عاد الرئيس التونسي منصف المرزوقي إلى التأكيد على أهمية العلاقة بين الجزائروتونس، ونفى في مقابلة نشرتها صحيفة الصباح التونسية الصادرة أمس ما نسب إليه من تصريحات أثناء زيارته الأخيرة إلى ليبيا وتطرق فيها إلى الأزمة الجزائرية في تسعينيات القرن الماضي. حسب وكالة الصحافة الفرنسية فإن المرزوقي قال في خطابه في مدينة بنغازي الليبية “يجب تقبل حكم الأحزاب الإسلامية وعدم التفكير في منعها والتصدي لها كما حدث في الجزائر” في تسعينيات القرن الماضي، ما أغرق البلاد في دوامة من العنف، وأضاف “لو أن الجزائريين تركوا المجال للإسلاميين في الوصول إلى السلطة لما سالت تلك الدماء الغزيرة ولما أزهقت تلك الأرواح”، غير أنه عاد أمس وقال “إننا تاريخيا جربنا ما يؤدي إليه عدم الاعتراف بنتائج الصندوق الانتخابي من مشاكل، وأنا لا أريد أن أحكم على إخوتنا الجزائريين فهم أدرى بمشاكلهم وبطريقة حلها لكن مستقبلا لابد من القبول بما يفرزه صندوق الاقتراع وسنرى ما سيفعله (عندنا) الإسلاميون وهل سيمارسون الديمقراطية الحقة وهل سيقبلون بالتداول الانتخابي وهذا ما أتمناه شخصيا” وأكد أن تصريحاته في ليبيا “كانت في هذا السقف بالذات ولم تكن تدخلا في خيارات الجزائريين أو في طريقة حكمهم”. وقبل هذا كانت الرئاسة التونسية قد أصدرت بيانا أول أمس عبرت فيه عن استغرابها من المقالات والتعليقات التي نشرتها بعض الصحف العربية والتي قالت إنها “حرفت خطاب رئيس الجمهورية المنصف المرزوقي في ليبيا ولمحت إلى محاولة تدخل في الشأن الجزائري الداخلي”، مؤكدة أن “العلاقات التاريخية الإستراتيجية” التي تربط بين تونسوالجزائر “ضاربة في القدم ولا يمكن أن تمسها تحليلات مغلوطة تفتقر إلى الموضوعية والمصادر الموثوقة”، كما أعلن البيان عن زيارة الرئيس بوتفليقة إلى تونس للمشاركة في الاحتفال بالذكرى الأولى للثورة التونسية التي أطاحت بنظام زين العابدين بن علي، كما بدت تونس حريصة على تجاوز أثر تصريحات المرزوقي من خلال الإعلان عن اعتماد السفير الجزائري الجديد يوما واحدا بعد تقديم الطلب الجزائري وهو استثناء للقاعدة التي يفرضها العرف الدبلوماسي في تونس حيث لا يتم الرد على طلبات الاعتماد قبل 48 ساعة على الأقل بعد تقديمها، وهذه الإشارة الدبلوماسية تمثل استدراكا من الجانب التونسي لمنع أي سوء فهم بين البلدين. قبل هذا كان وزير الأول التونسي الباجي قايد السبسي قد اختار الجزائر كأول بلد يزوره بعد توليه منصب رئاسة الحكومة في تونس، وبعد فوز حركة النهضة بالانتخابات اختار رئيس الحركة راشد الغنوشي الجزائر كأول بلد يزوره وقد تم استقباله من قبل الرئيس بوتفليقة وكبار المسؤولين، وقد ذكر عندما حل بالجزائر بأن هذا البلد هو البلد الذي لجأ إليه عندما كان معارضا سياسيا، وهو أول بلد يزوره بعد أن فاز حزبه بالانتخابات، وقد كانت رسائل حسن النية التي أطلقها المسؤولون التونسيون تجاه الجزائر كلها تؤكد على الحرص على إقامة علاقة متميزة مع البلد الجار. الموقف الجزائري من انتفاضة الشعب التونسي التي أطاحت ببن علي أثار كثيرا من الجدل أثناء الأحداث، غير أن اللافت في المسألة هو أن المعارضة التونسية اتخذت موقفا رصينا، ولم تسارع بتوجيه اتهامات إلى الجزائر كما حدث في الحالة الليبية، ومن جانبها الجزائر التزمت بمبدأ عدم التدخل في الشأن الداخلي التونسي، رغم أن بعض الأحزاب المعارضة في الجزائر ذهبت إلى حد اتهام السلطة بأنها تريد إفشال عملية التحول في تونس، وقد مثلت زيارة الغنوشي ردا صريحا على هذه الادعاءات، فقد تم استقبال الأب الروحي للإسلاميين التونسيين من قبل رئيس الجمهورية، ورئيسي غرفتي البرلمان، ومن قبل عبد العزيز بلخادم وأبو جرة سلطاني، رغم أنه لا يحمل أي صفة رسمية، وهذه إشارة واضحة إلى أن الجزائر الرسمية، فضلا عن القوى السياسية الفاعلة فيها تتعامل إيجابيا مع القوة السياسية التي اختارها الشعب التونسي لقيادة البلاد في المرحلة المقبلة. الأمر المؤكد الآن هو أن العلاقات بين الجزائروتونس لن تتأثر بالتغيرات الجارية في المنطقة، فحركة النهضة تريد أن تنأى بنفسها عن أساليب المواجهة التي طالما طبعت توجهات الإسلاميين، وهي تريد في المرحلة اللاحقة أن تعزز تواجدها على الساحة الداخلية التونسية من خلال التصدي للمشاكل الاقتصادية الأساسية وتجسيد طموحات فئات كبيرة من الشعب التونسي لم تحظ بالاهتمام في عهد بن علي، وتحقيق هذه الأهداف على المستوى الداخلي يتطلب أولا إعداد برنامج عملي وواقعي، ورصد الإمكانات المالية، لكنه يرتبط أساسا بالمحيط المباشر للبلاد، ومعلوم أن الجزائر تمثل منفذا هاما للمنتوج التونسي، وهي مصدر مهم للعملة الصعبة التي يجلبها السياح الجزائريون الذين يتدفقون على تونس بأعداد كبيرة خاصة في فصل الصيف، وقد أشار المرزوقي إلى أن تونس تربطها “مصالح مشتركة” مع الجزائر وانه سيتوجه للجزائر للتأكيد على أن البلدين “في حاجة لبعضهما البعض” مشددا على “الأهمية الخاصة” التي يوليها للعلاقات الإستراتيجية التونسية-الجزائرية.