تصوير : بلال زواوي شهدت الجزائر مؤخرا موجة من الاحتجاجات والمظاهرات قادها شباب للمطالبة بغلق المخامر وبيوت الدعارة والملاهي الليلية المتواجدة على مستوى أحيائهم، مما خلف مواجهات دامية تسببت في وقوع قتلى وجرحى، والغريب في الأمر أن المحتجين اعتمدوا شعارات مستوحاة من الثورات العربية على غرار "الشعب يريد رحيل العاهرات وغلق المخامر..". * هي ثورة أخلاقية شنها شباب الجزائر ضد أوكار الفساد التي باتت تنشط جهارا نهارا دون أي اعتبار للأخلاق والقيم والمبادئ التي طالما ميزت المواطن الجزائري الغيور المعروف "بالنيف والحرمة"، ومن بلدية تيشي بولاية بجاية انطلقت الثورة تحت شعار "الشعب يريد رحيل العاهرات"، أين خرج المواطنون في مسيرة سلمية لغلق الملاهي الليلة التي تحولت إلى أوكار للدعارة، ومع صمت السلطات الرسمية وتمادي المفسدين في فسادهم، نفذ السكان تهديدهم بتصعيد الاحتجاج، حيث أقدموا على إضرام النيران في عدد من الملاهي، مطالبين بطرد بائعات الهوى وتنظيف المنطقة من أعمال الانحراف والانحلال الأخلاقي التي استفحلت بشكل مريب جدا، ولولا تدخل بعض العقلاء لتحولت تيشي إلى ساحة معركة ضد الرذيلة والفسوق، ومن تيشي انتفض منذ أيام سكان شارع حسيبة بن بوعلي بأرزيو، احتجاجا على الانتشار الواسع للحانات، بعد فتح العديد من الباعة لمحلات تسويق وتعاطي هذه الخمور، دون مراعاة شعور الجيران، الذين قاموا بتشغيل أشرطة القرآن الكريم، تعبيرا منهم عن رفضهم القاطع لتنجيس حيهم بأم الخبائث. * وبأم البواقي انتفض أيضا المواطنون في صحوة أخلاقية تحت عنوان "الشعب يريد غلق المخامر"، وخلفت هذه الانتفاضة قتيلا في مواجهات مع أصحاب المخامر بعد ما أقدم سكان حي بوزيان وسط مدينة عين كرشة على غلق الطريق الوطني رقم 100، مطالبين بغلق المخمرة الواقعة في الحي، إضافة إلى رحيل أصحابها من المدينة، وهذا ما دفع 3 أفراد من عائلة صاحب المخمرة للدخول في مناوشات كلامية مع سكان الحي تطورت بعدها إلى شجار عنيف استعملت فيه مختلف الأسلحة البيضاء راح ضحيتها الشاب "ب.ح"، وهو شقيق صاحب المخمرة في 24 من عمره، وفي العاصمة، انتفض سكان حي العناصر "رويسو"، على محلات بيع المشروبات الكحولية، حيث هاجم عشرات السكان محلا لبيع الخمور، يقع تحت إحدى عمارات شارع فرنان حنفي، حيث تم إتلاف وحرق جزء منه، أعقب ذلك تدخل مصالح الأمن التي اشتبكت مع المحتجين لساعات، أسفرت عن توقيف بعض المحتجين، فيما لم تسجل إصابات بين الطرفين، ومن جهتهم شنّ شباب حي الجميلة المعروف ب"لامادراك" بعين البنيان حملة تحسيسية متمثّلة في عمليّة تنظيف الميناء برفع القمامة التي شوّهت صورة الحي ومظهر السياحة فيه، وحسب سكان الحي فإنّ المبادرة نظّمت بهدف الكشف عن المخاطر الناجمة عن محلاّت بيع الخمور وتعبيرا منهم عن رفضهم لمثل هذه التجارة التي تسبّبت في عدّة مشاكل آخرها مقتل الشاب منصف الذي راح ضحيّة انحراف بعض مرتادي هذه الأماكن، وتعدّ المبادرة التي ساهم فيها شباب، أطفال وكبار الحي الأولى من نوعها من حيث التنظيم، بعد ما أقدموا على إلصاق صورة المرحوم منصف بقالم على أقمصة بيضاء دوّنت عليها شعارات تدعو للسلم والغلق الفوري لمحلاّت بيع الخمور، وتمّ توزيعها على المشاركين بالحملة والتي عرفت حضورا مميّزا لشباب "ناس الخير"، وكذا بعزيز عثماني المعروف ب"الزندا" الذين ساهموا بقوّة في إنجاح المبادرة، كما شهدت إقبالا كبيرا لأطفال الحي الذين تجوّلوا على طول الساحل وقاموا بجمع ما تيسّر لهم من قارورات الخمر الزجاجية منها والبلاستيكية. * "المواطن انتقل من الاحتجاجات الاجتماعية إلى الاحتجاجات الأخلاقية" * أكد السيد سعدي الهادي، مختص في علم الاجتماع أن ما شهدته الجزائر مؤخرا من احتجاجات للمطالبة بمختلف أنواع الحقوق له علاقة مع ارتفاع الحس المدني لدى المواطن، الذي بات أكثر وعيا لحقوقه المدنية والاجتماعية وحتى الأخلاقية، مما دفعه إلى شن حملة من المسيرات والإحتجاجات المطالبة بغلق المخامر والملاهي وبيوت الدعارة، وأضاف المتحدث أن المواطن الجزائري تأثر بما يحدث حوله في العديد من الدول مما جعله مطلعا أكثر على حقوق المواطنة بمفهومها الواسع، فمفهوم المواطنة تغير كثيرا حسب الفرد الجزائري الذي بات يرفض البيروقراطية والظلم الاجتماعي والإرهاب الإداري، فالمواطنة أصبحت في الجزائر لا تتعلق بالمفهوم العاطفي المتعلق بالولاء، بل بالحقوق والواجبات. وقال الأستاذ سعدي الهادي أن الجزائر تشهد تناميا متسارعا للحس الجماعي المتعلق بالمطالبة بالحقوق.