جددت الجزائر موقفها المبدئي من الأزمة السورية بانتقاد قرار الجامعة العربية بعرض الملف على الأممالمتحدة، ورغم الضغط الخارجي فإن الجزائر تبدو حريصة على رفض التدخل الأجنبي، ورفض تحويل الجامعة العربية إلى غطاء لهذا التدخل، ولم تكتف الجزائر باتخاذ موقف سياسي بل قررت تعزيز بعثة المراقبة العربية في سوريا لغلق الباب أمام محاولات إجهاض الحل العربي. ممثل الجزائر لدى الجامعة العربية قال أول أمس إن الجزائر ترفض التدويل، وقد عبرت عن موقفها منذ صدور قرار الجامعة بعرض الملف السوري على الأممالمتحدة في 22 جانفي الجاري، وليس هذا فحسب فقد أعلن السفير عبد القادر حجار أن «الجزائر ستزوّد بعثة المراقبين إلى سوريا بمزيد من المراقبين الجزائريين بهدف دعمها وسد النقص الذي خلفه انسحاب عدد من أعضائها»، فضلا عن دفعها حصتها المالية لتمويل بعثة المراقبين العرب، وهو ما يمثل ردا صريحا على القرار الذي اتخذته دول مجلس التعاون الخليجي التي قررت سحب أعضائها من بعثة الرقابة في خطوة أخرى تهدف إلى تكثيف الضغط على دمشق وفتح الباب أمام التدويل. خطوة دول مجلس التعاون الخليجي تعززت في وقت لاحق بقرار مغربي مماثل، وهو ما يعيد رسم التحالفات التقليدية داخل الجامعة العربية بين القوى المحافظة ممثلة في الدول الخليجية إضافة إلى الأردن والمغرب، والدول العربية التي ظلت تقود محور الممانعة ومن ضمنها الجزائر، غير أن التوازن بين الطرفين اختل بشكل غير مسبوق، ورغم أن القوى المحافظة خسرت مصر التي كانت تتزعم هذا المعسكر، فإن تحييد القاهرة بسبب ظروفها الداخلية، وإسقاط نظام العقيد القذافي، وشغل سوريا بأزمة خطيرة تدفع البلاد نحو حرب أهلية مدمرة، جعل هذه القوى المحافظة تسيطر على الجامعة العربية مستفيدة من دعم أمريكي مباشر يتجلى في ممارسة الضغط على كل الدول التي ترفض التعامل العربي الحالي مع الأزمة السورية. قرار الخليجيين بسحب مراقبيهم من سوريا، رغم أن مهمة البعثة متواصلة بقرار من الجامعة العربية، كان تكرارا لعملية ضغط مماثلة كانت قد قامت بها هذه الدول في شهر نوفمبر من السنة الماضية عندما ضغطت من أجل إصدار قرار من الجامعة بسحب السفراء من دمشق، وأخذ القرار صفة التوصية غير الملزمة بسبب معارضة بعض الدول ومن ضمنها الجزائر، غير أن دول مجلس التعاون الخليجي قامت بسحب سفرائها في حين أعلنت الجزائر رفضها لهذه الخطوة، وفي ذلك الحين قال وزير الخارجية مراد مدلسي إن «سفير الجزائر بسوريا و سفير سوريا بالجزائر مرحب بهما في كلا البلدين و سيواصلان العمل بروح أخوية و بكل إيجابية»، وأضاف «الجزائر لن تطبق إجراء الجامعة العربية القاضي باستدعاء السفراء العرب المعتمدين في سوريا والذي يسمح لكل بلد باتخاذ القرار الخاص به بكل سيادة»، وكانت وجهة نظر الجزائر أنه «قد حان الوقت أكثر من أي وقت مضى لتعزيز العلاقات مع الحكومة السورية من أجل تطبيق وبشكل فعال المخطط الذي صادقنا عليه يوم الثاني نوفمبر الماضي على مستوى الجامعة العربية». منذ بداية الأزمة السورية حرصت الجزائر على اتخاذ موقف واقعي تحكمه مبادئ السياسة الخارجية الجزائرية، فمن ناحية هناك رفض صريح لاستمرار العنف وسفك الدماء، حيث أكدت صراحة أن هذا الوضع غير مقبول وأنه لا بد من الاحتكام إلى الحوار لحل المشاكل السياسية، وفي مقابل ذلك رفضت أي تدخل أجنبي وردت صراحة على الموقف الفرنسي الذي قال بأن الأسد فقد الشرعية بالقول إن الشعب السوري هو الوحيد الذي يستطيع أن يمنح الشرعية أو ينزعها عمن يحكم سوريا، وهو أمر ينسجم تماما مع مبدأ رفض التدخل في شؤون الغير وهو المبدأ الذي قام عليه الموقف الجزائري من الأحداث التي شهدتها تونس ومصر وليبيا، وعلى صعيد آخر هناك إصرار لإعطاء الفرصة كاملة للدور العربي من أجل التوصل إلى حل بدلا عن التدخل الأجنبي الذي بدأ يطرح كبديل من قبل المعارضة وبعض القوى الإقليمية التي تنفذ خطط الدول الكبرى إزاء المنطقة. التفصيل المهم فيما يجرى هو أن الجزائر عادت الآن إلى الواجهة كقوة عربية رافضة لتحويل الجامعة العربية إلى مجرد غطاء لفرض إرادة الدول الكبرى كما جرى في ليبيا على حساب مصالح شعوب المنطقة، وتعيد هذه المواقف تشكيل التوازنات على مستوى الجامعة العربية، ورغم صعوبة القفز على التوازنات الإقليمية القائمة الآن فإن الجزائر تبدو حريصة على احترام المبادئ التي قامت عليها سياستها الخارجية وخاصة رفض التدخل في الشأن الداخلي للدول الأخرى، ومعارضة التدخل الأجنبي تحت أي مبرر. الموقف الجزائري يستفيد على المستوى الدولي من المعارضة الروسية لأي قرار في مجلس الأمن الدولي يفتح الباب أمام التدخل الأجنبي، ورغم أن تعقيدات الوضع الداخلي في سوريا قد لا تترك مجالا واسعا للدور الدبلوماسي الذي يمكن أن تلعبه بعض القوى الإقليمية، فإن الحرص على اتخاذ مواقف متجانسة ومتوافقة مع مبادئ السياسة الخارجية الجزائرية يعكس رؤية واقعية للواقع الإقليمي والدولي.