تقود الجزائر المجموعة الإفريقية في الندوة العالمية حول التغيرات المناخية المنعقدة بالعاصمة الدنماركية كوبنهاغن، بوصفها رئيس لجنة العشرة للاتحاد الأفريقي حول التغيرات المناخية مكلفة بتنسيق الموقف الأفريقي في كوبنهاغن، وتكافح القارة السمراء من أجل التوصل إلى اتفاق عادل، بخصوص الحد من انبعاث الغازات المسببة للاحتباس الحراري، يضمن حقوق القارة في التنمية في حين تتحمل الأطراف الأخرى مسؤوليتها باعتبار أنها المتسبب الأول في التغيرات المناخية يشارك الرئيس بوتفليقة، الذي غادر أمس إلى كوبنهاغن، في أشغال القمة العالمية حول المناخ والتي ستجمع أكثر من مائة رئيس دولة وحكومة في العالم، وقبل هذه القمة كان الرئيس قد أشار قبل عشرة أيام، في رسالة وجهها إلى المشاركين في المؤتمر الأفريقي الثالث حول استعمال العلوم والتكنولوجيات الفضائية لخدمة التنمية المستدامة، إلى ضرورة أن تأخذ قمة كوبنهاغن في الحسبان " الموقف الإفريقي المشترك الذي يعكس وعي قارتنا بالدور المنوط بها للحفاظ على حقها في التنمية المستدامة وحقها في رخاء شعوبها"، وتبنى الجزائر، وإلى جانبها المجموعة الإفريقية، موقفا يقوم على اعتماد بروتكول كيوتو مرجعية لأي اتفاق حول الحد من انبعاث الغازات المسببة للاحتباس الحراري، وهو ما سيؤكده الرئيس بوتفليقة خلال مشاركته في القمة. وقد لعبت الجزائر دورا أساسيا في تنسيق الموقف الإفريقي، حيث أشار الوزير الفرنسي للبيئة و الطاقة و التنمية المستدامة و البحر «جان لوي بورلو» إلى هذا الجهد بالقول " إن الجزائر تنسق الموقف الإفريقي بطريقة جيدة"، وقد بذل وزير البيئة والتهيئة العمرانية والبيئة والسياحة «شريف رحماني» جهدا في إطار الاجتماعات الوزارية التي جرت خلال الأيام الماضية من أجل صياغة الموقف الإفريقي الموحد، ومن أجل حشد الدعم الدولي لهذا الموقف، وفي هذا الصدد تبنت فرنسا وهولندا موقفا قريبا من المطالب الإفريقية خاصة ما تعلق بضرورة تقديم مساعدات مالية للدول الفقيرة، وخاصة إفريقيا، من أجل تحقيق التنمية المستدامة ومواجهة الآثار المدمرة للتغيرات المناخية والتي برزت في إفريقيا أكثر من أي مكان آخر في العالم. وتواجه ندوة كوبنهاغن خلافات حادة بين الدول الفقيرة والغنية، وبين الدول الغنية في حد ذاتها، حيث ترفض الولاياتالمتحدةالأمريكية والصين، وهما أكثر البلدان تلويثا للبيئة تقديم مزيد من الالتزامات بالحد من نسبة انبعاث الغازات، وترفض هذه الدول توقيع بروتكول كيوتو حول المناخ، وتتجه نحو التملص من المسؤولية التاريخية عن تلويث البيئة والالتفاف على المطالب العالمية بهذا الخصوص من خلال طرح تقاسم غير عادل للأعباء يضع كل الدول على قدم المساواة بخصوص هذه القضية، كما ترفض هذه الدول التوصل إلى اتفاق ملزم لمساعدة الدول الفقيرة على مواجهة آثار الاحتباس الحراري وإقامة اقتصاديات نظيفة وتنمية مستدامة. وتكتسي قمة كوبنهاغن أهمية بارزة باعتبارها ساحة لمفاوضات معقدة تحيط بها رهانات اقتصادية كبرى، فالدول الغنية تريد أن تحافظ على مصالحها الاقتصادية من خلال رفض الالتزام بتخفيض كبير لانبعاث الغازات على خلفية الحرص على قاعدتها الصناعية ومكانتها في الاقتصاد العالمي، لكنها تتجه في مقابل هذا إلى طرح المسألة بحسب القطاعات، وفي هذا الصدد تقود دول منظمة الدول المصدرة للنفط أوبك كفاحا من أجل رفض اقتراح بفرض تسعيرة على الكربون ، وقد شرح وزير الطاقة والمناجم «شكيب خليل» الموقف بالقول إن الدول الغنية من خلال فرض هذه التسعيرة تهدف إلى إنعاش اقتصادها الذي تريد تحويله إلى اقتصاد نظيف يرتكز على تصدير التجهيزات والخبرة والهندسة الموجهة لإنتاج الطاقات البديلة، ولهذا الغرض فان البلدان المتطورة ترفض الاعتراف بتقنية التخزين الباطني لغاز ثاني أوكسيد الكربون كتكنولوجية فعالة في تقليص الاحتباس الحراري لأنها " ليست تكنولوجيا تخدم مصالحها الاقتصادية الخاصة"، واللافت هنا هو أن الاقتراحات التي تطرحها الدول المتطورة تمثل جزءا من إستراتيجية الهيمنة الاقتصادية أكثر من كونها خيارات تهدف إلى حماية البيئة، ورفض الاعتراف بتقنيات معتمدة من قبل دول الجنوب، كما هو الحال مع تقنية التخزين الباطني لغاز ثاني أوكسيد الكربون المستعملة في الجزائر يمثل محاولة لفرض خيارات أخرى تفتح المجال أمام الدول الغربية لتصدير التجهيزات المطلوبة، كما هو الأمر بالنسبة لإنتاج الكهرباء انطلاقا من الطاقة الشمسية، فضلا عن بيع الخبرة. الازدواجية التي تطبع مواقف الدول المتطورة تتجلى في عدم وجود التزام واضح بمسألة التمويل، فحتى المشاريع التي تشجع هذه الدول على إقامتها في دول جنوب المتوسط لم يتم تحديد صيغة تمويلها كما هو الحال بالنسبة لمشروع إنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية وتصديرها إلى أوروبا، ولا توجد أي ضمانات بإمكانية فتح الأسواق الأوروبية أمام ما ينتج في الجنوب حتى وإن كان مستجيبا للشروط الأوروبية. ورغم الخلافات التي تطبع قمة كوبنهاغن فإن الجهود التي بذلتها الجزائر ومعها الدول الإفريقية أثمرت من الناحية المبدئية بالاعتراف بضرورة تقديم المساعدة المالية للدول الفقيرة حيث قال الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون في مقابلة نشرتها صحيفة "فاينانشل تايمز" أمس أنه في وسع الدول المجتمعة في كوبنهاغن إبرام اتفاق "دون التزام رسمي بعيد الأمد حيال الدول الفقيرة لمساعدتها على مكافحة الاحتباس الحراري" وأضاف :"يمكننا بدء مناقشة هذه المسالة العام المقبل" مشددا في الوقت نفسه على أهمية تقديم الدعم المالي لهذه الدول.