لم يَكْفِ اللاجئين السوريين مآسي الموت في عرض البحار ومشاهد النوم على الأرصفة والأحراش ، لتُضاف إلى رصيد محنتهم مأساة الارتماء في أحضان المسيحية، بقوة التمييز الديني الذي يمارسه الغرب ضد المسلمين ولم يكف الدول الغربية، دورها المقيت وغير المتزن، بمفهوم التعايش السلمي بين الشعوب في حدوده الدنيا، لتضيف عليه همّا آخر تُلبسه لهؤلاء اللاجئين ،من خلال تصدير مخاوف من احتمال تسرّب عناصر من داعش وباقي التنظيمات المتطرفة إلى هذه الدول في غمرة الأعداد الهائلة ،وهوما يعني تدقيقا و غربلة تزيد من معاناتهم وتجعل من مأساة الخروج من الوطن وترك ما تبقى من البيوت والأهل والأحبة أمرا تفصيلا هامشيا أمام القادم من الأحزان والآلام. الأيام الجزائرية/ زهير الشمالي يعيش اللاّجؤون السوريون مأساة إنسانية كبيرة، حيث تتقاذفهم أمواج البحر وسياسة أوربا وأمريكا، وتطاردهم وسائل الإعلام من خلال اتهامهم بتسللّ تنظيم داعش بين صفوفهم، في سياق حملة تسوقها مصالح استراتيجية للدول الغربية، التي تبحث عن ذريعة لتحريك الآلة العسكرية ضدّ سوريا، وتحويل موضوع التدخل البريّ على يد دول الجوار إلى ضرورة إنسانية أو دولية. موازاة مع السعي الدؤوب إلى تشكيل جبهة رأي عام دولي تحمّل نظام الأسد تبعات الوضع الإنساني المأساوي للاجئين السوريين في أوربا، يتم القمع على نطاق واسع، وممارسة كافّة أشكال الخرق للمواثيق الدولية والإنسانية المتعلقة بحقوق الإنسان وحقّ الاعتقاد، حيث تشير تقارير ميدانية إلى خضوع آلاف السوريين إلى مساومات عنيفة لاعتناق المسيحية، كمقابل لاستقبالهم في البلدان التي يصلون إليها، في وقت يجري فيه تسقيف أعداد المستقبلين من اللاجئين، حيث أعلنت الولاياتالمتحدةالأمريكية أنها سوف تستقبل 1800 لاجئ حتى نهاية العام الحالي، وأعلنت فرنسا بأنها سوف تستقبل 24 ألف لاجئ خلال العامين المقبلين. التحرّك الدولي الذي دفع به الوضع الإنساني المتردّي والبالغ الأذى باللاجئين المصطفين على بوابات أوروبا، تشوبه الكثير من الشكوك، فمن جهة تعلن هذه الدول استعدادها لاستقبال اللاجئين ومساعدتهم، ومن جهة أخرى تحذّر من خطرهم، إمّا لكونهم مسلمين يهدّدون هوية أوربا، أو بتهمة وجود عناصر من التنظيم الإرهابي داعش بينهم. تسقيف أعداد اللاجئين المقبولين لدخول الدول الغربية وإطالة أمد هذا التسقيف إلى سنين، يدفع إلى طرح التساؤل حول الغاية من هذه الخطوة، هل تهدف إلى مساعدة اللاجئين أم تهدف إلى استغلالهم لتضخيم الوضع المزري للسوريين في الخارج، واستعمال ذلك ورقة ضغط وتحريكها، إلى جانب ورقة داعش وتصويغ الحلّ العسكري البريّ ضدّ سوريا. أوروبا تفتح ذراعيها.. ودول الخليج تلزم الصمت وجّه رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو انتقاده الشديد للدول الأوروبية بسبب الأعداد القليلة من اللاجئين التي يقبل بها الاتحاد الأوروبي، ووصف القارة الأوروبية ب"القلعة المسيحية"، مذكّرا بأنّ تركيا استقبلت أكثر من 2 مليون لاجئ من سورياوالعراق، بينما اتهم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الدول الأوروبية بتحويل البحر الأبيض المتوسط إلى مقبرة للمهاجرين. ترفض دول الخليج استقبال اللاجئين السوريين، ما يطرح التساؤل عن أسباب هذا الرفض، خاصة في ظل الانتقادات الواسعة التي توجه لها، بسبب دعمها لأطراف في الصراع المسلح، وهروبها من تحمل المسؤولية تجاه نتائج هذا الصراع، باستقبال المدنيين