نقلت وكالة الأنباء الجزائرية عن مصدر مقرب من وزارة الشؤون الخارجية أمس بأن مصالح الوزارة «لم تُعلم ولم تُستشر» حول الموضوع المتعلق بالإجراء الجديد الذي قد يجبر رجال الأعمال الجزائريين الالتزام بعدم طلب شهادة الإقامة وعدم الاستفادة من الخدمات الاجتماعية أو الطبية في فرنسا عند طلب تأشيرة الدخول إلى فرنسا. ويبدو أن الجزائر ستكون مستاءة من هذا القرار في حال تأكيده بشكل رسمي حيث قال المصدر إنه في حال تأكيد القرار فإنه «يحكم مسبقا على نتيجة المحادثات القنصلية التي ستبدأ في المستقبل القريب»، وهو ما سيشكل عقبة أخرى أمام انفراج العلاقات بين البلدين التي بدأت تتعافى من أزمة كبيرة سيطرت عليها خلال أكثر من سنتين، والحديث عن المحادثات القنصلية هو إشارة إلى المباحثات الهادفة إلى تعديل اتفاقية سنة 1968 التي تضبط تواجد الجزائريين في فرنسا، وإلى حد الآن كان الاعتقاد السائد هو أن البلدين توصلا إلى وجهات نظر متقاربة بخصوص المحاور الكبرى للاتفاقية البديلة وهو أمر أشارت إليه وزيرة العدل الفرنسية «ميشال آليو ماري»على هامش زيارتها إلى الجزائر في شهر أكتوبر الماضي، حيث قالت إن حكومة بلادها تسعى إلى مراجعة الاتفاقية بما يضمن نظاما خاصا للجزائريين ويكون في صالحهم، ويعتبر الملف أحد القضايا المعقدة التي تؤثر على العلاقات بين البلدين، وربط الإجراءات الجديدة بمستقبل المباحثات يمثل ردا صارما من جانب الجزائر على هذه القرارات التي تتخذ بطريقة أحادية. وفي منتصف الشهر الماضي كان كاتب الدولة المكلف بالجالية الجزائرية «حليم بن عطاء الله» قد صرح بأن الجزائر ستطلب توضيحات من فرنسا بخصوص التصريحات التي أطلقها وزير الداخلية الفرنسي «بريس هورتوفو» بخصوص تشديد إجراءات منح التأشيرات قصيرة المدى لرعايا بعض الدول ومن ضمنها الجزائر، وقد جاء التصريح ردا على ما قاله وزير الداخلية الفرنسي في معرض حديثه عن الإجراءات الجديدة التي ستتم مناقشتها في ندوة تعقد مع قناصلة فرنسا في الخارج في شهر فيفري المقبل، حيث اعتبر أن التأشيرة قصيرة المدى يجب ألا تتحول إلى تأشيرة للهجرة السرية، وقد أشار المسؤول الجزائري في ذلك الحين إلى أن التنقل إلى أوروبا يبقى حقا لمواطني الدول المغاربية. ميل فرنسا إلى تشديد إجراءات منح التأشيرات للجزائريين ينقض تماما الخطاب الرسمي الذي يشير إلى انفراج العلاقات بين البلدين وإلى السعي إلى حماية حقوق الجالية الجزائرية وتسهيل تنقل الجزائريين نحو أوروبا، وقد اعتبر إلغاء وزارة الهوية الوطنية في التعديل الوزاري الأخير الذي أجراه نيكولا ساركوزي مؤشرا إيجابيا غير أن العودة إلى تشديد الإجراءات الخاصة بمنح التأشيرة يهدد الاستقرار الهش لهذه العلاقة المعقدة، والنقطة الأخرى التي تبدو مؤثرة هي التصرف بطريقة منفردة وهو ما تعتبره الجزائر سلوكا غير مقبول، ورغم أن وزارة الخارجية كانت حذرة في ردها على الخطوة الفرنسية إذ لم تصدر بيانا رسميا يلزمها بشكل مباشر، وفضلت أن تنقل الموقف من خلال وكالة الأنباء الجزائرية نسبة إلى «مصدر مقرب» فإن هناك انزعاجا واضحا من التصرف الفرنسي المفاجئ، ومن هنا جاء التشديد على أن وزارة الخارجية لم يتم إعلامها ولا استشارتها بخصوص هذا القرار، غير أن الرد يوحي بأن التعليمة موجودة فعلا وقد شرع في تطبيقها من قبل القنصليات الفرنسية في الجزائر، ورغم السعي إلى حصر الموضوع في إطاره القنصلي وتأثيره على فئة رجال الأعمال تحديدا من خلال القول «إن الإجراء يثير الشك في النوايا الحسنة» والذي يفهم منه النوايا الحقيقية للفرنسيين في رفع العوائق من أجل علاقات أوثق وتبادل أكثر كثافة على المستوى الاقتصادي، فإنه من الواضح أن القرار ستكون له آثار سلبية على العلاقات بين البلدين بداية بالمحادثات القنصلية التي ستنطلق قريبا. الجانب الإنساني الذي طالما كان عاملا إيجابيا في العلاقات الجزائرية الفرنسية أصبح الآن أحد أهم القضايا الخلافية وقد يكون سببا في انتكاسة جديدة في هذه العلاقات، ففي ذروة الأزمة كان وزير الخارجية «مراد مدلسي» قد أكد في تصريح له على ضرورة الفصل بين المستوى السياسي للعلاقة مع فرنسا والمستوى الاقتصادي والإنساني، وشدد على ضرورة أن تبقى الجوانب الإنسانية والاقتصادية بعيدة عن تأثير السياسة، غير أنه في الفترة الأخيرة بدأ التلويح من جانب الجزائر باستعمال الورقة الاقتصادية، والآن تتعرض العلاقات الإنسانية إلى امتحان صعب، وما يزيد في تعقيد الوضع هو أن بعض القرارات أصبحت تخص الجزائريين دون غيرهم وهو ما يرسخ الاعتقاد باستهداف الجزائريين من قبل الإدارة الفرنسية وهو ما سيصعب مهمة ترميم العلاقات التي تضررت كثيرا في السنوات الأخيرة.