بقلم: غادة مخّول صليبا/ لبنان أتيتِ وأنتِ تنشدين الفرح المرسوم على محياكِ، تحاولين السيطرة على غيابه الحاضر في أعماقي. كنتِ تعلمين بأنني شدوّت من الوجع وعشقته مع كل نبضة قلب حتى احتراقي؛ وبأن دموعي تدفقت مع حقيقة فجري الذي لم ينم إلا في أهدابه كوكباً. بالله عليكِ قولي، أتعتقدين بأنكِ تحبينه أكثر؟ لا بأس، لقد التزمتُ الصمت لأجله لا لأجلكِ، ولن أجعلكِ تتنشقين عبق أحلامي به، ولن يتسع قلبكِ لغسق الكوّن في عينيه. يا أيتها السيدة: إن قلبكِ لم يُعلمكِ بحالي، ولا بماء عطشي الشديد. فأنتِ.. تشبهين العاصفة الهوجاء، تحطمين جسر خلاصي لتعبري على دماره بسعادة حيث نجحتِ بفبركة حجركِ الماسي من منجم شقائي، وها إنكِ تزيّنين به جيدكِ كأيقونة صمتي الثمين. كيف لكِ أن تطفئي نجمتي التي بحثتُ عنها في سماء المستحيل؟ أنتِ الآن تداعبين طفلي وتخنقين كبريائي. يمضي أثير الحزن، ويتصاعد دخان أسود من نسيج زمني الملتهب، فأي غناء هذا الذي سوف يتقن سلّمي الموسيقي وعذابات الكناري؟ هذا الطير الذي يصدح إلى أن يتحول تغريده إلى صفير الرياح في ليلة خاوية. لا تظنّي بأنني أهديتكِ سلامي، فأنا أحمل الحب قصيدة تحتضن موتي البطيء، تسامرني في أوقات احتضاري على صفحات عمري الذي يركض، وأنتِ تسارعين بتوقيعكِ عليها وببصمات تصيبني كالسهام في صدري. على الأقل، سأسامح نفسي، وليس ذنبكِ أني أحببته. أنتمي اليوم إلى الإنسان الذي في كيانه بئر من الجراح المتراكمة؛ يصعب عليكِ العثور على أسرارها وإن نظرتِ في جوّفها..حتماً ستسقطين إلى حدّ الهاوية. سأترككِ إذاً، لتتمتعي في جنة هوائه لعلّكِ تحافظين على ما ترمم من جنوني به. أما عن غابتي اليابسة، ستبقى كجسد الختام لمعاناتي وروحي المثقلة بعبء وجودكِ في حياته. فأنتِ الآن، لست سوى حبر جفّ على ورقي. أخاطبكِ لا لشيء، لكنني لن أسمح بأن تتحديني كي أفرش لكِ سرير نسياني، سيظّل هو ذاكرتي والحبيب المنفيّ بين حقول شَعري الداكن ومدينة ملامحي السمراء. غنّي يا سيدتي، فأنتِ لا تملكين إلا وفائي كأغنية له. قررتُ أن أحفره في ترابي وأن أنقشه بلون الرماد على جلدي. ما لا تعلمينه، هو أنني وهبته حياتي قبل تكويني وولادتكِ من بعدي. وعدتُه بأن أرحل، لذا أرجو أن تحرصي عليه، فهو رجل يختصر حكاية الألم وكل أقاصي الشرق. من هنا، أبدأ رحلة مع ذاتي لا تنفصل عن عودتي إليه كلما انتشلني الحنين من غرق الأحزان، ورؤية أول حرف من اسمه كقيثارة تحملها الملائكة لتعزف ألحان السماوات. أعرف أنكِ لن تمانعي، فأنتِ لم تعرفينني يوماً كما عرفتكِ، ولم تتذوّقي طعم مرارة خسارتي وحسرتي. فهنيئاً لكِ..عطري.