كتاب جديد للمؤلف الإسباني لويس بورتيو باسكوال يبرز فيه حق الشعب الصحراوي في تقرير المصير    جمعية الكونفدراليات الإفريقية للرياضات الأولمبية، هيئة في خدمة النخبة الرياضية الإفريقية    رئيس الجمهورية يهنئ حدادي بمناسبة تنصيبها ومباشرة مهامها كنائب رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي    الجزائر العاصمة: حجز 41 مليار سنتيم ومبالغ بالعملات الأجنبية    التجديد النصفي لعدد من أعضاء مجلس الأمة: قوجيل يترأس جلسة علنية مخصصة لعملية القرعة    اليوم الوطني لذوي الاحتياجات الخاصة: تنظيم معارض و توزيع تجهيزات بولايات شرق البلاد    ضرورة العناية وتطوير المهارات الصوتية لتكوين مقرئين ومؤذنين ببصمة جزائرية    بداية تداول أسهم بنك التنمية المحلية في بورصة الجزائر    كرة حديدية :انطلاق دورة العاصمة الرمضانية سهرة يوم الخميس    جلسات استماع في محكمة العدل الدولية بشأن التزامات الاحتلال الصهيوني الإنسانية تجاه الفلسطينيين    ليالي أولاد جلال للمديح والإنشاد: فرقة "شمس الأصيل" من بوسعادة تمتع الجمهور    السيد حساني شريف يبرز أهمية تعزيز الوحدة الوطنية لمواجهة التحديات والحملات الحاقدة ضد الجزائر    مجلس الأمن الدولي: جلسة إحاطة بشأن الوضع في السودان    عدل 3: عملية تفعيل الحسابات وتحميل الملفات عبر المنصة الرقمية تسير بشكل جيد    كأس الجزائر: شباب بلوزداد يفوز على اتحاد الشاوية (4-2) ويواجه مولودية بجاية في ربع النهائي    جيجل: مصنع سحق البذور الزيتية بالطاهير سيكون جاهزا قبل مايو المقبل    وهران: مسرحية "خيط أحمر" تستحضر معاناة المرأة الجزائرية خلال فترة الاستعمار الفرنسي    فتح خطوط نقل استثنائية خاصة بالشهر الفضيل    جسر للتضامن ودعم العائلات المعوزة في ر مضان    الشباك الموحد يدرس إدراج شركة 'ايراد" في بورصة الجزائر    دراسة مشاريع قوانين وعروض تخص عدة قطاعات    توقيف 6 عناصر دعم للإرهابيين في عمليات متفرقة عبر الوطن    التين المجفف يقوي المناعة في شهر رمضان    فرنسا تحاول التستّر على جرائمها بالجزائر!    هكذا يتم إصدار الهوية الرقمية وهذه مجالات استخدامها    مصانع المياه تعبد الطريق لتوطين المشاريع الكبرى    تسويق أقلام الأنسولين المحلية قبل نهاية رمضان    الاتحاد الإفريقي يدين إعلان حكومة موازية في السودان    فتح 53 مطعم رحمة في الأسبوع الأول من رمضان    المواعيد الطبية في رمضان مؤجَّلة    مساع لاسترجاع العقارات والأملاك العمومية    تهجير الفلسطينيين من أرضهم مجرد خيال ووهم    سيناتور بوليفي يدعم الصحراويين    أيراد تطرق باب البورصة    التشويق والكوميديا في سياق درامي مثير    للتراث المحلي دور في تحقيق التنمية المستدامة    زَكِّ نفسك بهذه العبادة في رمضان    إدانة الحصار الصهيوني على وصول المساعدات إلى غزّة    محرز يعد أنصار الأهلي بالتتويج بدوري أبطال آسيا    تنافس ألماني وإيطالي على خدمات إبراهيم مازة    حراسة المرمى صداع في رأس بيتكوفيتش    وفد برلماني يشارك في المؤتمر العالمي للنساء البرلمانيات    مشاركة فرق نسوية لأوّل مرة    دعم علاقات التعاون مع كوت ديفوار في مجال الصحة    استعراض إجراءات رقمنة المكاتب العمومية للتوثيق    براف.. نحو عهدة جديدة لرفع تحديات عديدة    صادي في القاهرة    الجامعة تمكنت من إرساء بحث علمي مرتبط بخلق الثروة    ديوان الحج والعمرة يحذّر من المعلومات المغلوطة    أدعية لتقوية الإيمان في الشهر الفضيل    الفتوحات الإسلامية.. فتح الأندلس.. "الفردوس" المفقود    رمضان.. شهر التوبة والمصالحة مع الذات    ضرورة إنتاج المواد الأولية للأدوية للتقليل من الاستيراد    نزول الوحي    قريبا.. إنتاج المادة الأولية للباراسيتامول بالجزائر    معسكر : افتتاح الطبعة الأولى للتظاهرة التاريخية "ثائرات الجزائر"    مستشفى مصطفى باشا يتعزّز بمصالح جديدة    مجالس رمضانية في فضل الصيام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



11 سبتمبر..كلما زادت الأجوبة تعقدت الأسئلة
الحادثة الأكثر غرابة في تاريخ البشرية..

على بساط ملكي قطع خطواته..بقامته الفارعة وسحنته السمراء وابتسامته المرسومة بحنكة من علمه الزمن فنون التأنق والتألق وقف أوباما ذات نوفمبر 2008 أمام أنصاره شاكرا ومحييا على الدعم والمساندة..كان فوز هذا «الزنجي» في بلد خبر العنصرية بشكلها المقيت لعقود طوال إيذانا بعودة أمريكا الجديدة إلى صدارة المشهد..وظن حتى ألد أعداء «الشيطان الأكبر» كما كان ينعتها «أسامة بن لادن» أن الحلم الإمبراطوري الأمريكي قد ضخت فيه دماء جديدة..وأن أمريكا عائدة من جديد.
