تسعى حركة مجتمع السلم إلى تزعم التيار الإسلامي من خلال بناء تحالف جديد يكون مقابلا للتحالف الرئاسي الذي انسحبت منه، غير أن هذا المسعى تواجهه عقبات بسبب الخلافات القائمة بين الأطراف المعنية به من جهة، وبسبب التنافس على تحقيق المكاسب السياسية في ظل توقعات بحصول الإسلاميين على حصة أكبر من الأصوات في الانتخابات التشريعية القادمة. الحديث عن مبادرة لبناء تحالف إسلامي لم تتجاوز إلى حد الآن مرحلة التصريحات الإعلامية، فلا وجود لوثيقة رسمية، أو مبادرة مفصلة، وكل ما تم تناوله هو قائمة بتوقيعات مجموعة من الشخصيات تبارك التوجه نحو تحالف إسلامي، وفي مقابل هذا برزت مواقف معارضة للفكرة من أساسها، فقد استقبل عبد الله جاب الله المقترح بشيء من الفتور، وفضّل أن يتحدث عن نزاهة الانتخابات كضمان لحصول الإسلامين على مواقع متقدمة على الخارطة بعد الانتخابات التشريعية القادمة، وهو بذلك يعتبر أن الأولوية لن تكون للتحالف الذي يروج له أبو جرة سلطاني رغم أنه ليس صاحب الفكرة. الهدف الذي تسعى حمس إلى بلوغه الآن هو بناء تحالف يكون مقابلا للتحالف الرئاسي الذي انسحبت منه الحركة، وهي بذلك تحاول أن تستغل التحالف مع بقية القوى الإسلامية من أجل ضمان مكانتها في البرلمان القادم، ومن الواضح تماما أن حمس تشعر بأن حظوظها الانتخابية ستتراجع بسبب تداعيات مشاركتها في الحكم وعلاقتها الوثيقة مع السلطة خلال العقدين الماضيين، ومن هنا فإنها ترى بأن الحل هو في تغطية صورة الحزب المتحالف مع السلطة بصورة جديدة لحزب إسلامي يمثل جزء من تكتل سياسي جديد متناسق إيديولوجيا بصرف النظر عن المواقف السياسية المتناقضة لمختلف مكوناته. هذا المسعى يصطدم الآن بمعارضة أهم حزب إسلامي معارض وهو جبهة العدالة والتنمية التي يقودها عبد الله جاب الله والذي اعتبر أنه من الضروري أن تكون للحزب مواقفه الثابتة، وقناعات لا تتغير، ورفض التحالف الذي يجعل من الحزب مجرد أداة للتزكية وظيفتها تبييض الممارسات وتنفيذ برامج الغير، ورغم أن سلطاني رد على جاب الله بالقول بأنه سيكون الخاسر الأكبر في حال رفضه التحالف مع الإسلاميين فإنه يعلم جيدا أن التحالف سيكون ضعيفا وغير تمثيلي في حال بقاء جاب الله خارجه، حيث لا تمثل الأحزاب الإسلامية الأخرى مثل النهضة والإصلاح أي قواعد شعبية، في حين أن جبهة التغيير التي يقودها عبد المجيد مناصرة، وهي جناح منشق عن حمس تبدو أبعد الأحزاب عن التحالف مع الحركة الأم، وستبتعد أكثر في حال رفض جاب الله الدخول في هذا التحالف. المبادرة التي يجري الحديث عنها الآن تبدو وكأنها سابقة لأوانها، فالأصل أن التحالفات تأتي بعد الانتخابات وليس قبلها، والهدف منها هو تشكيل حكومات في حال فشل أي حزب في الحصول على الأغلبية، في حين أن بعض الإسلاميين يريدون اليوم بناء تحالف من أجل الانتخابات، وهذا خيار محفوف بالمخاطر، فهو يسوي بين مختلف الأحزاب الإسلامية رغم فوارق كبيرة من حيث التوجهات والشعبية، وأكثر من ذلك فإنه يترك الباب مفتوحا أمام خلافات سياسية أعمق في حال الفوز في الانتخابات، وقد يؤدي هذا إلى حالات من الانشطار عندما تحين ساعة اقتسام الغنائم، ولعل حركة حمس أدركت أن تأجيل التحالف إلى ما بعد الانتخابات سيؤدي إلى تحالف القوى الإسلامية مع أحزاب من تيارات أخرى وهو ما سيجعلها مسبقا خارج اللعبة، ومن هنا وجدت أن الحل يكمن تحالف سابق للانتخابات يضع الجميع في سفينة واحدة ويجعل مصيرهم واحدا. الحقيقة التي تتعمد حمس القفز عليها هي أن الإسلاميين الجزائريين لا يمثلون كتلة واحدة بل مجموعة أحزاب سياسية غير منسجمة في غالب الأحيان، فحركة مجتمع السلم مثلا مرتبطة بالتحالف الرئاسي منذ تأسيسه سنة 2004، وقبل ذلك كانت منخرطة في الائتلاف الحكومي الذي تأسس مع مجيء الرئيس بوتفليقة إلى الحكم سنة 1999، وهي محسوبة على السلطة، وتشارك في الحكومة بشكل مستمر، ورغم انسحابها من التحالف، لأسباب حزبية وانتخابية، إلا أنها رفضت مغادرة الحكومة، وهي تعرف جيدا أن مشاركتها في الحكم خلال العقدين الأخيرين لا يمكن أن تكون بدون تبعات سياسية، ومن الصعب تصور تحالف بين جاب الله وحمس، فضلا عن أن التحالف مع النهضة أو الإصلاح يبدو غير وارد على الإطلاق، وحتى في حال الذهاب إلى حكومة ائتلافية فإن تحالف الإسلاميين المعارضين مع علمانيين يبقى أقرب إلى الواقع من تحالفهم مع إسلاميين مقربين من السلطة. الأمر الآخر الذي يجب التنبه له هو أن كثيرا من الأحزاب تتنازع قيادة التيار الإسلامي وتمثيله، فجاب الله مثلا فضل أن يؤسس جبهة ودعا كل الإسلاميين إلى الانخراط فيها، وهو بكل تأكيد يستهدف قواعد الأحزاب الإسلامية الأخرى، وهو ما يضعف احتمال التحالف، ويضاف إلى هذا الموقف الذي عبرت عنه شخصيات دينية مثل الشيخ طاهر آيت علجت الذي طالب العلماء بالابتعاد عن التحزب، وهو ما يعني إبقاء النشاط الدعوي بعيدا عن المعارك السياسية والانتخابية، وهو ما يحرم دعاة التحالف من قواعد ارتكاز مهمة في المجتمع طالما استعملها الإسلاميون لتعزيز مكانتهم السياسية.