الفارين من الحرب. وكانت منظمة العفو الدولية، قد اعتبرت خلال الأيام الماضية بأن موقف دول الخليج من اللاجئين السوريين بعدم استقبالهم رسميا "شائن وفي غاية القسوة"، وأشار تقرير لرويترز بالقول "عندما اجتاح العراق الكويت عام 1990 سارعت بقية دول الخليج إلى إيواء آلاف النازحين الكويتيين، وبعد 25 عاما لم يجد السوريون الذين شرّدتهم الحرب الأهلية مأوى لهم في أغنى دول العالم العربي". وقال الكاتب زيد الزيد في مقال له بصحيفة "الآن" الكويتية، إن "ما شهدناه في الأسابيع الأخيرة من حملات تعاطف وتضامن واسعة مع قضية اللاجئين السوريين من جانب حكومات وشعوب بعض دول القارة الأوروبية، بعد حوادث غرق اللاجئين الأخيرة، يشعرنا ببصيص من الأمل"، مستدركا "لكنه يشعرنا بالأسى، في الجانب الآخر، ويجعلنا نتساءل عن غياب التعامل الرسمي من جانب حكومات الدول العربية بالقدر المسؤول الذي تفرضه أواصر القربى والمصير المشترك". بريطانيا تتخوّف وألمانيا تقلّل من المخاطر في سياق التعاطي مع ملف اللاجئين، أعلنت صحيفة بريطانية أن أكثر من 4000 من مقاتلي تنظيم "الدولة الإسلامية" تمكّنوا من التسلل إلى دول الاتحاد الأوروبي في شكل لاجئين، وقال المصدر إن مقاتلي تنظيم "الدولة الإسلامية" انضموا إلى جموع اللاجئين المتزاحمة في ميناءي مدينتي أزمير ومرسين من حيث ينطلقون عبر المتوسط إلى إيطاليا، مضيفا أن مقاتلي تنظيم "الدولة الإسلامية" بعد ذلك يتوجّهون إلى دول أخرى وبخاصة إلى السويدوألمانيا، وأشارت الصحيفة البريطانية إلى أن هذه المعلومات أكدها اثنان من المهربين المحليين، حيث نقلت عن أحدهما قوله إنه "ساعد في دخول أكثر من 10 إرهابيين إلى أوروبا، بعضهم قال إنه يريد زيارة أسرته، وآخرون كي يكونوا على استعداد". وقال المصدر في تنظيم "الدولة الإسلامية" للصحيفة البريطانية إن تسلل المقاتلين هو بداية الانتقام من الضربات الجوية التي يقوم بها الائتلاف الدولي بقيادة الولاياتالمتحدة، مضيفا "نحن نريد إقامة الخلافة، ليس فقط في سوريا، بل في كل العالم"، ما دفع برئيس الاستخبارات الفدرالية الألمانية غيرهارد شيندلر إلى التعليق حول الموضوع بقوله إن إمكانية محاولة الإرهابيين التسلّل إلى بلدان الاتحاد الأوروبي بين صفوف اللاجئين واردة، مضيفا "لا توجد لدينا في الوقت الراهن معلومات عن وجود إرهابيين بين اللاجئين من الشرق الأوسط وإفريقيا، لكن لا يمكن استبعاد أن يستعمل الإرهابيون الإمكانات التي بحوزتهم للتسلل إلى أوروبا"، لكنه شكّك في إمكانية أن يخاطر هؤلاء بحياتهم للوصول إلى بلدان الاتحاد الأوروبي في عداد اللاجئين بحرًا، مشيرا إلى أنه من السهل عليهم الوصول إلى أوروبا بشراء تذكرة سفر واستخدام وثائق مزورة. الناتو يحذّر وحذّر الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس شتولتنبرغ، من خطر أن يؤدي تمدّد تنظيم "الدولة الإسلامية" إلى تسلل أفراده إلى أوروبا من خلال الهجرة غير الشرعية وعبر التخفي وسط جموع اللاجئين الغفيرة، مضيفا أن "خطر دفع تنظيمات مثل "الدولة الإسلامية" ببعض المتشدّدين للتسلل إلى أوروبا بين صفوف موجة المهاجرين الهائلة يعدّ خطرا مقدرا بحجم الإشارات السياسية التي تنبه إليه، فالأمر "أشبه بهجرة عكسية الآن من الشرق الأوسط إلى أوروبا للقيام بهجمات أكثر تركيزا وكثافة من ذي قبل، وهذا الأمر يتطلّب يقظة استثنائية من كل الأجهزة الأمنية والاستخبارية وحتى العسكرية". وأشار