اليوم والعهدة الأولى للرئيس الشاب توشك على الانقضاء تبدو الولايات المتحدة أشد وهنا وعجزا مما كانت عليه في السابق..أعراض كثر تشي بأن جسد القارة الجديدة دبت في أوصاله أمراض الإمبراطوريات..وبات السؤال فقط متى يعلنون الوفاة..؟
بمناسبة الذكرى العاشرة لتفجيرات الحادي عشر من سبتمبر «الأيام الجزائرية» تفتح ملف قصة الحلم الإمبراطوري الأمريكي وتطرح التساؤل : كيف صعد نجم أمريكا على مسرح الأحداث وهل كانت الإمبراطورية الأمريكية وفية لتقاليد وأعراف الإمبراطوريات القديمة في ظلمها وغيها وقبل ذلك كله ؛ هل سيكون انهيار إمبراطورية «ماكدونالدز» سريعا مدويا، أم أن الموضوع يحتاج أكثر من وقفة وتدبر ودراسة..؟



واهم من يعتقد أن الأمريكيين قد نسوا ما ألمّ بهم منذ 10 سنوات. الجرح لم يندمل بعد ويبدو أنه سيبقى ينزف.. "ذكريات مؤلمة" وأحزانا لسنوات قادمة... لم يكن الكبرياء الأمريكي من ضُرب في 11 سبتمبر، فكبرياء الشعوب لا تمثله بنايات خرسانية حتى وان ناطحت السحاب أو طاولت السماء، ما ضرب عند أهالي نيويورك هو الشعور بالأمن والإحساس بالأمان، إلى حين. وعند أهالي الضحايا هو أن يحرمك الجنون والكراهية من رؤية من تحب، إلى الأبد..
حتى شهر جوان الماضي كان عدد ضحايا هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2752. السلطات الأمريكية عدلت الرقم بإضافة حالة وفاة جديدة ليصبح الرقم الرسمي للضحايا 2753. قبل سنة من الآن توفي جيري بورغ (63 عاما) من مانهاتن بنيويورك من مضاعفات مرض صاحبه لعقد كامل. «جيري» كان بين الذين نجوا من الهجمات الإرهابية على برجي مركز التجارة العالمي، لكنه خرج من الواقعة بمرض عضال أصاب رئته من جراء استنشاق الغبار الذي غطى المنطقة المحيطة بالبرجين بعد انهيارهما.
كثيرون هم الذين اشتكوا من مضاعفات "يوم القيامة" كما يطلق عليه بعض الأمريكيين، لكن جيري بورغ هو ثالث ضحية يضاف اسمها في قائمة ضحايا هجمات 11 سبتمبر 2001.
الضحيتان الأخريان هما فيليسيا دان جونز (42 سنة) وهي محامية، ألم بها المرض مباشرة بعد الهجمات وتوفيت بعد خمسة اشهر لكن وفاتها لم يتم احتسابها نتيجة للهجمات الإرهابية إلا في العام 2007. أما ليون هايوارد (45) فقد توفي في عام 2008 بمرض ليس له علاقة مباشرة بالهجمات لكن كبير الأطباء الشرعيين في نيويورك شارلز هيرش ذكر في تقرير رسمي أن الغبار الذي استنشقته الضحية ذات صباح يوم مشؤوم ساهم في تعقيد حالته الصحية وسرّع في مرض السرطان الذي كان يعاني منه وبالتالي تم ضمه إلى قائمة الضحايا.
جميع الضحايا ال2753 تم تصنيفهم كضحايا جرائم قتل عمد.. والقضية مفتوحة. الكونجرس الأمريكي من جهته خصص مبلغ 2.78 مليار دولار لتعويض كل من تأثرت صحته أو أصيب من المدنيين في أعقاب الهجمات ومبلغ 1.5 مليار دولار كتأمين صحي لعلاج طواقم الإنقاذ والتنظيف.
في الذكرى العاشرة لهجمات سبتمبر، لا يمكن أن يقف الرقم عند 2753، فمن فقد حياته بفعل الانتقام والإرهاب الأعمى، إرهاب الدول وإرهاب الجماعات على حد سواء، هو عشرات أضعاف من سيذكرون بالاسم، واحدا تلو الآخر، في الحادي عشر من سبتمبر وتنكّس من أجلهم الأعلام في "غرواند زيرو" وفي عموم الولايات المتحدة. الانتقام الأمريكي، أو الحرب على الإرهاب كما يقال، تسبب في مقتل أكثر من 6 آلاف جندي أمريكي في العراق وأفغانستان، وآلاف غيرهم من المتعاقدين و "المرتزقة" من حملة الجنسية الأمريكية الذين لا تحصيهم بيانات وزارة الدفاع، أو ربما لا تريد.
ولأن النفس البشرية واحدة في كل زمان ومكان، ولأنه في العراق وفي أفغانستان هناك أيضا من العرب والمسلمين من يتوق للأمن والأمان ولا يتمنى أن يفقد حبيبا، فلا بد أن تنكّس الأعلام لعشرات الآلاف من الضحايا الذين حصدت أرواحهم آلة الانتقام العمياء التي لم تفرّق بين بريء وظالم ومدني ومقاتل ومجاهد وإرهابي. علّ إحياء الذكرى العاشرة لهجمات سبتمبر هذا العام تذكر الجميع، أن جميع الأديان تحرّم قتل النفس إلا بالحق.. وكلاهما، من قتل الآمنين بغير ذنب في نيويورك وواشنطن باسم الله أو بغداد أو كابول باسم الرب، على غير حق.
