شهدت أمس، محكمة الجنايات لدى مجلس قضاء وهران محاكمة اهتز لها الرأي العام، تتعلق بفضيحة مست مديرية الأمن بوهران، أبطالها مسؤولون بمصلحة الشرطة القضائية، وفي مقدمتهم محافظ الشرطة والرئيس السابق للمصلحة المذكورة آنفا، إضافة إلى ضابط ومفتشة، حيث توبعوا بتهم تحرير محررات من أعمال وظيفتهم وقيامهم بتزييف جوهرها بطريقة الغش وتقريرهم لوقائع يعلمون أنها كاذبة في صورة وقائع صحيحة والسرقة، حيث التمست النيابة، التي استمر عرضها للوقائع والاستماع للشهود، حتى ساعة متأخرة من مساء أمس، أقصى العقوبات في حق هؤلاء المتهمين تعود حيثيات القضية إلى تاريخ 25 أكتوبر 2005، عندما تلقت مصلحة الشرطة القضائية، التي يترأسها المحافظ المتهم الرئيسي في القضية "م.ي"، إذنا بتفتيش أحد المنازل الكائن بحي "مديوني" بوهران، حيث ضبطت كمية المخدرات مقدرة ب 2 كلغ، كما قامت فرقة الشرطة القضائية التابعة لمديرية الأمن بوهران بحجز صندوق خشبي به مبلغ 121 مليون سنتيم، وكذا بعض المجوهرات، إلا أن صاحبة المنزل أقرت بتورط شقيقها في ترويج المخدرات، لكنها فندت أن يكون المبلغ المذكور آنفا هو من مداخيل بيع السموم. وقالت بأنه ملك للورثة، إلى هنا كان الأمر عاديا، إلا أن الأمر غير العادي هو تفاجأ صاحبة المنزل عند استرجاعها للمال وأثناء عملية الحساب باختفاء 34 مليون سنتيم من المبلغ الإجمالي، الأمر الذي أدى بها إلى رفع دعوى قضائية ضد رئيس الشرطة المحافظ "م.ي" وكل من رافقه أثناء عملية التفتيش. وقد أنكر محافظ الشرطة المتهم الرئيسي في القضية أن يكون المبلغ الذي تم حجزه هو 121 مليون سنتيم، بل 100 مليون سنتيم، رادا على أقوال الضابط الذي رافقه أثناء عملية تفتيش منزل الضحية، حيث أكد هذا الأخير لقاضي التحقيق بأنه تلقى ضغوطات من قبل رئيسه محافظ الشرطة كونه في فترة تربص في مصلحة الشرطة القضائية، بعدما كان في مصلحة الأحداث، ضابط الشرطة "د.ح" المتهم هو أيضا، في القضية تمسك بأقواله التي أدلى بها، فيما سبق، وأضاف بأنه تفاجأ باختفاء وصل الاستلام الذي وقّعه والذي يحمل المبلغ المالي الحقيقي وهو 120 مليون سنتيم، وطلب منه توقيع وصل استلام آخر يحمل مبلغ 100 مليون سنتيم تحت الضغط، ولم يكن مقتنعا بهذا الأخير، وهنا طرح رئيس المحكمة سؤالا على المتهم فحواه لماذا لم يبلغ الجهات المسؤولة المتمثلة في رئيس أمن ولاية وهران أو يودع شكوى لدى وكيل الجمهورية، ليرد المتهم بأنه خشي أن تلفق له تهمة من قبل رئيسه المحافظ ويفصل من منصبه الجديد. من جهتها، قالت مفتشة الشرطة "ز.ل" المتهمة هي الأخرى في القضية بأنها لم تكن حاضرة أثناء عملية تفتيش منزل الضحية. وأضافت أنها خرجت قبل الدوام بساعة كاملة، الأمر الذي لم يمكنها من الإطلاع على المحجوزات، وفي صباح اليوم الموالي أبلغها محافظا الشرطة "ط" و "مي" بعملية الحجز وهي من قامت بحساب المال المحجوز، حسب شهادة المتهم الرابع في القضية "ت.ب" الموجود تحت الرقابة القضائية، وهو عون شرطة وسائق رافق الفرقة التي قامت بعملية التفتيش والحجز، كما أضاف أحد الشهود، وهو أيضا عون شرطة كان حاضرا أثناء عملية التفتيش، أنه تفاجأ باختفاء المحضر الحقيقي الخاص بالعملية، ولم يكشف عن الأمر خوفا من فصله، كونه كان في فترة تربص. بعد أن كان شارك في عملية حساب المبلغ المالي عدة مرات بحضور محافظ الشرطة "ط"، وقدم الصندوق الخشبي للمفتشة المتهمة في القضية "ز.ل"، هذه الأخيرة التي لم تهضم هذه التصريحات وقالت بأنها مجرد ادعاءات، كونها أولا صادرة من شرطي متربص يخاف على منصبه، وثانيا أنها لا تتحمل مسؤولية التلاعب بالمبلغ المحجوز، لغيابها عن المكتب أثناء جلب الصندوق الخشبي الذي يحوي مال الضحية، حيث اتهمت هذه الأخيرة بأنها شاركت في السيناريو الذي أحيك بإحكام ضدها، كونها رفضت تسليمها المبلغ المالي المحجوز في بادئ الأمر، لأنه ليس من صلاحياتها. الملفت في القضية أن الشهود "الغلابى" والمقدر عددهم بتسعة كانوا ضمن فرقة الشرطة القضائية التي باشرت عملية تفتيش منزل الضحية بأمر من وكيل الجمهورية وقاموا بتوقيع محضر المعاينة الحقيقي، ليتفاجأوا باختفائه واستدعائهم للتوقيع عن محضر ثاني اعتبروه مزورا، كونه لا يعكس المبلغ المالي الحقيقي المقدر ب 120 مليون سنتيم، وأنهم لعبوا دور "شاهد ماشفش حاجة" كون أغلبهم في فترة تربص وليس بإمكانهم عصيان أمر رئيسهم محافظ الشرطة "م.ي" المتهم الرئيسي في القضية. وقد استغرب الطرف المدني التصرفات اللاقانونية من قبل مسؤولين أمنيين سطوا على مال يتامى واستغلوا المستوى التعليمي المنعدم لموكلتهم التي تم تضليلها ووقّعت على وصل استلام مبلغ 100 مليون سنتيم بدل 121 مليون سنتيم، هي تصرفات يندى لها الجبين، سيما وأن أبطالها ممثلو القانون تحالفوا من أجل سلب أموال الضحية"، أضاف محامي الدفاع. وأمام توافر أركان جريمة التزوير في محررات رسمية والنصب والسرقة من قبل المتهمين الأربعة، وكون أن الوقائع جد خطيرة صدرت من أعوان الدولة الذين يأتمنهم المواطن عن أمواله وأعراضه، أكد ممثل الحق العام على عنصر الردع في مثل هذه الحالات بتطبيق أقصى العقوبات على موظفي سلك الشرطة الأربعة مع عدم الاستفادة من ظروف التخفيف، علما أن الحكم لم يصدر حتى كتابة هذه الأسطر. محمد حمادي