اختتمت الثلاثاء الماضي أعمال "منتدى الفجيرة الدولي للأعمال" من تنظيم منطقة الفجيرة الحرة ورعاية الشيخ حمد بن محمد الشرقي حاكم إمارة الفجيرة وبمشاركة رجال أعمال وخبراء وواضعي سياسات ومسؤولين من دول عدة حول العالم. * موضوع المنتدى كان للإجابة عن سؤال محدد هو: كيف نثري خطة الفجيرة لتصبح الامارة قطبا اقتصاديا في دولة الامارات على آفاق العام 2030؟ وما هي الفرص المتاحة والقطاعات المرشحة لذلك؟ وما هي عناصر الخطة الاعلامية اللازم اتباعها من أجل جذب استثمار قوي؟ * والذي يهمنا في ذلك كله هو البعد الاستراتيجي لعمل كهذا، وكيف يمكننا كجزائريين الاستفادة من تجارب الآخرين، خاصة من تلك التجارب الرائدة التي تديرها دول شقيقة وتشاركنا نفس هموم التنمية والتقدم. * فضيلة الإنصات * حضر أعمال المنتدى ولي عهد الفجيرة الشيخ محمد بن حمد الشرقي وباقي المسؤولين في الامارة، ولم تكن التدخلات تتجاوز العشر دقائق، لأنها تعنى بالأفكار وليس الخطابات، وتكلم في المنتدى خبراء من دول كثيرة وخاصة من أقطاب الاقتصاد في العالم؛ أي من أمريكا، الصين، ماليزيا، ألمانيا واليابان. ولاحظت أن منظمي المنتدى يستهدفون تجارب بعينها هي نفسها تجارب الدول الناجحة اقتصادا، وقد حظيت تجربة الصين باهتمام خاص، بينما قدمت ألمانيا عرضا جيدا عن الاستثمار في قطاع الطاقات النظيفة ورشحت إمارة الفجيرة كي تطلق بنجاح نموذج المنازل القائمة على الطاقة الشمسية. أما ماليزيا فقدمت عرضا عن سر نجاح الدولة في مجال الاقتصاد المبني على الفعالية، ورجع بنا ممثل كوريا الجنوبية الى العام 1910 عندما كانت سيول مدينة فقيرة وشارعها الرئيسي عبارة عن كومات من التراب وبيوتها من أوراق الشجر، ثم نقلنا الى صورة نفس المدينة العام 2010 حيث سيول كما هي الآن قطبا صناعيا رائدا وشوارعها الرئيسية تملؤها الأضواء وتخترقها الماركات العالمية. * وقال ممثل ولاية "توليدو" الأمريكية بأن فرص الشراكة مع الفجيرة قائمة، لأن تشابها كبيرا يميز المدينتين في جوانب التصدير والنقل وإدارة السوق. * وعرض باقي الخبراء آفاق الاقتصاد الجديد المبني على المؤسسة والذكاء والمقاولة ودعم الدولة، وهي نفسها العناصر التي وردت في كتاب "اقتصاديات القرن 21" الذي قدمناه في التلفزيون الجزائري قبل 3 أشهر. * وقدمت إمارة الفجيرة رؤيتها لتطوير بنيتها الاقتصادية على آفاق 2030 مدعومة بإرادة سياسية وتسهيلات ادارية لا تخطر على بال، وقال السيد "شريف حبيب العواضي" مدير المنطقة الحرة، بأن خطة الامارة تستهدف قطاعات: الصناعات البتروكيمياوية، التجارة الخارجية، التنمية البشرية، المؤسسات الصغيرة ومتوسطة الحجم والسياحة، مستثمرة في ذلك في ما تملك الامارة من امكانيات كالموقع الجغرافي على البحر والميناء والمطاروالمناظر الطبيعية. وتحتضن المنطقة الحرة -وحجمها لا يزيد عن مساحة حي باب الوادي بالعاصمة- ألف شركة عالمية بطاقة تشغيل قدرها 12 ألف موظف. * المثال الصيني * فاجأ ممثل الصين الحضور بمحاضرة باللغة الصينية، ولم يكن أحد يتوقع ذلك، خاصة أن أعمال المنتدى كانت تسير باللغتين العربية والانجليزية، وعلى الرغم من اندهاش الجميع وكذا المنظمين إلا أن ممثل الصين واصل كلمته للنهاية دون ارتباك وبسرعة كبيرة، تم توفير مترجم فوري ليتمتع الكل بالكلمة الصينية التي بينت لنا بأن للغة محتوى اقتصادي وأثرها في عالم الأعمال مهم، وأن اللغة ليست أداة اتصال فقط ومحايدة بل هي أداة تواصل أيضا، وأن من شروط التفوق الاقتصادي توظيف لغة المجتمع أسوة بكوريا والفيتنام وتركيا والبرازيل وروسيا. حقيقة ما تقدمت دولة بغير لغتها، وكل الدول التي استخدمت لغة شعوب أخرى ما زالت تتأخر، وهو الأمر الذي لم يفهمه لحد الآن المسؤولون عن ادارة الاقتصاد في الجزائر. * وشيء آخر لفت نظري، وأنا أتابع أعمال المنتدى، سرعة التواصل مع واضعي السياسات في الدول واهتمام كل المشاركين بتسويق صورة بلدانهم وعرض رؤيتها للتنمية، بما في ذلك ممثل "نيجيريا" وهو مسؤول في الدولة، والذي شارك بكلمة فهمت منها أن أبوجا تتزعم حاليا إفريقيا في مجال الأعمال، وتريد أن تستفيد من الاقتصاديات الكبرى في اتجاه الصعود، ولا شك أن المسؤول النيجيري سينقل الى بلاده دروسا أخرى في ميدان النجاعة الاقتصادية، ولو أن نيجيريا مرشحة لتكون دولة صاعدة حسب تقرير أخير للبنك العالمي. * لقد تمنيت أن ألتقي بمنتدى الفجيرة الدولي مسؤولا جزائريا واحدا عن بعثتنا الدبلوماسية، ولكن خاب ظني عندما علمت بأنني الجزائري الوحيد بين المشاركين وعددهم زاد عن 300 مشارك، وبالمقابل تعلمت الشيء الكثير من تدخلات لم تزد مدة الواحد منها عن 10 دقائق، ولكنها الدقيقة منها تكفي لبناء رؤية تمتد 10 سنوات بالنسبة لدول لا تزال تفكر بمنطق الاجراءات بدل الاستراتيجيات، وتعمل بطريقة التوزيع لا الانتاج.