ولأن ذكر 11 سبتمبر لا بد أن يرتبط بمن خطط ونفّذ وتباهى، فذكر تنظيم القاعدة لا مفر منه حتى وان كان من أعطى الأوامر قد دفع الثمن وأصبح هو نفسه رقما.
«جيسون بيرك»، الخبير في شؤون الجماعات الإرهابية يرصد التطورات التي مرت بها القاعدة منذ "غزوة نيويورك المشؤومة" وما آل إليه التنظيم بعد إعلان "الحرب الكونية على الإرهاب" وما سيؤول إليه بعد مقتل زعيمه أسامة بن لادن.
في صيف 2008، كان هناك اجتماع غريب ومتوتر في مناطق القبائل الباكستانية، وذلك حين قرر ستة من أعضاء تنظيم القاعدة، من المهاجرين من فرنسا وبلجيكا، مواجهة قائدهم بتنظيم القاعدة.
قبل أن يغادروا منازلهم، كانوا قد شاهدوا مقاطع فيديو لتنظيم القاعدة على شبكة الإنترنت تظهر فيها أفواج كبيرة من المقاتلين وهم يتدربون على القتال الضاري ونصب الشراك القاتلة، والاستلهام من الخطب المثيرة لأسامة بن لادن. والآن وبعدما أن قضوا أشهر عدة في جبهات القتال الساخنة في باكستان، وجدوا أنهم لم يفعلوا أي شيء أكثر من تدريبات بسيطة على الأسلحة الخفيفة وبعض التدريبات الجسدية وتلقي التعليمات الدينية. كما أنهم لم يقاتلوا أو يقابلوا "الشيخ" أو حتى يروا أحد المعسكرات الرئيسة. فأخبروا أميرهم – أسترالي من أصل سوري – المسؤول عن رعايتهم، أنهم يشعرون بأنهم قد تعرضوا للخديعة.. "لقد ضللتنا مقاطع الفيديو".
لم يحاول ذلك القائد التبرير، بل أخبرهم، ربما بصراحة مفاجئة، أن تلك المقاطع المؤثرة كانت محض "خدعة" لتحقيق هدفين في وقت واحد، "إرهاب العدو. وجذب أعضاء جدد". باختصار كانت تلك المقاطع مجرد "دعاية سياسية"، ذلك ما قاله عبد الرحمن هلال حسين الملقب بإدريس.
تقودنا هذه الواقعة، التي تفسرها أسئلة المتطوعين، إلى السؤال الرئيس الذي كان دائما ما يتردد منذ 2001، بل وحتى قبل ذلك: ما هي الطبيعة الحقيقية والقدرات الحقيقية لتنظيم القاعدة؟
اختلفت الإجابات وتغيرت بالتزامن مع تطور الظاهرة التي تصفها، وفي إطار تغير السياسات التي يتم وضعها لمواجهة التهديد.
ومع حلول الذكرى العاشرة على هجمات الحادي عشر من سبتمبر ربما يصبح من الممكن الاستعانة على نحو ما بالمنظور التاريخي على ظاهرة تنظيم القاعدة ودوره في الانتشار الواسع للجهاد الإسلامي المعاصر.
ربما تظهر لنا هذه النظرة التاريخية أن موت أسامة بن لادن لم يكن بداية تطور جديد للمجموعة المتطرفة التي كان يتزعمها ولكنه كان نهاية لفترة طويلة من التداعي.
يبدو أن التداعي بدأ في الوقت الذي بدأ فيه زعيم تنظيم القاعدة الإقامة مع ثلاث زوجات وعشرة أطفال في البيت الذي يتكون من ثلاثة طوابق والذي يبدو أنه كان يقطنه حتى وفاته. فقد أصاب الوهن العناصر الرئيسة الثلاثة لتنظيم القاعدة، القيادة الكبرى، وشبكة الأتباع، والآيديولوجيا بشكل عام.
فمن الواضح أن التراجع قد بدأ إلى حد كبير في اللحظة التي بدا فيها أن التطرف قد بلغ مداه وذلك في الفترة ما بين 2004 و2006 حينما امتدت الهجمات العنيفة من أوروبا الغربية إلى أقصى الشرق وإلى حد ما في كل المناطق التي تقع بينهما.ولكن قبل الانتقال إلى تاريخ تنظيم القاعدة، يجب استقصاء الحاضر.

كانت القيادات العليا لتنظيم القاعدة تعاني من التداعي منذ بعض الوقت، وقد تمكن بن لادن من البقاء أكثر من رفاقه. فيتذكر مسؤول استخباراتي بريطاني أنه في جويلية 2009 كان هناك نحو عشرة من القيادات الكبرى في التنظيم. أما الآن فلم يبق منهم سوى واحد هو أيمن الظواهري.
ووفقا ل"نيويورك تايمز"، يقول المسؤولون الأمريكيون بالاستخبارات إنه كان هناك نحو 30 قائدا بتنظيم القاعدة بباكستان وعلى طول الحدود الأفغانية الباكستانية قبل عامين.. "وقد تمكنا من اجتثاث 15 منهم في الميدان العام الماضي"، ذلك ما أكده أحد المسؤولين للصحيفة وخمسة آخرون خلال العام الحالي.
