يعود الدكتور «إسماعيل دبّش»، أستاذ العلوم السّياسية والخبير في الشؤون المغاربية، إلى احتمالات نشوب صراع مُسلّح في المنطقة على خلفية استمرار النزاع في الصحراء الغربية، وبحسب قراءته فإن هذا «السيناريو» غير مطروح رغم أن من حق «البوليساريو» اللجوء إليه، ويُدافع عن مقاربة استبعاد هذا الطرح بالإشارة إلى أن القوى الكبرى لن تسمح بأيّ توتّر في المنطقة المغاربية، كما يعتقد في هذا الحديث الذي خصّ به «الأيام» بأن ما حدث مؤخرا من جريمة في العيون المُحتلة يخدم القضية الصحراوية باعتباره فضح «النظام الاستعماري المغربي». التطوّرات الأخيرة التي عرفتها مدينة العيون المُحتلة تكشف بوضوح بأن النظام المغربي مُستعد لكل الخيارات، بما فيها إبادة الصحراويين، من أجل الحفاظ على سياسة الأمر الواقع ورفض مبدأ تقرير المصير. في رأيكم ما هي تداعيات تلك الأحداث على مُستقبل القضية الصحراوية؟
لا بُدّ من النظر إلى هذه التطوّرات من زاويتين أساسيتين، فالجانب الأوّل يكمن في التأثيرات السلبية لأن هذا القمع الوحشي الذي يُمارسه النظام المغربي هو، مع الأسف، عمل غير إنساني وجريمة لا تُغتفر دفع ثمنها الشعب الصحراوي، وبذلك أثبت المغرب مرة أخرى أنه نظام قمعي وفضح ممارساته الاستعمارية من خلال تجاهله لأبسط قواعد حقوق الإنسان. لكن مع ذلك هناك مكاسب تحقّقت لصالح القضية الصحراوية باعتبارها حصلت على مزيد من الدعم في مختلف أنحاء العالم سواء من طرف فعاليات المجتمع المدني أو منظمات دولية وكذا الدول الكبرى التي وجدت نفسها في حرج، وليس أدلّ من ذلك أكثر من المواقف التي أبدتها فرنسا التي اعتبرت ما حصل في مدينة العيون المُحتلة بمثابة سلوك غير ديمقراطي، وكذا الحال بالنسبة إلى بريطانيا التي جدّدت دعمها لحق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره، وأكثر من ذلك فإن هناك أصواتا تُطالب بفتح تحقيق في المجزرة. وإضافة إلى ذلك فإن إسبانيا وجدت نفسها في وضعية حرجة كونها تدعم المغرب وهناك اتجاه الآن نحو مساءلة البرلمان للوزير الأوّل حول تلك الأحداث، كما لاحظنا الكثير من ردود الفعل الداعمة للقضية الصحراوية مثل ما حصل في السويد وعدد كبير من دول أمريكا اللاتينية، وكل هذه التصريحات تخدم الشعب الصحراوي. ما يحصل الآن هو أن المغرب يوجد في موقف ضُعف سياسيا ودوليا بعدما أثبت أنه نظام استعماري يُمارس القمع بمختلف أشكاله، وبالتالي فإن هذه الممارسات، من قبيل ما حصل في العيون المُحتلة، أفرزت نوعا من التعبئة لصالح القضية الصحراوية. وفي اعتقادي فإن تغيّر مواقف الدول الكبرى مثل فرنسا وبريطانيا وإسبانيا وألمانيا ومعها الولاياتالمتحدة، من شأنه أن يخدم التوجّه نحو الحلّ لأن ذلك يدفع العالم إلى تغيير نظرته لخيار تقرير المصير والتعامل معه بإيجابية، والمُلاحظ أنه لأول مرّة يُناقش الطرفان هذا الخيار في المفاوضات غير الرسمية.
على ذكر المُحادثات غير الرسمية، فإن العاهل المغربي قال إن بلاده لن تقبل بخيار آخر غير الطرح القاضي بمنح الأراضي الصحراوية حُكما ذاتيا مع بقائها تحت الوصاية المغربية، ألا تعتقدون بأن هذا الموقف يضع مزيدا من التعقيدات للوصول إلى تسوية وحلّ عادل للقضية؟
رسالة النظام المغربي واضحة وهي أنه مهما كانت الضغوطات فإن الحلّ الوحيد الذي يتبناه المتمثّل في «الحكم الذاتي» لا يُمكن أن يستغني عنه، وهو بذلك يُحاول أن يفرضه بالقوّة، والمُتعارف عليه أن أيّ مشروع يتم فيه اللجوء إلى استعمال للقوّة فإن مآله الفشل الذريع لأن هذا السلوك يُعبّر في حدّ ذاته عن الفشل. وما جاء في خطاب العاهل المغربي الأخير ليس بجديد لكنه تزامن هذه السنة مع ضغوط يُواجهها النظام المغربي منذ ظهور قضية المناضلة الصحراوية «أميناتو حيدر»، والملك «محمد السادس» يُحاول إقحام الجزائر في المُواجهة للتستّر بها عن الفشل الذريع الذي وصل إليه، فبعد أن كان يقول بأن سُكان مخيّمات تندوف هم المتمرّدون أثبت الشعب الصحراوي بالأراضي المُحتلة عقب الجريمة الأخيرة بأنه يقف كرجل واحد إلى جانب جبهة «البوليساريو» وخيار تقرير المصير ورفض الاستعمار، وهذا كفيل بالتأكيد بأن ما يقوله العاهل المغربي مجرّد ادعاءات.
