إن أهمية وجود معجم للمسرح والفن المسرحي يعتبر خطوة هامّة لترسيخ الفن المسرحي في المنطقة العربية، بحيث يكون المعجم عونا سواء للناقد والهاوي والطالب. وبالرغم من الجهود المبذولة في تأليف معاجم عربية تتناول المسرح كالمعجم المسرحي لماري إلياس وحنان قصاب حسن (1997)، وقاموس المسرح لإبراهيم حمادة (2007)، إلا أن "معجم المسرح" للفرنسي باتريس بافيس يعد الأهم بين هذه المعاجم، وقد صدرت هذا العام طبعة (2009) من المعجم عن المنظمة العربية للترجمة، قام بترجمته المسرحي اللبناني ميشال ف. خطّار. ترجمة كتاب الفرنسي باتريس بافي "معجم المسرح" تعد خطوة هامة في سبيل تأصيل الثقافة المسرحية وإتاحة المعارف المتعلقة بفن المسرح باللغة العربيّة. بافي يقدّم هذه الطبعة من المعجم بعد خبرة في مجال الدراسات المسرحية والنقد المسرحي تتجاوز العشرين عاما. المدرس السابق في قسم الدراسات المسرحية في جامعة باريس الثامنة يشغل حاليا المنصب ذاته في جامعة "كنت" البريطانيّة. مفاهيم نقدية معمقة
يرى باتريس بافي أن معجمه يسعى إلى الإحاطة بالظاهرة المسرحية ومكوناتها منذ أيام أرسطو حتى بوب ويلسون، مع استثناء للنظريات المرتبطة بالمسرح الشرقي والأشكال المسرحية خارج أوروبا، بالرغم من اعتماد المعجم للترتيب الألفبائي إلا أنه حسب تعبير بافي يحوي ثماني فئات هي: (الدراماتورجيا، النصّ والسرد، الممثل والشخصية، الأنواع والأشكال، الإخراج وطرائق تصميمه، المبادئ البنيوية والمواضيع الجمالية، تلقي العرض، السيميائية). كما يحاول بافي من خلال المعجم توضيح بعض المفاهيم النقدية المعمقة عبر الإحاطة بجوانبها المختلفة وتطورها المرتبط بالنظرية وبالممارسة المسرحيّة. ويطرح هذا المعجم، المترجم بطبعاته الثلاث (1996، 1987، 1980) إلى عشرات اللغات، التساؤلات الكبرى حول فن المسرحة، وعلم الجمال، والسيميائية والأنثروبولوجيا المسرحية.
الفنان والكون
استغرقت ترجمة المعجم من خطّار سنة ونيفا بالإضافة إلى ستة أشهر من المراجعة، ويتحدث الأخير عن الصعوبات التي واجهته أثناء عملية الترجمة وبالأخص تلك المتعلقة بإيجاد مرادفات باللغة العربية لبعض التعابير والكلمات. والمعجم عبارة عن مجموعة من الأبعاد التاريخية والنظرية لممارسة فنون المسرح. وبالتالي فهو يعرّف ويشرح المفاهيم الأساسية للتحليل النصي والمسرحي من خلال الأمثلة المأخوذة سواء من فن المسرحة الكلاسيكي أم من الإخراج المعاصر. فهو قاموس موسوعي بمقاربة متعددة الأوجه للنصوص الدرامية والعروض، آخذا بعين الاعتبار الخبرات الثقافية والفنية. المسرح ليس بظاهرة أصيلة في الثقافة العربية، كما أن عدم الاهتمام بالمسرح في المنطقة العربيّة بصورة كافية جعل اللغة العربيّة غير قادرة على مواكبة تطور هذا الفن وامتلاك قدرة التعبير عن كل جوانبه. هذا بالإضافة إلى سعي خطّار إلى محاولة إيجاد مصطلحات عربية لبعض المفاهيم، كالDistanciaton الذي اقترحه بريخت والذي يُعرف باللغة العربية بالتغريب إلا أن مفهوم التغريب له معادل باللغة الفرنسية (Aliénation) ما جعل خطّار يختار كلمة "التماسف" باللغة العربيّة عوضا عن التغريب بوصفها أكثر دقة، كما يُلاحظ دقة المعجم والإحالات والمراجع التي ترد أسفل كل كلمة مشروحة ما يجعل التوسع في أيّ موضوع أمرا سهلا. تقول منظّرة المسرح الفرنسية آن أوبرسفيلد في تقديمها للمعجم "إن نظرية المسرح التي نستطيع استنتاجها من هذا المعجم، تترك مجالا للأشكال الأكثر تنافرا، لكنّها تحذّرنا في الوقت نفسه من أن الأشكال ليست بريئة، وهي ليست قطعية، أو شكلانيّة، وهي حين تنطق فإنها تحدد علاقة الفنان بالكون". يذكر أن مؤلف كتاب "معجم المسرح" باتريس بافي أستاذ العلوم المسرحية في جامعة باريس 8 ومؤلف عدة كتب حول المسرح من الناحية الثقافية والنظرية الدرامية والإخراج المعاصر. وهي أعمال لاقت صدى كبيرا لدى النقاد الذين أشادوا بنظرياته. والمترجم ميشال ف. خطّار مخرج وشاعر، أستاذ المسرح في جامعات لبنان، ألّف أكثر من 60 عملا مسرحيا، خاصة المسرح التربوي، وهو ممثل لبنان في التنظيم الدولي للإبداع المسرحي الفرنكوفوني. Share 0 Tweet 0 Share 0 Share 0