منذ الأيام الأولى بعد توليه الحكم في سنة 1999 لم يخف الرئيس بوتفليقة عدم رضاه عن الدستور وقد قال إنه غير مقتنع بهذا الدستور رغم التزامه باحترامه، وكان مشروعه السياسي يقوم أساسا على تعديل هذا الدستور من أجل بناء نظام سياسي واضح المعالم باعتبار أن الدستور الحالي يخلط بين أنماط حكم مختلفة ولا يحدد بوضوح العلاقة بين المؤسسات الدستورية . أول تعديل جوهري للدستور في الجزائر كان سنة 1989، وقد جاء هذا الدستور ليوفر آلية الانتقال من نظام الحزب الواحد إلى التعددية السياسية، وفي ذلك الحين غطت المادة التي تبيح تشكيل الأحزاب السياسية على صياغة الدستور ككل، فلم يحدث أي نقاش سياسي حقيقي حول مضمون الدستور، وتم الاكتفاء بتنظيم استفتاء شعبي كانت نتيجته هي اعتماد الدستور الجديد، وبعد أقل من ثلاثة أعوام تبين أن هناك فراغا خطيرا في النص الذي لا يقدم معالجة لبعض الأوضاع، وكان تزامن شغور منصب رئيس الجمهورية مع حل البرلمان قد أدخل البلاد في فراغ دستوري تم تجاوزه من خلال اختراع هيئة جديدة سميت المجلس الأعلى للدولة ، التي اعتبرت غير دستورية من الناحية الشكلية لكنها بررت سياسيا بحكم الوضع الذي كانت تمر به البلاد. حتى قبل الوصول إلى تلك المرحلة الحرجة كان الدستور قد أبان عن عيوبه، فهو لا يحدد شكل النظام السياسي، فهناك تداخل بين صلاحيات الرئاسة والحكومة، وبدت السلطة التنفيذية برأسين قد يتعارضان في أغلب الأحوال، هذه المسألة بدأت في البروز مباشرة بعد الانتخابات المحلية التي جرت في سنة 1990، وقد فاز الحزب المنحل بهذه الانتخابات، لكن القراءة السياسية كانت تقول أن الفوز بالانتخابات التشريعية يعني السيطرة على السلطة، وبعد العودة إلى الدستور ظهر أن هذا الأمر غير دقيق، فالرئيس له صلاحية تعيين رئيس الحكومة وإنهاء مهامه، وهو ما يعني أن الأمر لا يتعلق بنتائج الانتخابات التشريعية، وفي مقابل هذا سيكون من الصعب تشكيل حكومة لا تتمتع بالأغلبية في البرلمان لأنها ستسقط بشكل آلي بعد رفض برنامجها وهو ما سيضطر الرئيس إلى حل البرلمان كحل أوحد بما يؤدي إلى الدخول في حالة مزمنة من الانسداد السياسي. من هنا جاءت فكرة الحزب المنحل الذي أراد أن يطيح بالرئيس عن طريق الشارع لتنظيم انتخابات رئاسية مسبقة تنتهي بالسيطرة الفعلية والكاملة على الحكم، وهناك من تحدث عن خطة لإنهاء الديمقراطية عن طريق السيطرة على الرئاسة التي تمنح صلاحيات واسعة ، وإذا كان الرئيس مسنودا بأغلبية برلمانية فإنه يصبح في وضع الحاكم المطلق، وبعد فشل السعي إلى إسقاط الرئيس جاءت الانتخابات التشريعية الملغاة في سنة 1991 لتؤكد عيوب الدستور، فقد اعتبر الحزب المنحل فوزه في الدور الأول من الانتخابات، وهو فوز مهد له الطريق لسيطرة مؤكدة على البرلمان، إعلانا ببداية فترة حكم جديدة باعتبار أنه سيشكل الحكومة ويبدأ في تطبيق برنامجه، ومرة أخرى لم يكن هناك أي حديث عن الدستور الذي ينص صراحة على أن تعيين رئيس الحكومة وإنهاء مهامه هو من صلاحيات الرئيس دون إشارة إلى أي شرط يقيد اختيار الرئيس أو صلاحيته هذه. رغم عمق الأزمة التي ضربت البلاد لم تعالج التعديلات الدستورية التي جاءت في سنة 1996 هذه العيوب ولم تسد تلك الثغرات، فقد تم التركيز بصفة خاصة على استحداث غرفة ثانية في البرلمان هي مجلس الأمة، ودور هذه الغرفة هو مراقبة ما تفعله الغرفة الأولى حيث أنها قادرة على إبطال أي قانون يعتمد في المجلس الشعبي الوطني، وبالنظر إلى أن ثلث أعضاء هذه الغرفة معينون من طرف الرئيس فإنها تتحول إلى صمام أمان من أجل منع الأغلبية من الاستئثار بالحكم، وكان واضحا أن هذه التعديلات جاءت لتسيير وضعية أزمة، وهو أمر ليس من اختصاص الدستور الذي يعتبر قانونا ساميا يضع المبادئ الأساسية للدولة وقواعد نظام الحكم فيها ويحدد صلاحيات المؤسسات التي يقوم عليها النظام والعلاقة بين هذه المؤسسات، وعلى هذا الأساس قامت الانتقادات التي وجهها الرئيس للدستور. التصور الذي قدمه بوتفليقة يقوم على تعديل الدستور بشكل يسمح بقيام نظام رئاسي خالص يتم فيه توحيد السلطة التنفيذية وإنهاء حالة التداخل بين مؤسستي رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة وإعادة ضبط العلاقة مع البرلمان، وقد جاء التعديل الدستوري في سنة 2008 ليعزز هذا التوجه، فقد تم استبدال منصب رئيس الحكومة بمنصب وزير أول الذي تكون مهمته تنفيذ برنامج رئيس الجمهورية، وقد جاء هذا التعديل بناء على تجربة السنوات الماضية حيث شكل التداخل بين صلاحيات المؤسسات عائقا في وجه تنفيذ البرامج الإنمائية، أما من الناحية السياسية فإن الوضع بات أكثر وضوحا، حيث أن الرئيس أنهى العرف الذي أراد البعض تحويله إلى قاعدة والذي بموجبه يلتزم الرئيس بتعيين رئيس حكومة من الأغلبية البرلمانية، ولعل تعمد بوتفليقة تعيين رئيس حكومة من غير الأغلبية، خاصة بين الأفلان والأرندي كان إشارة إلى أن التمسك بالدستور الحالي سيكشف عن حالات من التناقض من جهة، ومن جهة أخرى أكد عزمه على إعطاء مؤسسة الرئاسة مكانتها كمركز لعملية صناعة القرار.