وليست "القاعدة" تنظيما كبيرا. فمن بين نحو 200 فرد يوجدون حاليا في المناطق القبلية الباكستانية، هناك أقل من 100 يعدون من الكوادر الرئيسة. وبالتالي، تعد الإصابات الناجمة عن هجمات طائرات الدرون كبيرة جدا. ولكن هناك بعض الكوادر التي تتمتع بالمهارة ولديها القدرة على إدارة العلاقات العامة – مثل أبو يحيى الليبي – وتلك التي تحسن التخفي مثل الليبي أيضا عطية عبد الرحمن – الذي أعلنت الولايات المتحد قبل أيام مقتله في قصف صاروخي.
ولكن لا يوجد من يجمع بين الخاصيتين – التخفي والعلاقات العامة- مثل بن لادن. فعلى الرغم من أن أيمن الظواهري، خليفة بن لادن، ربما تكون لديه الخبرة الكافية كما أنه يحظى بالاحترام فإنه يفتقر إلى الكاريزما، والأهم من ذلك القدرة على جمع المسلحين من أنحاء العالم الإسلامي كافة.
وعلى الرغم من ذلك ما زال هناك تدفق لانضمام الأعضاء الجدد إلى المناطق القبلية من أوروبا أو العالم العربي أو من غيرهما من المناطق – كانت هناك زيادة أخيرا في عدد الأعضاء الجدد من ألمانيا – ولكن الأرقام الإجمالية أقل بكثير مما كانت عليه قبل سنوات عدة. فلا يوجد سوى عدد قليل من المنضمين الجدد في العام الواحد، فقد انخفض عدد المسافرين من المملكة المتحدة، وفقا لما يقوله المسؤولون بالاستخبارات البريطانية. وعلى الرغم من أنهم ما زالت لديهم القدرة على إحداث أضرار جسيمة فإن تلك الأضرار قد تقلصت إلى حد كبير.
وبخلاف القيادات، كانت هناك شبكات من الشبكات، أو الأتباع. ومرة أخرى، فليست هناك أخبار طيبة لخليفة بن لادن. ففي العراق، يقتصر وجود تنظيم القاعدة المحلي إلى حد كبير على محافظة نينوى التي تقع في الشمال الغربي، كما أن للتنظيم وجودا أقل في بغداد.
ومما لا شك فيه أن وجود التنظيم هناك يمثل خطرا على استقرار البلاد ولكن ذلك التأثير لا يمتد إلى المنطقة ككل، ناهيك عن المستوى الدولي. أما بالنسبة لشمال أفريقيا والساحل، فهناك وجود مبعثر لتنظيم القاعدة في المغرب العربي كما أنه فشل في اكتساب أي شعبية محلية حقيقية. وعلى الرغم من وقوع بعض حوادث العنف الاستثنائية، لا توجد دلائل أن يستغل هؤلاء الإرهابيون "الربيع العربي" للتمدد أو كسب نفوذ جديد بدأوا يفقدونه. ويعد وجود تنظيم القاعدة في الشرق الأقصى أقل بكثير. فقد تحول هؤلاء المسلحون في الفلبين إلى الشبكات الإجرامية، بعدما كانوا منضمين إلى شبكة الجهاد العالمية. كما تتسم إندونيسيا، أكبر دول العالم من حيث عدد السكان المسلمين، بالهدوء، في أعقاب مقتل أحد المسلحين البارزين بها وهو نور الدين توب في 2009.
الأجندات
ومن جهة أخرى، هناك بعض المشكلات في آسيا الوسطى، بخاصة في أوزبكستان، ولكن لم يكن أي منها يمثل خطورة كما كان الحال في التسعينيات. كما يعد وجود تنظيم القاعدة في أفغانستان محدودا للغاية – ربما لا يزيد عن 150 فردا ليس بينهم سوى عدد محدود للغاية يبدي حماسة للعمليات الدولية – كما أن العلاقة بين التنظيم وحركة طالبان عادة ما تتسم بالتعقيد والتوتر.
وفي باكستان، على الرغم من كونها أكثر اقترابا من تنظيم القاعدة على المستوى التنظيمي والآيديولوجي، ما زالت جماعات مثل "عسكر طيبة" مستقلة تسعى لتحقيق أجندات محلية أو إقليمية حتى وإن كان خطابها الآن يتحدث حول الجهاد الدولي. وعلى الرغم من وجود صلات بين تنظيم القاعدة وتحالف الجماعات المعروف باسم "طالبان باكستان" فإن تلك تعتبر حالة خاصة، كما أنه، بلا شك، لا يوجد اندماج بينهما. وفي النهاية، ما كان من قبل شبكة من الشبكات فإنه يسير في طريق التفكك والتشرذم.
ولكن هناك حالتان استثنائيتان وهما اليمن، وشرق أفريقيا. في شرق أفريقيا، هناك جماعات الآن تدعي ارتباطها بتنظيم القاعدة ولكن من الصعب أن نعتبر حركة محدودة مثل "حركة الشباب" الصومالية إضافة إستراتيجية للحملة العالمية لإعادة تأسيس الخلافة الإسلامية.

وبالفعل تظهر حتى القيادة العليا لتنظيم القاعدة قدرا من التردد في التواصل مع الجماعات الصومالية. وفي اليمن، هناك بالطبع تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية وتمثل تلك المجموعة التي يمتزج فيها المسلحون الأجانب بالمسلحين المحليين تهديدا كما ظهر من خلال الكثير من العمليات التي وقعت أخيرا. ولكن ما زال من المستبعد تماما أن تصبح اليمن كما كانت أفغانستان في أواخر التسعينيات، خط إنتاج رئيسيا للمسلحين المدربين كما أن تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة مستقل إلى حد بعيد عن القيادة الحالية لتنظيم القاعدة.
