يحكى أن أحد التجار كان لديه صبي أسود البشرة يعمل معه في دكانه وكان هذا الصبي على قدر كبير من الغباء الموروث أو المكتسب, فكان التاجر المسكين يضغط على أعصابه طوال النهار كي لا ينفجر غضبا من أفعال هذا الصبي الغبي وفي يوم من الأيام ذهب التاجر للصلاة فعاد إلى دكانه فلم يجد فيه شيئا.. تعجّب وسأل صبيه عن البضاعة فقال له الأخير مسرورا إن رجلا قد جاء أثناء غيابه وعرض أن يشتري كل البضاعة بضعف الثمن فباعه إياها , سر التاجر لهذه الصفقة وسأل الصبي عن ثمن البضاعة فقال له إن الزبون أخبره بأنه يخاف من اللصوص ولذا فأنه سيعود فيما بعد متخفيا ويعطيه النقود , أدرك التاجر أن اللصوص قد سرقوا بضاعته فانفجر غضبا ورمى بطاسة من اللبن التي في يده على الصبي ففجت رأسه واختلط اللبن الأبيض بالدم الأحمر مع وجه الصّبي الأسود فكان مزيجا غريبا دفع التاجر للضحك لا إراديا وهنا قال الصبي لمعلمه طبعا من حقك أن تضحك فقد بعت كل بضاعتك بضعف ثمنها . وهذا ينطبق على بعض الحكومات العربية التي تواجه هبة الشعب المليونية المطالبة بإصلاحات جذرية تغيير الوضع المزري اقتصاديا وسياسيا وعسكريا وثقافيا ,بتغييرات وزارية أقل ما توصف به أنها سخيفة ومضحكة ولا تغير من واقع الحال شيئا فالفساد موجود والديكتاتورية موجودة والفقر موجود والقمع موجود وكل ما تغير هو بعض الوجوه . والطريف أن الرئيس يخرج بعد هذه التغييرات على الشعب وكأنه قد فتح عكا أوقد ألقى بتعويذة سحرية حلت كل المشاكل ويطلب من الشعب الهدوء والعودة إلى منازلهم وممارسة حياتهم الطبيعية والكف عن الاحتجاج وكأن مشكلة الشعب الكبرى كانت في تسريحة وزير الداخلية أو لون نظارات وزير المالية وطالما أن هذين الاثنين قد ذهبا فالحياة سيكون لونها زاهيا وكل شيء عال العال . وعندما ضحك الشعب لا إراديا من هذه التغييرات استبشر فخامته خيرا وظن أن الشعب فرح بهذا الانجاز الكبير فقام وأعلن حكومته على الملأ ووجه الدعوة لوزرائه الفطاحل لأداء القسم الوزاري ولا أدري لعمري أي قسم سيكون هذا في ظل رفض الشعب للوزارة ورئيسها ووزرائها من الأساس وعلى الرغم من القسم الظاهري الذي تلاه هؤلاء فإني أتصور أن القسم الحقيقي الذي يتلونه في سرهم سيكون شيئا من هذا القبيل : إني فلان الفلاني أقسم بالله العظيم أن أكون خائنا لثقة الشعب (لأنه أصلا لا يثق بي وبالتالي لن تكون خيانة ) خانعا للسيد الرئيس ( لأنه إن طار طرت معه ) وأن أحافظ على مصالح رئيس الجمهورية حتى لو اقتضى الأمر أن أدوس برجلي على أبناء الجمهورية وأن أكون قامعا للحريات وأن أكتم نفس كل من لديه اعتراضات وأن أحتفظ بشنطة هدومي جاهزة للهرب في أي وقت . وسؤالي هنا يا فخامة الرئيس هل تحسب أن الشعب يعاني من تخلف عقلي كي يصدق هذه التمثيلية أو غيرها وهل تحسب أنه سيصدق اللص الذي سيقول له إنه سيدفع ثمن البضاعة مضاعفا وسيدفع الثّمن فيما بعد ويهرب ؟ السّؤال سيجيب عليه الشعب ولكن حذار من أنه لن يضربك بطاسة لبن هذه المرة.