن وجود درجة ثانية للتقاضي في المحكمة الجنائية من شأنه ضمان محاكمة عادلة. وفيما يخص مسألة المحلفين في محكمة الجنايات، اختلف المشاركون حول مدى نجاعتهم بين مؤيد لوجودهم باعتبارهم مساهمة شعبية في تشكيل المحاكم، في حين راحت الأغلبية إلى المطالبة بالتخلي عنهم بحكم التجربة الميدانية التي برهنت أنهم غير مؤهلين وتساءلت كيف لمن يصبو إلى عدالة ذات نوعية تقوم على الاحتراف والتخصص أن تعتمد على محلفين لا يُشترط فيهم القانون أو أي مؤهل علمي؟ مقترحة تعويضهم بقضاة محترفين ذوي خبرة وتأهيل أو على الأقل بمحلفين ذوي مستوى عال . ولم يُغفل رجال القانون التطرق إلى مسألة تعليل الأحكام القضائية الصادرة عن قضاة المحكمة الجنائية، باعتبار ان القانون الحالي لا يسأل القضاة عن أسباب إصدارهم لأحكامهم، مع أن التسبيب عنصر مهم للمحاكمة العادلة. وعزا منظم اليوم الدراسي، بوزرتيني جمال، تأخر الجزائر في سد هذه الثغرات القانونية في تنظيم هذه المحكمة المعمول بها منذ الاستقلال، خاصة وأن القضاء التونسي أدرج إصلاح هذه المسائل سنة 2000 وتبناها التشريع المغربي في 2003، إلى نقص المواد البشرية من قضاة أكفاء ومؤهلين للقيام بالإصلاح على أكمل وجه .