يخيل إليك وأنت تستمع إلى شهادات من طالته الاعتدادات الإجرامية الموقعة باسم (ق. "عيهار") وشركائه بأحياء مدينة قصر البخاري، أنك في حقبة من الزمن المحتكم إلى سلطة الغاب، حتى أنك ولهول ما يقرع سمعك من تفاصيل يرويها الضحايا لتظنك أمام مشاهد سينمائية، لكنك توقن أمام تواتر الروايات ووثائق التحقيق بأن ما اقترفته عصابة "عيهار" بشوارع القصر العتيق والرمانات والقرابة كانت واقعا إعتصر بقايا الحشمة والأخلاق التي كانت تجسر قلوب القصراويين وحول أحياء مدينتهم إلى هيكل متلفع بثوب الجرية، وشوارعه إلى فضاء تغدو فيه الانحرافات وتروح، أمام غفلة الرقيب أو عجزه من جهة، وبسبب تعقد التركيبة الاجتماعية للأحياء المذكورة التي هي في الأصل بؤر للفقر المرتبط بتغذية اتجاهات التطرف في أشكاله المختلفة وتمارس فيه سلطة الشارع طقوسها الشاذة، فلا يجرؤ أحد على التبليغ، لأنه يدرك كم هو عسير حساب وسطوة سلطة الشارع التي تديرها العصابات ومجموعات المافيا في هذه الأحياء. م. سليماني غير أنه لكل قاعدة استثناء، والاستثناء صنعه هذه المرة سكان حي القصر العتيق، الأكيد أن تحركهم لم يجئ إلا بعد تمادي عصابة "عيهار" البالغ عدد أفرادها 3 في غيها وسعت إلى تحقيق لفتة نوعية في عملها الإجرامي كانت حصيلتها ثقيلة جدا. ففي 29 / 01 / 2006 تقدمت المدعوة "ق. بختة" بشكوى إلى مصالح أمن دائرة قصر البخاري تذكر فيها أن المدعو: "عيهار" من مواليد 1982 والمدعو (م.ح) من مواليد 1976 والمدعو (ز. وحيد) من مواليد 1985 قاموا باقتحام مسكنها ليلا وأمروها بإحضار بناتها اللواتي يسكن قريبا منها وأجبروها على شرب الخمر معهم في فناء المنزل، غير أن سرعان ما تحججت بذهابها لإحضار البنات واستغلت ذلك للتوجه إلى مركز الشرطة للإبلاغ غير مبالية بجبروت ""عيهار"" الذي استبطأ رجوع بختة فتوجه إلى بيت إحدى بناتها الثلاث وراح يصرخ بأعلى صوته وهو يركل الباب بقوة مهددا بإحراق البيت إن لم تخرج إليه الأم، عندها غامرت البنت "ف. قرمية" وفتحت الباب لتخبره بأن أمها غير موجودة، وهو الأمر الذي فهم منه "عيهار" بأن الأم ذهبت إلى مركز الشرطة، فتوجه وهو يتميز غضبا وغيضا إلى منزل العائلة وأشعل النار فيه وأحرقه عن آخره، ليتوجه بعدها أفراد العصابة إلى بيت جار لبختة يدعى (م. السعيد) الذي ذكر في شكواه هو الآخر لمصالح الأمن بأن "غيهار" ورفاقه قاموا في نفس الليلة المذكورة بكسر باب بيته الخارجي وهم يحملون سيوفا من الحجم الكبير وهددوه بحرق بيته هو الآخر ليصرح جار آخر يسمى (م. أحمد) بأن أفراد العصابة هموا إلى بيته بعد بيت السعيد وراحوا يرمونه بزجاجات الجعة الفارغة ويهددونه بإحراق البيت بمن فيه حال إحجامه عن تلبية طلباتهم التي كانت تتمثل في المال والبنات. غير أن أحمد وأمام ما انتابه من شعور بالحڤرة لم ينتبه من قبل قرر الاتصال هاتفيا بالشرطة وأبلغهم عن حجم الرعب الذي يواجهه وأبناؤه، فاستجاب أعوان الأمن لاستغاثته وقرروا التدخل توا، فواجههم "عيهار" وأزلامه واستطاعوا الإفلات بعدها مستفيدين من حلكة الظلام التي كانت تكتنف الحي والتي صعبت من مهمة رجال الشرطة الذين استطاع "عيهار" أن يلحق جروحا بالغة بأحدهم، إلا أن فرار المعتدين لم يكن بغرض التواري عن أعين رجال الشرطة بقدر ما كان للبحث عن ضحايا آخرين، فقد ذكرت المسماة (ح. أم الخير) بأنها كانت هي الأخرى ضحية، حيث اقتحم منزلها حوالي الواحدة والنصف من ذات الليلة، وحضرت المدعوة (ح. فاطمة) إلى مركز الأمن حاملة معها شهادة طبية تثبت عجزها لمدة 20 يوما وروت للمحققين تفاصيل ليلة الرعب التي قضتها وأفراد عائلتها تحت رحمة "عيهار" إذ فاجأ زوجها شخص ملثم بطعنة سيف على مستوى الكتف تبين بعد عراكه معه أنه "عيهار" وتلقى طعنة ثانية على مستوى الفخط سقط على إثر مغشيا، ولما حاولت الزوجة إطلاق نداء استغاثة باغتها "عيهار" الذي كان يتمتع بحماية رفاقه خارج البيت بلكمة على الوجه وراح يجرها إلى قبو واقع قبالة الفناء واعتدى عليها بعد تجريدها من مجوهراتها التي تتجاوز قيمتها 8 ملايين سنتيم، ليستمر بعدها ما اصطلح على تسميته في قصر البخاري ب "وحوش الليل". وكان لعائلة: "خ. عبد الرزاق" وعائلة "ب. فاطمة" وعائلة "م. يقعوب" نصيبها من روع تلك الليلة وأهوالها، أيضا، والتي انجلت ظلماتها، إلا أن حوادث تلك الليلة وبقدر ما خلفته في نفوس سكان مدينة قصر البخاري من استياء عارم وغضب متفجر، فإنه وبالقدر ذاته ولدت إصرارا وحرصا لدى الجهات الأمنية انتهت وبعد مطاردات كثيرة بتوقيف الأسطورة الإجرامية "عيهار" وشركائه بملف مثقل بأشنع الاعتداءات وأخطر التهم، لم يملك قاضي التحقيق لدى محكمة قصر البخاري حيالها غير الأمر بتحويل الملف إلى محكمة الجنايات بمجلس قضاء المدية، حيث حمّل قرار الإحالة الخاص بالقضية المتهمين الثلاثة تهم: تكوين جمعية إشرار، والإحراق العمدي، والسرقة باستعمال العنف، والتهديد، ومحاولة القتل العمدي، والفعل المخل بالحياء بعنف، والعصيان، وحمل سلاح محظور من غير ترخيص، في وقت يتطلع الرأي العام بالمدية إلى موعد محاكمة هؤلاء المجرمين الذين علمت "الشروق اليومي" أنهم سيعرضون على المحاكمة بعد شهر رمضان، وفي أولى جلسات محكمة الجنايات، فهل ستكون نهاية عصابة "عيهار" نهاية للإجرام بقصر البخاري أم مجرد حلقة من حلقات الصراع بين القانون واللاقانون.