الأمين العام لحلف الناتو إلى أنه "ما إن يدخل الوافدون الجدد إلى منطقة شنغن حتى يصبح من حقهم السفر عبر 26 دولة دون قيد أو شرط، والكثير من هؤلاء الوافدين من دول مثل سورياوالعراق، حيث يتمتع تنظيم الدولة الإسلامية بالنفوذ في مناطق شاسعة"، وشدد شتولتنبرغ على أن وصول الإرهابيين مع اللاجئين إلى الاتحاد الأوروبي أمر خطير للغاية، مشيرا إلى صعوبة التثبت من انتماء الأشخاص الوافدين إلى تنظيمات إرهابية، لافتا إلى أن مثل هذه المهمة تتطلب "قدرات استخبارية عالية جدا، أو مستحيلة". الاستثناء الألماني شكّلت ألمانيا استثناء في تعاملها مع اللاجئين السوريين، حيث فتحت لهم الأبواب على مصراعيها، لاستقبالهم، إلى جانب تخفيفها من الضجّة التي أثارها احتمال تسلّل أفراد من تنظيم داعش بينهم ودخوله إلى أوروبا لاستهدافها بأعمال عنف خطيرة. جمّدت برلين عمليا تطبيق اتفاقية دبلن بقرار مكتب الهجرة واللاجئين وقف إجراءات ترحيل اللاجئين السوريين إلى الدول التي سبق أن دخلوا إليها، وتركوا "بصمتهم" فيها، بالتزامن مع تدفق الآلاف منهم مؤخرا إليها برا عبر اليونان ومقدونيا وصربيا وهنغارياوالنمسا، فيما تتخوف دول جوار ألمانيا، وخاصة هنغاريا، من موجة اللاجئين الحالية وتداعياتها المستقبلية، حتى أن رئيس حكومتها فيكتور أوربان وصف الوضع الحالي بأنه "موجة جديدة من عصر الهجرات". وكانت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل أكدت أن بلادها يمكنها تدبّر أمر اللاجئين في العام الحالي من دون زيادة في الضرائب، وبالمقابل ذكرت مصادر صحفية أن تكلفة استقبال ألمانيا لأعداد قياسية من اللاجئين فاقت 10 مليار يورو، أي 4 أضعاف ما تم إنفاقه على اللاجئين في العام الماضي وكان عددهم 203 آلاف. فقر إلى 1.5 مليون يد عاملة وتدور تخمينات مختلفة حول سبب كرم الضيافة الألمانية لللاجئين وخاصة السوريين منهم، حيث رأى البعض أن لدى ألمانيا دوافع أخرى، لفتح أبوابها أمام اللاجئين السوريين، غير الدوافع الإنسانية، ويشير المتتبّعون إلى أن سببا رئيسا دفع بها إلى ذلك، ويتمثل في محاولة ضخ دماء جديدة في مجتمع يعاني من حالة شيخوخة مزمنة، لم تفلح معها إجراءات الحكومة في الحد منها بتشجيع زيادة النسل ورفع معدل الولادات. ولألمانيا أقوى اقتصاد في أوروبا، ونسبة البطالة فيها الأقل بعد النمسا ولوكسمبورغ وهولندا، وقد انخفضت النسبة العام الحالي إلى 2.77 مليون، ومع ذلك تقول تقارير ألمانية أن البلاد بحاجة في السنوات المقبلة إلى 1.5 مليون ونصف المليون من الأيدي العاملة للمحافظة على وتيرة اقتصادها المرتفعة. تشير الأرقام إلى أن ألمانيا تتقدم على اليابان في انخفاض معدل الولادات، وتقول الإحصائيات إن عدد سكان ألمانيا الذي بلغ 80.8 مليون نسمة في عام 2013، سيتراجع إلى 67.6 مليونا في عام 2020، وحسب الإحصائيات فإن ذلك مستمرّ، رغم تدفّق اللاجئين. وتنتشر في المجتمع الألماني ظاهرة إحجام الكثيرين عن الإنجاب، حيث تفيد التقارير بأن عدد الأطفال الجدد الذي يدخلون المدارس انخفض بنسبة 10% خلال 10 سنوات، إذ يلتحق بالمدارس 800 ألف طفل سنويا، وفي الوقت نفسه يحال على التقاعد 850 ألف شخص. القانون يمنع استعمال صفة "لاجئ" تضمن القوانين الألمانية للاّجئ البقاء على أراضيها، إلى غاية تغيّر وضعه الإنساني، ويتم ترحيله، حال زوال الأسباب التي مكنته من الحصول على حقّ اللجوء، كما يتيح القانون له البقاء إذا استطاع إعالة