قال الرئيس الروسي، في أعقاب مباحثاته مع بوتفليقة إن العلاقات بين الجزائروروسيا "تعود إلى مجراها الطبيعي بعد أن شهدت مرحلة متأزمة كما أن حجم رقم الأعمال كبير وهام"، وبخصوص التعاون الثنائي في المجال العسكري والتقني فقد أكد الرئيس الروسي أن هذا النوع من التعاون "يقوم على الثقة وهذا ما يميز العلاقات بين البلدين". وذكر الرئيس الروسي، في ختام زيارة رسمية دامت يوما واحدا، أن الجزائر تعتبر أول بلد عربي وقعت معه فديرالية روسيا إعلان الشراكة الإستراتيجية في أفريل 2001، مضيفا أنه "خلال العشر سنوات الأخيرة كان لنا أربع قمم رفيعة المستوى"، وأشار إلى أنه بحث مع بوتفليقة المسائل الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك لا سيما الوضع بالشرق الأوسط ومكافحة الإرهاب. وعشية الزيارة وصف مساعد الرئيس الروسي للشؤون الدولية سيرغي بريخودكو الجزائر بأنها "شريك كبير ومهم لروسيا"، وقال بريخودكو لوكالة أنباء إيتار تاس "إن البلدين يرتبطان بتاريخ حافل وتعاون عميق في المجال السياسي وفي معالجة المشكلات الإقليمية"، وأشار إلى أهمية موقف الجزائر في المسائل المتعلقة بتحقيق التسوية في الشرق الأوسط والتطورات في منطقة حوض البحر الأبيض المتوسط. ويعتبر قطاعا الدفاع والطاقة من أهم ميادين التعاون بين الجزائروروسيا، وإذا كان التوقيع على مذكرتي تفاهم في مجالي الغاز والطاقة قد تم بين وزارتي الطاقة في البلدين، فإن الزيارة لم تسفر عن صفقات جديدة لبيع السلاح الروسي للجزائر، وكان مساعد مدفيدف قد أشار إلى أن الزيارة لا تتضمن بحث صفقات تسلح جديدة، ونقلت وكالة أنباء نوفوستي الروسية الرسمية للأنباء عن الخبير العسكري الروسي إيغور كوروتشينكو قوله إن العام المقبل سيشهد قيام روسيا بتنفيذ عقد توريد 16 طائرة تدريب وقتال من طراز "ياك-130" إلى الجزائر بينما يشهد عاما 2011 و2012 تنفيذ عقد توريد 16 مقاتلة من طراز "سو-30 م ك أ"، وكل هذه المعدات التي ستستلمها الجزائر جزء من صفقة عسكرية ضخمة كانت الجزائر قد عقدتها مع روسيا وبلغت قيمتها نحو 7.5 مليار دولار، وبموجبها قامت روسيا بمسح 4.7 مليار دولار من الديون المستحقة على الجزائر، وقد شهدت تلك الصفقة خلافا حول نوعية طائرات ميغ 29 التي أعادتها الجزائر إلى روسيا بسبب عدم مطابقتها للمواصفات. وتقول مصادر عسكرية روسية إنه بإمكان روسيا في المستقبل أن تعرض على الجزائر تشكيلة واسعة من التقنيات البحرية العسكرية وهي زوارق هجومية صاروخية حديثة وسفن حربية من نوع الفرقاطة والكورفيت، كذلك قد تطلب الجزائر تحديث غواصتين حصلت عليهما من روسيا، وقد تشتري مزيدا من طائرات التدريب وجملة من طائرات النقل العسكري "إيل-76 م ف". على المستوى الاقتصادي جاء مدفيدف إلى الجزائر مرفوقا بوفد من رجال الأعمال الروس، وتسعى موسكو إلى الظفر بحصة من المشاريع التي ستنفذ في إطار المخطط الخماسي الممتد إلى غاية سنة 2014، وكانت روسيا قد أبدت بعض الامتعاض بسبب عدم حصول الشركات الروسية على حصة كبيرة من المشاريع في الجزائر، فخلال زيارة الرئيس بوتفليقة إلى روسيا في فيفري من سنة 2008 تحدث معه الرئيس الروسي السابق، وهو رئيس الوزراء الحالي، فلاديمير بوتين، بصراحة قائلا "إن روسيا ترغب في أن تعمل شركاتها في الجزائر وفق مبدأ التكافؤ مع الشركات الأوروبية"، وقد اضطر بوتفليقة إلى تنبيه نظيره الروسي إلى أن فكرته عن طريقة الحصول على المشاريع في الجزائر ليست دقيقة فقال "بين الفينة والأخرى نجد نوعا من عدم الرضا في الصحافة الروسية لأننا لم نبرم صفقات بالتراضي، فنحن مضطرون للإعلان عن مناقصات دولية وتناولها بالدراسة، وأضاف "على سبيل المثال كلفت مؤسسات روسية بإنجاز مشروع شبكة خطوط السكك الحديدية حول الجزائر العاصمة إذ أننا أبرمنا في هذا المجال اتفاقا بالتراضي وبالتالي هذه المسألة واضحة قانونيا وتقنيا، وتبقى تسوية مستوى السعر وأنا جد متفائل بهذا الشأن، وأكد أنه "ممكن بين الحين والآخر خلق أوضاع (صفقات بالتراضي) مثل هذه ولكن هذا استثناء ولا يمكن أن يكون قاعدة"، وقد تكون هذه هي النظرة التي ستحكم موقف الجزائر من قضية اندماج فيمبلكوم مع شركة أوراسكوم وتأثيرها على مستقبل شركة جازي، فقد سعى رجل الأعمال المصري نجيب ساويرس إلى عقد الصفقة في انتظار دعم سياسي من مدفيدف خلال زيارته إلى الجزائر، غير أن التصريحات الرسمية التي سبقت مجيء الرئيس الروسي إلى هنا أكدت أن الجزائر متمسكة بحقوقها بهذا الخصوص وهو ما يجعل إمكانية حل الموضوع في إطار سياسي أمرا مستبعدا. روسيا تعتبر أن المشاريع الاقتصادية في الجزائر تمنح بقرارات سياسية وأن مواجهة أوروبا وأمريكا في الأسواق تبدأ أولا من خلال إقناع المسؤولين الجزائريين بتفضيل الشركات الروسية حتى وإن كانت القدرة التنافسية لهذه الشركات ضعيفة بالمقارنة بنظيراتها الأوروبية والأمريكية وحتى الصينية، وتقوم هذه الرؤية على أولوية التحالف السياسي على المصالح الاقتصادية والتجارية وهو أمر غير متفق مع توجهات السياسة الخارجية للجزائر في المرحلة الحالية. فإذا كانت روسيا تسعى إلى استعادة نفوذها الدولي وإعادة بناء تحالفات جديدة في مواجهة الأوروبيين والأمريكيين، وقد نجحت في تحقيق تقدم على هذا المسار، فإن الجزائر لن يخدمها التورط في هذه السياسات في الفترة الحالية وهذا ما يجعل استجابتها لبعض المبادرات الروسية في مجال الطاقة مثل إنشاء كارتل للدول المصدرة للغاز فاترة.