سعيد وزميله وحيد، يعملان حارسي أمن لدى إحدى الشركات الكبيرة وكان كلاهما فقير الحال لا يملك من مال الدنيا شيئا والراتب لا يكاد يسد حاجتهما إلى الطعام والشراب وكان صاحب الشركة المليونير يمر كل يوم من أمامهما كي يصل إلى مكتبه فيتملقه وحيد بشتى الطرق ويكيل له المديح وينحني عله ينال رضاه بينما يسلم سعيد بشكل عادي وابتسامة مؤدبة لا غير، عاتب وحيد سعيد وقال له : - يا صديقي الدنيا مصالح ويجب أن تتملق لأصحاب النفوذ والمال والسّلطة إذا أردت أن تصل إلى شيء في حياتك فعليك مثلي أن تتملق لهذا الرجل الغني قولا وفعلا علك تنال رضاه فينعم عليك بما تجود به يداه . ابتسم سعيد وقال : - يا صديقي أنا لا أسأل إلا من يستحق السؤال وهو رب العالمين فهو من بيده الخير والعطاء وإن يمسسني بخير فسيسبّب له الأسباب من عنده ولا حاجة لي بتملق عبد من عباده لا يملك لنفسه ولي نفعا ولا ضرا إلا بما يشاء الله رب العالمين . لوح وحيد بيده مستهزئا: - يا سعيد دعك من هذه المثاليات فهذا الرجل يملك الملايين ولو رضى عنا فسيعطينا هدية مجزية تفرج عنا المشاكل التي نحن بها فلا تتكبر وأفعل مثلي. كان الرّجل الغني يمرّ كل يوم ويلاحظ تصرف كلا الحارسين، واحد ينحني حتى تكاد تلامس جبينه الأرض ويمطره بالكلمات المعسولة والثاني يسلم عليه بشكل عادي جدا مثله مثل أي شخص آخر , حتى أثار هذا التناقض فضوله وكل يوم يمر يزداد فضوله حول هذا الموضوع حتى طلب من رئيس الأمن في المبنى وضع جهاز تنصّت خفي في طاولة الرجلين ويستمع إليهما وينقل إليه ما يدور بينهما . نقل رئيس الأمن إلى الثري الحوارات التي تدور بين الرجلين وملخصها أن الأول يعتقد أن تقربه وتملقه إليه سيوصله إلى مراده بينما الثاني يعتبره عبدا من عباد الله لا يملك أن ينفعه أو يضره إلا بمشيئة الله . غضب الرجل الغني وقال : - يا لهذه الوقاحة ؟ أنا لا أملك لنفسي ولغيري نفعا ولا ضرا ؟ ألست أنا من يشغله ويدفع راتبه ؟ ألست أنا القادر على فصله وتشريده ؟ ولكني سأثبت له أني لست عاجزا كما يظن وأن بيدي أن أجزي بالخير من أشاء وأحرم منه من أشاء.. وأمر أحد مساعديه أن يعطي كلا الرجلين هدية، الأول الذي يتملقه طمعا في الخير مبلغا كبيرا من المال والثاني الذي يستعين بالله ولا يحسب له حسابا عدة قطع من الملابس الرخيصة . نفذ المساعد الأمر ووضع النقود في علبة صغيرة والملابس في علبة كانت أكبر حجما وسلم العلبتين المغلقتين لكلا الرجلين بينما كان الثري يراقبهما عبر الكاميرا ولاقط الصوت . عندما استلم وحيد علبته ورأى أنها أصغر حجما من علبة سعيد امتعض بشدة وقال : - أنا من يتملق المدير طوال الوقت بينما لا تعيره أنت أي أهمية وأنا السبب في حصولنا على هذه الهدية وليس عدلا أو إنصافا أن تحصل أنت على العلبة الكبيرة بينما أنا العلبة الصغيرة . ابتسم سعيد وقال لزميله : - هل تريد تبادل العلب ؟ أجاب صديقه بلهفة : - نعم بالتأكيد أريد ذلك وهو حقي سأله سعيد : - ألن تندم على ذلك ؟ أجاب الصديق قاطعا : - لا لن أندم تبادل الرجلان العلب بينما الثري يشاهد وهو غير مصدق لما تراه عيناه، فقد وصلت النقود إلى سعيد الذي لا يسأل إلا الله بينما حصل المتملق على الثياب الرخيصة، وقال وقد اصفر وجهه : - لقد صدق الرجل فلست قادرا على أن أعطي أحد شيئا إلا بمشيئة الله، سبحان الله إني كنت من الظالمين .