نفسه. ولا تستعمل ألمانيا صفة "لاجئ" في معاملاتها، بل يعدّ هذا النعت نوعا من التمييز وجريمة يعاقب عليها القانون، ولا يُنصّ عليها في الوثائق التي تمنح لهؤلاء، الذين يُشار إلى أنهم يتمتعون بصفة "الحماية الدولية"، ويُذكر في الوثائق أن سبب إقامتهم هو قرار المكتب الفدرالي بمنح الحماية الدولية بموجب المواد 25-26 من قانون إجراءات الإقامة، ويكتب على وثائق سفرهم أنها منحت بناء على أحكام اتفاقية جنيف لعام 1959. ويصعب تحديد سبب معيّن لفتح ألمانيا أبوابها أمام اللاجئين السوريين، ويمكن القول إن ظروفا متنوعة اجتمعت لتدفع برلين في هذا الاتجاه، وبقدر ما، تعطي هذه الخطوة للاجئين حياة واعدة جديدة، تساعد في الوقت ذاته هذا البلد على مواجهة عدة مشكلات من بينها ظاهرة الفاشية الجديدة، من خلال الاستفادة من موجة التعاطف الكبيرة التي عبّر عنها الرأي العام الألماني تجاه اللاجئين السوريين لمحاصرة مثل هذه الاتجاهات المتعصّبة والسلبية، ناهيك عن معالجة الخلل الديموغرافي لتفادي تبعاته المستقبلية الخطيرة. تفريغ سوريا لاستقبال سكان الخلافة الجدد تشير إحصائيات الأممالمتحدة، إلى تجاوز عدد السوريين اللاجئين خارج وطنهم خلال العام الأخير 4 ملايين فرد، مقابل 7 ملايين نازح داخل البلاد، علما بأن العدد الإجمالي لسكان سوريا يصل إلى 23 مليون نسمة، لكن الوضع الحالي في سوريا جعل حوالي 200 ألف إلى 300 ألف سوري يسعون للإقامة في الدول الأوروبية، هربا من الحرب. تقول قراءات استشرافية، إن ما يجري من مساهمة مباشرة أو غير مباشرة في تهجير السوريين من وطنهم، يتعلّق بعملية مقصودة لتفريغ سوريا من سكانها، تمهيدا لاستقبال مواطنين جدد، يأتون من آسيا الوسطى وأفغانستان وشمال القوقاز، إضافة إلى عناصر التنظيمات الإرهابية من جنسيات مختلفة، سواء الذين خاضوا عمليات في مستنقعات الإرهاب المختلفة في القوقاز والبوسنة والعراق وأفغانستان والشيشان وليبيا، أو الذين تدرّبوا على أيدي القوات الأمريكية والألمانية في تركيا والسعودية والأردن، وهو ما يمهّد لفسح المجال أمام مستنقع لا حدود له للصراع في المنطقة، يكون مفتوحا على النزاعات الطائفية والإثنية، ولا يستثني دولة من دول المنطقة بخطره، كما يمنح الفرصة للغرب لتحقيق مصلحته في المنطقة ويعطيه فرصة من ذهب للتدخل في أيّ وقت. من يتحمّل المسؤولية تبعات الوضع الإنساني المزري للاجئين السوريين، منحت الفرصة للشركاء الدوليين للتعبير عن عدم رضاهم بالسياسية الأمريكية الأوروبية في المنطقة، حيث قال وزير الداخلية الإيطالي أنجيلينو ألفانو أن المجتمع الدولي مسؤول عن تبعات إسقاط القذافي، وأوضح، في تصريحات صحفية من باليرمو عاصمة صقلية، أن هذا الوضع قائم منذ سقوط القذّافي، مضيفا بأن "المسألة الرئيسة تكمن في ضرورة أن يتحمل تبعات هذا الأمر، المجتمع الدولي نفسه الذي أرسل القذافي إلى بيته، أو بالأحرى إلى المقبرة". أما الرئيس الروسي فلاديمير بوتين فأكّد بأن اللاجئين السوريين يهربون، ليس من حكومة بشار الأسد، بل من تنظيم "داعش" الإرهابي، معتبرا أن أزمة الهجرة الراهنة مرتبطة بالسياسة الغربية الخاطئة في المنطقة، وأوضح بوتين أن أزمة اللاجئين كانت "متوقّعة تماما"، وأن روسيا حذّرت مرارا من مشكلات واسعة النطاق قد تظهر في حال استمرار الشركاء الغربيين باتباع سياساتهم الخارجية الخاطئة، وخاصة في بعض مناطق العالم الإسلامي وفي الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. ويقول بعض المحلّلين السياسيين إنه "إذا كانت تصريحات وزير الداخلية الإيطالي، تذكر الولاياتالمتحدة وأوروبا بخطئها في تدمير ليبيا، فإن تصريحات بوتين تلقي المزيد من الضوء على سياسات أمريكية- أوروبية ممنهجة لتنفيذ سيناريوهات أثبتت التجربة فشلها مسبقا في أفغانستان والعراق وليبيا، والمثير للدهشة هنا أن واشنطن اعترفت مؤخرا بخطأ غزوها للعراق، ولكنها في الوقت نفسه تواصل نفس السيناريو تقريبا في سوريا". سياسة الغرب.. إلى أين؟ يرى الناطق باسم البيت الأبيض جوس أرنست أن أزمة الهجرة إلى أوروبا أدت إلى بروز خلافات عميقة داخل الاتحاد الأوروبي حول توزيع العبء على جميع أعضاء الاتحاد، وقال إن واشنطن مستعدة لتقديم "استشارات فنية للاتحاد الأوروبي لحل قضية الهجرة"، ما أثار استغراب بوتين، خاصة ما يتعلق بتغطية وسائل الإعلام الأمريكية لقضية الهجرة، منتقدا السلطات الأوروبية باعتبار تعاملها مع اللاجئين "قاسيا"، واقترح بوتين عدة نقاط من أجل التوصل إلى تفاهم مشترك لحلّ الأزمة، معتبرا أن اجتثاث جذور هذه القضية يتطلب العمل على محاربة الإرهاب بكافة أنواعه وتطوير الاقتصاد في الدول التي يهرب منها الناس، وليس تأزيم الوضع دعائيا أو غزوها. واشنطن لا تسمع إلا نفسها، وما يتردّد في رؤوس ساستها، وأوروبا خائفة من تسّلل عناصر داعش بين المهاجرين، رغم أن الكثير من العناصر التي تحمل الجنسيات الأوروبية غادرت أوروبا وتوجّهت إلى "مركز الخلافة" في البداية، ويمكن أن تعود هي وغيرها من الجنسيات الأخرى بين المهاجرين، وهو ما حذرت منه روسيا طوال السنوات الأخيرة، أما سوريا فيتم تفريغها وتجريفها من سكانها، هذا المشهد الثلاثي الذي تلعب فيه وسائل الإعلام دورا مفصليا، يثير العديد من التساؤلات، لماذا تأجّجت وتفاقمت أزمة المهاجرين خلال الأسابيع الأخير، وهي التي كانت تسير في خط مستقيم وبمعدلات عادية، أو على الأقل لم يكن الإعلام يسلط عليها الضوء بهذه الكثافة؟ لماذا لم تستمع الولاياتالمتحدة وأوروبا إلى تحذيرات روسيا وكل الدول ذات التفكير السليم بشأن تبعات سياسات المعايير المزدوجة، ودعم الإرهاب، والإطاحة بالأنظمة السياسية؟ بعض التقارير يتحدث عن أن مشكلة الهجرة حقيقية بالفعل وليست مفتعلة، ومن الممكن أن تسفر عن أزمات أخرى ستجعل أوروبا تندم لسنوات طويلة مقبلة: تندم أمنيا واقتصاديا وإنسانيا. وسيبقى الضغط الأمريكي على أوروبا، سواء بتصوير روسيا كعدو، أو اختراع أعداء وهميين لأوروبا من أجل استمرار سيطرة واشنطن عليها، ولكن السؤال الذي تطرحه هذه التقارير بأشكال مختلفة يدور حول احتمال بعيد، ولكنه يملك الحق في الوجود والطرح للمناقشة، هل يمكن أن تستخدم الولاياتالمتحدة مشكلة المهاجرين كذريعة لتفعيل سيناريو الاستعانة بقوات برية عربية في اقتحام دمشق، وهو ما تحدث عنه وزير الخارجية الأمريكي جون كيري؟ وهل يمكن أن تستعين، إلى جانب القوات البرية العربية و"المعارضة المعتدلة المسلحة"، بجبهة النصرة وفقا لدعوات ومبادرات مدير الاستخبارات الأمريكية السابق ديفيد بتريوس؟ يرى المتتبّعون بأن واشنطن فشلت في استخدام سيناريو الأسلحة الكيماوية والذرية مع سوريا، وهو الذي استخدمته في تصفية صدام حسين وغزو العراق، وبالتالي هي في حاجة ماسة إلى ذريعة، على خلفية ضجة عالمية وحملات إعلامية مع المماطلة في حل أو تسوية أي من جوانب هذه الأزمة. Share 0 Tweet 0 Share 0 Share 0