خاطرة: إسماعيل بوزيدة / الجزائر اليوم وقد مر من الوقت الكثير ... بعد أن تسابقت الثواني والدقائق... وتبعتها السنوات مسرعة على عجل ... وكبرنا نحن مع الضجيج المتصاعد ... مع الفوضى ... ووسط الزحام. وفي ذات صباح خريفي ممطر ... ما يزال فيه الظلام مسترخيا على هامته ...كنت على موعد مع ذكراك ... لقد كنت قريبا جدًا منك ... بل من أماكن تعرفك أكثر مني . اليوم عرفت كيف كانت صباحاتك في السنوات الماضية ... رأيت كيف الريح تداعب معطفك ... وكيف زخات المطر ترسم الماس على خدودك السمراء ... وتجرعت مرارة فراقك كما تجرعتها أول مرة ... ولا أزال. ما أجمل صباحاتك الخريفية الماطرة ... وكم تحن إليك كل هذه الأماكن ... وتبكيك بصمت وبحزن حزين ... وكم أشتاق إليك أنا. وكما قادتني الخطوات البلهاء إلى اكتشاف هذا الصباح... قادتني أخرى أكثر منها بلاهة إلى مكان آخر ... كنت فيه طوال سنوات ... لأرى عمق جرحي وقدر جمالك في تلك الواجهات... وأرى ذكريات كانت هنا ... لأشخاص كانوا هنا ... مرُّوا ذات لا يوم ... على هذه الأمكنة ... ذات لا زمن. لتترك عليهم بصماتها ... ويتركوا أشياءهم المبعثرة على الأرصفة ... وأحلامهم المكدسة على طاولات المقاهي ... منهم من عاد من حيث أتى ... وآخرون توقفوا في منتصف الطريق ... وقد ضاعت بهم اللافتات ... منهم من خرج سالماً من معركته ... ومنهم ضحايا الظروف الصعبة المتربصة. يقودني قدر آخر ... إلى مكان آخر ... على وقع زخَّات المطر ...كان منطلق البداية لقصتنا ... مكان ما زال كما هو كأول يوم و كأخر لقاء بيننا ...لم يتبدل ولم يغير ديكوره كما تغيرت أنت ... وتلونت بجميع ألوان الطيف . في طريقي ... وجدت آثار أقدامنا في ذات أول يوم ... رأيت طيفك أمامي ... هاربًا مني في اللامنتهى ... لأنهزم أمامه ... كما هزمتني في موقعة أخرى هدير ابتساماتك وتعاسة حظي ... فأعود أدراجي ... تلفني الريح معطفًا ليس للدفء فيه طعم ... فأركب قدرًا أخر ... محتومًا كغيره من الأقدار ... ومرًا كفراقك الأبدي ... أجد نفسي أمام ذاكرة أخرى ... حزينة في اللاحزن ... تشدني نوافذ عليها بعض من فرحك ... وكثير من حزني. في آخر الطريق أجلس وحيدًا في مقهى ... وأشربك شايًا فيه الكثير من السُّكر ... ولكنه مرٌ لفراقك.