وأخيرا، والأكثر أهمية، هو الآيديولوجيا، حيث يعد من الإنجازات الحقيقية لتنظيم القاعدة أن ذلك التنظيم تمكن من نشر مزيجه الخاص من الأفكار الإسلامية المحافظة المتطرفة والإسلام السياسي، والطرائق الثورية الراديكالية والسياسة العلمانية إلى جمهور عريض. والنتيجة، كما يظهر في الولايات المتحدة على نحو خاص، مستوى ثابت ومستمر من التهديدات التي تأتي من الأفراد أو الخلايا الصغيرة المستقلة التي انجذبت للعنف نظرا للكثير من الأسباب. إلا أن الهدف الرئيس لتنظيم القاعدة – حشد الجماهير في العالم الإسلامي وجعلها راديكالية في ما يتعلق بقضية الإسلام المتطرف – مني بالفشل. وكما أثبت الربيع العربي، ما زال تنظيم القاعدة مهمشا على المستويات الاجتماعية، والسياسية، والآيديولوجية، والثقافية. وليس من المرجح أن يتغير ذلك في المستقبل القريب.
ما يتبقى إذن هو مجرد تهديد وظاهرة فوضوية ومتباينة وغير متوقعة. على وجه التحديد يأتي الخطر من بقايا أيديولوجيا تنتشر بحرية يمكنها أن تسفر عن اندلاع العنف حيثما تسمح عوامل أخرى أو تشجعها على ذلك. ربما يكون من بين تلك العوامل تدخل الدولة أو النشاط الإجرامي أو مجموعة محددة من العناصر المحلية. ولا مفر من أن عالما فوضويا يتسارع ظهوره أسفر عن صراع وجماعات مسلحة تشترك في تلك الخصائص.
ليس من الواضح ماذا يعني ذلك للسياسة الأميركية. ربما يكون أحد المفاتيح هو دراسة الفترة المهمة من 2005 إلى 2006. ذكرت في ما سبق أن انهيار فرص "القاعدة" بدأت في فترة تسبق تلك التي يظنها البعض. بالنسبة لي، كانت الفترة التي شهدت القلق الكبير وانتشار العنف – والتي شهدت أيضا ترقب واضعي استراتيجيات جهادية مثل أيمن الظواهري وأبو مصعب السوري لانتصارات كبرى – هي اللحظة الرئيسة التي بدأ فيها مد التطرف في الانحسار.وبالطبع يتضح نطاق هذا الانحسار الآن بصورة أكبر مما كان عليه منذ خمسة أعوام عندما كان غبار الصراع ودخانه يحجبانه.
ومرة أخرى يجب علينا أن نلقي نظرة على العناصر الثلاثة في "القاعدة" وكيفية أدائها في ذلك الوقت.أولا الأخبار التي نقلت عن مسؤولين أمريكيين مشتركين في الحصول على المواد المخبأة التي تم الاستحواذ عليها من مجمع أبوت أباد، بأن تفجيرات لندن 2005 وخطة تفجير الطائرة التي تم إحباطها في العام التالي كانت آخر المخططات التي علم بها بن لادن عن قرب وكانت له درجة من السيطرة عليها. وفي ما يبدو منذ ذلك التاريخ تقيد دور زعيم القاعدة بالتوجيه الاستراتيجي العام. ولا يعني ذلك كما يقول البعض إن بن لادن كان مجرد قائد رمزي. ولكنه يعني أنه، رغما عن إرادته، كانت هناك حدود لمعرفته بالتخطيط للهجمات وسيطرته عليها منذ مدة أبعد كثيرا من تلك التي يظنها البعض.
المؤشر الثاني هو أنه على الرغم من تسارع وتيرة إنهاك رموز "القاعدة" في باكستان وغيرها من المناطق، فإن عملية تقلص صفوف المسلحين الإسلاميين النشطين بدأت في فترة سابقة. كما تمت عمليات اعتقال لشخصيات بارزة في عامي 2002 و2003 مثل أبى زبيدة وخالد شيخ محمد ورمزي بن شيبة. ولكن كان الحدث الرئيس الذي يشير إلى درجة المصاعب التي تواجه "القاعدة" هو مقتل الزعيم المنتمي إلى الجماعة أبو مصعب الزرقاوي في العراق في عام 2006. كان ذلك نتيجة للعمل الإستخباراتي الفعال للوكالات الأميركية والعراقية ووكالات محلية أخرى، بل وأيضا نتيجة لحشد قوة حركة الصحوة السنية في محافظات غرب العراق حيث أجبرت الزرقاوي على الخروج من مناطق آمنة نسبيا إلى مواقع أصبح فيها أكثر عرضة للقتل في شمال شرقي بغداد. وبالطبع في العموم أدت حركة الصحوة إلى تهميش مؤثر للمتطرفين الجهاديين الدوليين في العراق وإلى هزيمتهم في ساحة رئيسة.

تشير عنصر عدة بالدليل إلى أي مدى كانت قوة "القاعدة" منحسرة بالفعل في منتصف العقد الأخير، كانت استطلاعات الرأي التي توضح درجة تأييد بن لادن و"القاعدة" ومنهجهما بعيدة عن الإجماع وشهدت انخفاضا سريعا في دول مثل مصر والسعودية والأردن وإندونيسيا وغيرها، كما كان السخط المنتشر بين المؤيدين السابقين للزرقاوي بعد تفجيره للفنادق في عمان في نوفمبر عاملا رئيسا في جمع معلومات سمحت للاستخبارات الأردنية باختراق شبكاته. وجدير بالاهتمام أيضا أن الأعوام من 2004 إلى 2007 شهدت ذروة تدفق المتطوعين من المملكة المتحدة في المناطق القبلية الخاضعة للحكم الفيدرالي.
