حمّلت قيادة الدرك الوطني جزءا كبيرا من مسؤولية تزايد عدد حوادث المرور وضحاياه في الجزائر إلى العامل البشري بالدرجة الأولى، مثلما وجّهت أصابع الاتهام مباشرة إلى مدارس تعليم السياقة التي اعتبرتها تفتقد إلى أدنى شروط التكوين التي تُمكّن السائق من التحكّم في مركبته، ولذلك طالبت بضرورة إعادة النظر في الكثير من جوانب عمل هذه المدارس لوضع حدّ ل «مأساة الطرقات». رفض العقيد «داوي شنوقة»، رئيس فرقة الأمن المروري بقيادة الدرك الوطني، تحميل مسؤولية تزايد عدد ضحايا حوادث المرور في الجزائر إلى مصالح الأمن التي قال إنها مهمتها تتمثّل فقط في تطبيق القانون، معتبرا أن حصيلة 37 ألف و442 قتيلا في ظرف عشرة أعوام يتحمّلها الجميع من سلطات عمومية ومواطنين، ليوضح أن هذا الرقم يعادل تعداد سكان خمس بلديات في المدن الداخلية. وتبريرا منه لمطالبته بضرورة اتخاذ إجراءات «أكثر صرامة وقساوة» تجاه كل التجاوزات، حرص العقيد «شنوقة»، خلال حديثه أمس في حصة «ضيف التحرير» بالقناة الثالثة للإذاعة الوطنية، على التذكير ب «الأرقام المروّعة» التي خلصت إليها مصالح الدرك الوطني خلال العام المنقضي بتسجيل 25 ألف و23 حادثا ما أدى إلى مقتل 3831 شخصا فضلا عن 44 ألف و936 جريحا أغلبهم أصيبوا بإعاقات، وهذا ما يعني تسجيل 69 حادثا يوميا ومتوسط 10 قتلى و123 جريحا. وبلغة الأرقام أضاف ذات المتحدث أن 80 بالمائة من الحوادث يتحمّل مسؤوليتها السوّاق، و6 بالمائة لوضعية المركبات و3 بالمائة مرجعها الوضعية السيئة للطرقات، وعموما فإن 89 بالمائة يتحمّلها العامل البشري، ليؤكد في السياق ذاته أن الإهمال والخروقات المتكرّرة ساهمت بدورها في تفاقم الوضع، حيث يمثّل سوء التحكم في المركّبات 24 بالمائة من الأسباب المباشرة، و21 بالمائة نظرا للسرعة المفرطة، و10 بالمائة بالنسبة إلى التجاوز الخطير، فيما تسبّب عدم حذر الراجلين في 8 بالمائة من عدد الحوادث. وتفيد المعطيات التي أوردها المسؤول بقيادة الدرك الوطني بأن مركبات النقل العمومي للمسافرين ومركبات نقل السلع تسبّبت هي الأخرى في ما مجمله 27 بالمائة من «الحوادث المروّعة» خلال السنة المنقضية، حيث أثبتت التقارير تورّط 36 ألف و299 مركبة، ما يقابله بالأرقام 6819 حادثا، منها 5810 بالنسبة لمركبات نقل السلع، وهو ما خلّف 1527 قتيل (9 بالمائة من العدد الإجمالي للقتلى) و14 ألف و675 جريحا (32 بالمائة من إجمالي الجرحى)، لافتا إلى أن هذا النوع من المركبات أدى إلى سقوط عدد كبير من الضحايا. وعندما سُئل العقيد «داوي شنوقة» عن الأسباب التي تقف وراء استمرار النزيف، لم يتوان في الإشارة إلى دراسة أعدّها مخبر للوقاية متخصّص من جامعة الجزائر بأن مدارس تعليم السياقة في بلادنا تفتقد إلى أدنى شروط ضمان تكوين يسمح للسائق بقيادة مركبة مهما كان نوعها، ومن بين النتائج المتوصل إليها أن الحاصل على الرخصة في نهاية التكوين «لم تجتمع فيه كل الشروط المطلوبة»، مثلما أعابت الوثيقة التي تحدّث عنها «انعدام أهداف محدّدة لدى مدارس التعليم». وقال رئيس فرقة الأمن المروري بقيادة الدرك بصريح العبارة «الحصول على رخصة سياقة في الجزائر لا يعني أن صاحبها قادر على السياقة»، مستدلا بمثال يتعلق بأن 14 ألف و255 حادث خلال العام الماضي، أي حوالي 37 بالمائة من المعدّل العام، تسبّب فيه سائقون شباب تتراوح أعمارهم بين 18 عاما إلى 25 سنة، ثم تابع: «هناك جزء من عدم الوعي ولكن هذا أيضا دليل على انعدام شروط التكوين في مدارس تعليم السياقة». وحسب المؤشرات ذاته فإن «الرادارات» البالغ عددها 580 «رادار» على المستوى الوطني كشفت أن 100 ألف سائق ضبطوا في وضعية غير قانونية بمعدّل سرعة تجاوز 180 كلم في الساعة. وقد أدّت هذه الوضعية إلى سحب 193 ألف و683 رخصة سياقة وتسجيل 323 ألف و483 جنحة، مع 545 ألف محضر غرامة جزافية وضبط 90 ألف و425 مخالفة زيادة على 75 ألف و852 مخالفة أخرى متعلقة بعدم إخضاع المركبة للمراقبة التقنية. وترك العقيد «داوي شنوقة» الانطباع بأن رخصة السياقة بالتنقيط المتوقع أن تدخل حيز التنفيذ شهر نوفمبر من هذا العام سوف لن تحلّ الإشكالية كونها لا تؤدي في نهاية المطاف إلى السحب النهائي للرخصة، ما دفعه إلى المطالبة بإعادة النظر بالأساس في نمط التكوين.