تعرّضت الكثير من المُمتلكات العمومية والخاصة إلى عمليات تخريب ونهب منظمة في أعقاب الاحتجاجات التي عرفتها الكثير من مناطق الوطن، حيث استغلت عصابات من الملثمين التطوّرات الاجتماعية والارتفاع المفاجئ في الأسعار من أجل الاعتداء على محلات تجارية متخصصة في بيع المعدات الإلكترونية ومساحات عرض السيارات، وقد خلّفت هذه التجاوزات خسائر معتبرة لم تسلم منها حتى الهيئات الرسمية. دفعت التطورات الأخيرة التي عرفتها الكثير من ولايات الوطن في أعقاب موجة الغضب من ارتفاع أسعار المواد الغذائية ذات الاستهلاك الواسع، مصالح الأمن إلى تعزيز انتشارها بشكل لافت، حيث تمّ تحصين أغلب المباني الرسمية خصوصا على مستوى العاصمة، كما سارعت السلطات المحلية إلى عقد اجتماعات طارئة مع الجهات الأمنية لوضع التدابير الكفيلة بمنع حدوث مزيد من الخسائر في الممتلكات. وعلى الرغم من أن كل المؤشرات تؤكد أن الاحتجاجات ناتجة عن حالة من التذمّر بفعل المضاربة الحاصلة في السوق، وهو أمر حاصل فعلا، فإن ذلك لا ينفي بأن الغضب تحوّل إلى حملة واسعة من السرقة والنهب والتخريب، وقد ظهرت عصابات من الملثّمين بين المتظاهرين لم تسلم من هيجانها حتى المخادع الهاتفية وإشارات المرور، فيما امتدت أعمال التخريب إلى المحلات التجارية مثلما حصل في وهران والعاصمة والشلف وكذا البليدة ومعسكر.. واللافت في الاحتجاجات التي انطلقت شرارتها من وهران منذ الأربعاء الماضي وتوسعت إلى عدة ولايات أخرى، أنه يقودها شبان ومراهقين تتراوح أعمارهم بين 16 و25 عاما، وقد نقل شهود عيان بحي «باب الوادي» العريق بالعاصمة أن محلا تجاريا لعرض سيارات »بيجو« تعرّض للتخريب عن آخره، وبالنظر إلى صعوبة سرقة السيارات فقد لجأ المعتدون إلى تفكيكها أمام مرأى الجميع على أن يُعاد بيعها في سوق قطع الغيار، وأضافت مصادرنا بأن غالبية الشباب المتهوّرون كانوا يحملون سكاكين وسواطير ومختلف أنواع الأسلحة البيضاء. وأكثر من ذلك فإن حالة التذمّر التي سادت وسط المواطنين بفعل أعمال التخريب دفعت بالكثير من المحلات التجارية بالعاصمة خلال اليومين الأخيرين إلى غلق أبوابها، وحتى أصحاب السيارات اضطروا إلى الاستنجاد بالمواقف المغطاة تفاديا لأي تصعيد مفاجئ، وقد بدت شوارع العاصمة خالية على عروشها وباتت تحت رحمة الشائعات، كما ظهر جليا أن عصابات من اللصوص المنتشرة عبر الأحياء استغلت الوضع بشكل واضح خاصة في أحياء مثل «بلكور» و«الرغاية» و«براقي» و«الحراش»، مثلما حصل تماما في كثير من الولايات الأخرى. ولم تتوقف مروحيات الأمن عن التحليق فوق أجواء العاصمة طيلة يوم أمس لاستطلاع الأوضاع، كما تعزّز انتشارها في مختلف النقاط الحسّاسة بما فيها تأمين المديرية العامة للأمن الوطني، وبحسب شاهد عيان آخر فإنه من بين التجاوزات التي سُجلت أن مواطنا اضطر للاستنجاد برجال الأمن بحي «باب الوادي» أيضا من أجل حماية محلّه التجاري المتخصص في بيع الهواتف النقالة بعدما وجد نفسه وحيدا في مواجهة مراهقين كانوا بصدد تحطيم الواجهة الأمامية لمحله قصد السطو عليه قبل أن يتدخل عقلاء لإقناع هؤلاء التراجع. وما يكشف فعلا بأن الاحتجاجات انحرفت عن مسارها الطبيعي هو التوجيه المُفتعل لها، فهي تزداد حدّة في الليل بما يجعل من عملية مراقبة الوضع والتحكّم فيه أمرا ليس بالسهل، وهو ما يمنح العصابات التي تُحرّك الشارع هامش حركة واسعا قصد تخريب المحلات التجارية ولاستحواذ على ما بداخلها، فغير بعيد عن مقر وزارة الشباب والرياضة بساحة «أول ماي» وسط العاصمة وقفت «الأيام» على متجر للمعدّات الإلكترونية تم تهشيمه ونهب كل ما فيه، كما أظهرت صور للفيديو شُبانا ملثمين وبحوزتهم سكاكين ومُعدات خاصة للتكسير. وعلى بُعد كيلومترات قليلة تحوّلت أغلب شوارع مدينة «الرغاية» إلى ساحة مواجهة بين المتظاهرين وقوات مكافحة الشغب التي لم تتمكن من السيطرة على الوضع، وكان نتيجة ذلك أن تعرّض مركز للصكوك البريدية تابع لمؤسسة «بريد الجزائر» للتخريب، وهو المصير نفسه الذي آل إليه متجر لبيع التجهيزات الإلكترومنزلية قبل أن يُنهب ما بداخله من مُعدّات من طرف مُلثّمين. وخلّفت الاحتجاجات كذلك حرق ملحقة بلدية ب «عين الكحة»، في منطقة «هراوة» بضواحي «الرغاية»، كما لم ينجح المتظاهرون في اقتحام مقر بنك التنمية المحلية وسط هذه المدينة بالنظر إلى تحصينه، واكتفوا مقابل ذلك بتكسير الموزع الإلكتروني رغبة في الاستيلاء على الأموال التي كانت داخله، كما حاول الملثمون استهداف محلات بيع المجوهرات التي أغلقت أبوابها نهائيا منذ الأربعاء الماضي. وأمام تفاقم الأوضاع فإن المواطنين أبدوا تذمرهم من هذا التصعيد، واتهم العديد ممن تحدثنا إليهم بعض الجهات بتغذية الغضب الحاصل وتوجيهه لتحقيق مآرب أخرى غير الاحتجاج السلمي، ولم ينف هؤلاء أنهم لا يُعارضون الاحتجاجات من منطلق أن الوضع أصبح لا يطاق على حدّ تعبيرهم، ولكن ما يُزعجهم أن تتحوّل هذه الاحتجاجات إلى أعمال تخريب وتكسير، وهو ما يعني أن ذلك سوف يزيد الوضع تفاقما ولا يحلّ المشاكل في نهاية الأمر.