ظهرت الإستراتيجية الأمريكية وتكتيكات محاربة الإرهاب حول العالم في تلك الفترة بصورة راديكالية أيضا. وبذلك تم استغلال الفرص الإستراتيجية التي وفرتها التغييرات التي تم توضيحها أعلاه. وكان مفتاح ذلك هو استيعاب فكرة أن الحلول العالمية التي تعتمد على الآيديولوجيات العالمية حتما مصيرها الفشل.
أكد دليل مكافحة الإرهاب الجديد الذي جمعه الجنرال ديفيد بترايوس لتستعين به القوات التي تم تعزيزها في العراق على "الوعي الثقافي كمضاعف للقوة" وأهمية احترام قواعد السلوك المحلية. وكان ذلك بعيدا للغاية عن اعتقاد قطاع كبير في المؤسسة السياسية الأميركية التي يضمن بالنسبة لها انتشار القيم الأميركية أو على الأقل رأسمالية السوق الحرة والديمقراطية الليبرالية على الطريقة الأمريكية تحقيق الأمن في القرن الحادي والعشرين. يتفق مع هذا التأكيد الجديد على المجتمع المحلي في مقابل "الخير العالمي" تأكيد متزايد في دوائر مكافحة الإرهاب على الخاص وليس العام.
تم التخلي عن رسم صور جانبية لصالح تحليل دقيق لعملية التحول الراديكالي. وتم إقصاء التصنيف الهرمي والاستعانة بدراسة الشبكات التي تؤكد على دور النظراء والشركاء في رحلة أي شخص إلى التحول الراديكالي العنيف. في الوقت الذي سمحت فيه نظريات مكافحة الإرهاب الجديدة للجنرالات الأميركيين باستغلال الفرص الإستراتيجية التي ظهرت في العراق أثناء فترة تحول المجتمعات السنية في العراق بعيدا عن الجهاديين، حيث لم تهتم أفكارهم وسلوكهم بالاختلاف المحلي والمجتمعات المحلية كما كانت واشنطن تفعل. استطاعت تلك الوسائل الجديدة – بمصاحبة قوى جديدة وموارد جديدة – أن تستغل الفرص الاستراتيجية التي قدمها التحول العام من الفكر الإسلامي المتطرف الذي كان موجودا في ذلك الوقت. ومنذ عام 2006، أدخلت تلك الوسائل الحديثة في العمل بصورة متزايدة في عملية صناعة السياسات والاستراتيجيات مع تحقيق نتائج إيجابية.
قد يكون الدرس الفعلي المستفاد من الأعوام العشرة الماضية ببساطة أن السياسة الخارجية يجب أن تكون أقل طموحا. وقد أوردت الاستخبارات الأميركية في تقريرها الذي يصدر كل أربع سنوات في نهاية عام 2008 أنها – في فترة مقابلة "إدريس" والاتهامات المحبطة الموجهة إليه في باكستان – رأت أنه في غضون عقود قليلة لن تستطيع الولايات المتحدة أن "تمارس نفوذها". بل توقعت الاستخبارات أنه من المرجح أن تواجه أميركا تحديات كوكب منقسم، تزداد فيه الصراعات حول الموارد النادرة، تعجز عن احتوائها مؤسسات دولية آيلة للسقوط.
ولكن تنبأ التقرير السابق له، والذي نشر في ديسمبر 2004، عندما أعيد انتخاب الرئيس بوش وكان يستعد لتنصيبه رئيسا لفترة ثانية، باستمرار الهيمنة الأمريكية لعدة سنوات مقبلة، مع الوضع في الاعتبار تخلي معظم القوى العظمى عن فكرة تحقيق التوازن أمام الولايات المتحدة. لذلك جاء الاختلاف في غضون الأعوام التي تفصل بين 2004 و2008 صارخا. إذا كانت تلك الأعوام حققت نصرا، فلا يمكن أن تحقق الولايات المتحدة والغرب عامة مزيدا من الانتصارات المشابهة.
هل كانت أحداث 11 سبتمبر 2001 بدايةً لحقبةٍ زمنيةٍ جديدة في العالم، أم أنَّها كانت حلقةً في سلسلةٍ من وقائع عاشتها بلدان العالم بعد انتهاء حقبة الحرب الباردة..؟ وهل هو من قبيل الصدفة أن تكون المنطقة العربية، ومنطقة الخليج العربي تحديدا، هي محطّ تفاعلات مع بعد أحداث 11 سبتمبر، حيث قادت الإدارة الأمريكية السابقة حربها عل العراق بذريعة الردّ على ما جرى من إرهابٍ على أمريكا..؟!
تُرى، لو لم تكن هناك جهاتٌ محليّة تتحرَّك بأسماء عربية أو إسلامية، هل كان ممكناً حدوث مثل هذه الصدمات أو الزلازل التي هزّت أركان الأرض العربية تحديداً؟..لو لم يغزُ النظام السابق في العراق الكويت "باسم الضمّ القسري الوحدوي العربي"، هل كان لأحداث 11 سبتمبر أن تقع عام 2001؟ فأعذار جماعات "القاعدة" لأعمالها الإرهابية في أمريكا كانت الوجود العسكري الأمريكي في شبه الجزيرة العربية بعد العام 1990.