اللافت أن التصعيد لم يتوقف عند حدّ ما حدث في مدينة العيون المُحتلة، فقد سبقه خطاب شديد اللهجة للعاهل «محمد السادس» الذي استهدف الجزائر مرّة أخرى، هل يُمكن أن نتعامل مع كل هذه التطوّرات على أنها مُقدّمة لمواجهة مُحتملة وتدهور جديد في علاقات البلدين؟
الجزائر ليست الدولة الوحيدة التي تدعم القضية الصحراوية، فالاتحاد الإفريقي المُشكّل من 53 بلدا يعترف بالجمهورية الصحراوية، وهناك حوالي 90 دولة في العالم تعترف بهذا الواقع، وهنا يجوز التساؤل: هل يعنى هذا أن المغرب مُستعد لمواجهة 90 دولة في العالم؟ الجواب واضح وهو أن المغرب يتواجد الآن في مواجهة ضد الشرعية الدولية، لكن مجرّد تفاوضه مع جبهة «البوليساريو» هو اعتراف بأن الأخيرة هي الطرف الوحيد المعني بالصراع. ودعني أقول مرة أخرى بأن ما جاء في الخطاب الأخير لملك المغرب أمر غير معقول ولا يُمكن أن يصدر من رئيس دولة، وما يحدث الآن هو أن النظام المغربي فشل في إدارة الملف الصحراوي ما جعله في موقف دفاعي، ففي وقت يُعاني فيه الشعب الصحراوي في الأراضي المُحتلة من الجوع والفقر فإن السلطات الملكية تصرف أكثر من 3 مليار دولار سنويا على 250 ألف جندي مُنتشر عبر مختلف المدن الصحراوية المُحتلة بما في ذلك نفقات التمويل العسكري والقمع، فهل يُعقل هذا؟. هذا الخطاب لا يرقى إلى مستوى رئيس فحسب، ولكنه خطاب استفزازي وعدائي لن تكون له أية تأثيرات لأن موقف الجزائر إيجابي داعم للشرعية الدولية وحق الشعوب في تقرير مصيرها بحرية، فلا يُمكن لبلادنا أن تقف ضدّ هذا المبدأ مهما حصل. أنا أقول هذا الكلام للتأكيد بأن مراكز القوى في النظام المغربي بسياسته الحالية تقود الشعب المغربي والمغرب عموما نحو الخطر، والجزائر أمام ذلك لا تعمل إلا في إطار ما يكفل ضمان تطبيق الشرعية الدولية.
كل هذا يدفع إلى التشاؤم بشأن تنظيم استفتاء تقرير المصير، وهو ما يزيد من احتمالات المُواجهة العسكرية، فإلى أي مدى يُمكن لخيار من هذا النوع أن يضمن الاستقرار في المنطقة المغاربية إذا ما قرّرت «البوليساريو» العودة إلى حمل السلاح؟
لقد سبق وأن أشرت إلى أن الضغوط تزداد على المغرب وخاصة بعد الجريمة التي ارتكبها قبل أيام بالعيون المُحتلة، وأعتقد جازما بأن خيار تقرير المصير سيكون الحلّ والخيار النهائي الذي سيفرض نفسه مُستقبلا. يبقى فقط أن أؤكد هنا بأن الخيار العسكري حقّ مشروع أمام جبهة «البوليساريو» خاصة وأن هذا الحقّ مكفول في إطار مواثيق منظمة الأممالمتحدة، أما بخصوص تداعياته فإن القوى الكبرى لن تترك المغرب يتبنى هذا التوجّه، وبالرغم من شرعية العودة إلى الكفاح المسلح فإن «البوليساريو» ليست لديها الرغبة في ذلك لكن يجب التأكيد بأن المقاومة خيار مطروح بكل الأشكال وليس فقط بجانبه العسكري، واللافت أن النظام المغربي هو الذي يتبنى الخيار العسكري حاليا ويُمارسه فعليا بعد أن قتل 19 مُواطنا صحراويا أعزل، فالشعب الصحراوي بريء وهو غير مُسلّح، فالقاتل بهذا هو المغرب.