كيف يمكن تفسير ظاهرة "جماعة القاعدة" التي خرجت إلى الوجود خلال عقد التسعينات في حين أنَّ مؤسّسها والعديد من عناصرها كانوا أصلاً خدّام السياسة الأمريكية طوال سنوات حرب "المجاهدين الأفغان" ضدَّ النظام الشيوعي والقوات السوفييتية في أفغانستان؟
هذه أسئلةٌ مهمّة، لأنَّ "المهندس الغربي" استخدم ويستخدم "مقاولين" عرب ومسلمين في إعداده لبناء "شرقٍ أوسطيٍّ جديد"، بل لبناء نظامٍ عالميٍّ جديد تحدَّث عنه جورج بوش الأب في مطلع عقد التسعينات، بعد انهيار الاتحاد السوفييتي.
لقد سقط المعسكر الشيوعي وانتهت الحرب الباردة حصيلة ضغوطاتٍ وسياساتٍ اشترك في وضعها عددٌ كبير من "الخبراء" الذين رافقوا فترة حكم ريغان/بوش لثماني سنواتٍ "1980- 1988" ثمَّ فترة بوش الأب "1988- 1992". وفي الحقبة الريغانية/البوشية، حصلت الحرب العراقية/الإيرانية، وحصلت ثورة المجاهدين الأفغان، وحدث الاجتياح الإسرائيلي للبنان، ثمَّ سقط الاتحاد السوفييتي مترنّحاً في فترة الرئيس بوش الأب بفعل نتائج الحقبة الريغانية، وما برز فيها من ضغوطاتٍ اقتصادية وسباق تسلّح وتعزيز كبير لدور المصانع العسكرية الأمريكية وشركات النفط الأمريكية ومؤسسة البنتاغون العسكرية.
وكان من الطبيعي التساؤل لدى "مجموعة الخبراء" هؤلاء، ومن بينهم من هم "أصدقاء" لإسرائيل، عن الصورة الأمريكية المطلوبة للعالم الجديد، بعد سقوط الاتحاد السوفييتي. وكان من الطبيعي أيضاً البحث عن عدوٍّ جديد يضمن استمرار تدفّق صناعة الأسلحة ويسمح باستمرار الانتشار العسكري الأمريكي في العالم وبالسيطرة على مواقع الثروات الطبيعية فيه، وفي مقدّمتها النفط.
أيضاً، كان من الضروري إبقاء الغرب الأوروبي تحت المظلَّة الأمريكية وإضافة باقي دول أوروبا إلى هذه المظلّة، وهكذا أصبح حلف الناتو في عقد التسعينات حلفاً أمريكياً/أوروبياً ضدَّ عدوٍّ مجهول أو ربّما قيد الإعداد!!
إنَّ أوروبا، في مطلع التسعينات من القرن الماضي، قد شهدت تحوّلاتٍ كبرى لم تنعكس فوراً على المنطقة العربية، رغم قربها الجغرافي من هذه المنطقة. فهناك دول بأوروبا اختارت شعوبها الوحدة مثل ألمانيا، وهناك دول اختارت شعوبها الانفصال مثل تشيكوسلوفاكيا، وهناك دول أخرى وجدت شعوبها نفسها فيها أمام صراعاتٍ دموية مثل يوغوسلافيا، وتفتَّت جمهوريات الاتحاد السوفييتي إلى موزاييك من الدول والثقافات وأنواع الحكم..
وجرى في عموم أوروبا الشرقية تغيير اقتصادي وسياسي وأمني بل وثقافي أحياناً، في ظلِّ رعايةٍ أمريكية لكلِّ هذه التغييرات. وكانت حرب الخليج الثانية هي حلقة في سلسلة متغيّرات أرادت واشنطن فرضها على العالم "مع وجوب ألا ننسى أنَّ هذه المتغيّرات حدثت بإشراف "مجموعة الخبراء" نفسها التي رافقت ريغان/بوش منذ مطلع الثمانينات". وكان من المؤمَّل أمريكياً أن تنسحب هذه المتغيّرات الأوروبية على المنطقة العربية أيضاً، وعلى جوارها الإقليمي في آسيا وأفريقيا، أي تغييرات أمنية وسياسية واقتصادية وثقافية، وربّما في أنظمة الحكم أيضاً.
أيضاً، كانت إدارة بوش الأب حريصة على إنهاء ملف الصراع العربي/الإسرائيلي وفق صيغة مؤتمر مدريد، وما كان يجب أن يترتَّب عليه؛ من بناء شرقٍ أوسطي جديد يسوده التطبيع الكامل بين العرب وإسرائيل، ومن حلٍّ نهائي للمشكلة الفلسطينية من خلال توظيف نتائج غزو الكويت وتفاعلاته السلبية العربية.. لكن هذه المخطّطات تعثَّرت، وخرجت "مجموعة الخبراء" من البيت الأبيض بعد حكم 12 سنة، ودخل البيت الأبيض الأمريكي طاقم جديد لا يحمل الرؤية نفسها ولا الخبرة نفسها أيضاً. فكانت فترة عهد كلينتون "8 سنوات" حالة تعامل بالاضطرار مع أوضاع عالمية أكثر منها مبادرات تخدم رؤيةً محدّدة.
وهكذا ساد الجمود السياسي منطقة الشرق الأوسط، فلم تسقط أنظمة، ولم تحدث تغييرات كالتي حدثت في أوروبا الشرقية، وتوقَّفت "المحدلة" الأمريكية عن العمل حتى عودة "مجموعة الخبراء" من جديد إلى الحكم مع فوز الرئيس بوش الابن بصعوبةٍ بالغة.ثمّ جاءت أحداث 11 سبتمبر 2001 لتنقل إدارة بوش من حالةٍ مشكوكٍ بشرعيتها وبشعبيتها الأمريكية إلى حالة التضامن الأمريكي الكامل معها ومع سياستها الراهنة في الحرب ضدَّ الإرهاب.وفتحت أحداث 11 سبتمبر الأبواب كلّها أمام "الرؤية الأمريكية" التي وضعتها "مجموعة الخبراء" عقب سقوط الاتحاد السوفييتي، وهي الرؤية التي تتضمّن إحداث متغيّراتٍ في الشرق الأوسط وفي جواره الآسيوي والإفريقي بشكلٍ مشابهٍ لمتغيّرات أوروبا الشرقية.

من هي الجهاتٍ التي كانت وراء أحداث 11 سبتمبر 2001؟.. طبعاً لا يملك أحدٌ إجابةً حاسمة عن هذا السؤال، لكن من الواضح جداً اعتراف "جماعة القاعدة" بمسؤوليتها وبالتالي اتّهام عربٍ ومسلمين بتنفيذ هذه العمليات الإجرامية الإرهابية يوم 11 سبتمبر في أمريكا، وما وراء هؤلاء من جماعاتٍ ترفع شعاراتٍ إسلامية وأتباعها في الحقيقة يحلّلون ما حرَّمه الله تعالى في الشرائع السماوية كافّة، من قتلٍ وإرهابٍ للمدنيين الأبرياء..
لقد كان ما حدث في نيويورك وواشنطن في العام 2001 حتماً عملاً إرهابياً كبيراً، ولم تجد واشنطن من يختلف معها على ذلك، لكن وجدت واشنطن من اختلف معها في ظلّ إدارة بوش السابقة حول كيفيّة الردّ وحدوده وأمكنته، وأيضاً حول مدى شمولية مفهوم الإرهاب لدى السلطات الأمريكية. فالولايات المتحدة ما زالت تعتبر أنَّ أيَّ عملٍ عسكريٍّ ضدَّ الجيش الإسرائيلي هو عمل إرهابي حتى لو كان هذا الجيش الإسرائيلي موجوداً بشكل احتلالٍ على الأراضي اللبنانية أو الفلسطينية!.
وقد دخلت أمريكا بعد 11 سبتمبر 2001 حربها ضدَّ "الإرهاب" كعدوّ، دون تحديد ماهيَّة "العدو" ومفهوم "الإرهاب" نفسه فاختلطت تسمية الإرهاب مع حقّ المقاومة لدى الشعوب الخاضعة للاحتلال، وهو حقٌّ مشروع بكافّة المعايير الدولية.
لقد عملت إسرائيل منذ 11 سبتمبر 2001 على استغلال الهجمات الإرهابية التي وقعت في أمريكا، من أجل خدمة عدَّة غاياتٍ حاولت منذ مطلع التسعينات تحقيقها. حصل ذلك بينما إسرائيل تواصل محاولات إقناع الرأي العام الغربي، أن عدوَّه هو العالم الإسلامي، وبأنَّ هذا "العدو" يحمل مخاطر أمنية وسياسية وثقافية، تماماً كما كان الحال مع عدوه السابق، الشيوعية.
ويظهر عمق الجهل الغربي بالمسلمين والعرب عموماً في عدم التفريق بين "المسلم" و"العربي"، فكلاهما واحد بنظره، على الرغم من أنَّ عشرات الملايين من العرب هم من غير المسلمين، ومئات الملايين من المسلمين هم من غير العرب!.
وحينما يكون المتَّهم "جماعات إرهابية عربية وإسلامية" فإنَّ الغضب الغربي سيتمحور حول كلَّ العرب والمسلمين أينما وجدوا، ويزداد حجم هذا الغضب إذا ما أضيف إليه جهلٍ عام بالإسلام وبالعرب، وحينما يقترن هذا الغضب بممارساتٍ سلبيةٍ خاطئة قام ويقوم بها عدد من العرب والمسلمين حتى في داخل المجتمعات الغربية التي تعاني أصلاً من تضخّم عدد المهاجرين إليها وما يحمله هؤلاء المهاجرون الجدد "من مختلف بلدان العالم" من طقوسٍ وعاداتٍ وتقاليد ومظاهر لا تندمج سريعاً مع نمط حياة المجتمعات الغربية.
لقد غاب التوازن لعقود طويلة بين مدى حجم التورّط الأمريكي الرسمي في قضايا العالم، وبين مدى فهم المواطن الأمريكي العادي لهذه القضايا ولما يحدث حوله في العالم، إلى حين صدمة 11 سبتمبر التي كانت بمثابة صحوة من غفوةٍ زمنيةٍ طويلة، لكن "الصحوة" حصلت للأسف متزامنة مع محاولات تشويه متعمدة للعرب والمسلمين وقضاياهم ومعتقداتهم.
إنّ القوى الكبرى قد لا تصنع الحدث مباشرةً.. لكنّها حتماً قادرة على توظيفه لما يخدم مصالحها وأهدافها في عموم العالم. المشكلة أنَّ الحديث بمعظمه يدور دائماً حول المستفيدين من الحدث وماهيّة مخطّطاتهم، وهذا أمر لا يمنع تكرار الأحداث الكبرى، طالما تواجد من يشارك بصنعها من منتمين للأمم وللبلدان الضحية، بعضهم حاكم والبعض الآخر معارض...


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.