أصبح من المؤكد أن الانقلابات العلمية نظرية جزائرية مائة بالمائة في العلوم السياسية، والكثير من الأشياء في بلادنا لا تسمى بأسمائها. ومنذ أن انقلب عبد القادر حجار على الراحل عبد الحميد مهري رسمت السلطة المؤامرة العلمية كواقع لا مفر منه، بل إن بعض القياديين السابقين في الأفلان أكدوا أن بوعلام بن حمودة الذي خلف المرحوم مهري على رأس الأفلان تعرض هو الآخر لمؤامر ة علمية قادها أبناء حجار، فقد صعد المنصة معتقدا أن القاعة تزكيه وإذ الأمر متعلق بالصاعد الجديد وقتها علي بن فليس. منذ تلك الأحداث رأت السلطة أنه من المهم البحث عن نمط جديد في التعامل مع الأحزاب السياسية خصوصا من تسعى قيادتها للإفلات من سطوتها، بعد ذلك تسارعت الأحداث السياسية في البلد وأصبحت الانقلابات هي التي تحدث التغيير في أعلى هرم التشكيلات السياسية خصوصا تلك التي يسهل اختراقها بواسطة أشخاص ينقادون إلى ما يعرض عليهم من مغريات وتسهيلات. ورأينا كيف كان من السهل الانقلاب على عبد الله جاب الله وإسقاطه من النهضة لحساب الحبيب آدمي الذي انتهى بها إلى الطريق المسدود قبل يفر بجلده لحياته ومصالحه الخاصة. الأمثلة كثيرة هنا وإن كان آخرها استقالة أحمد أويحيى والمقاومة الشرسة التي يبديها الأمين العام عبد العزيز بلخادم التي تشبه مقاومة بشار الأسد لخصومه. بالمناسبة هنالك أمر يتقاطع فيه قادة جبهة التحرير الوطني، أقصد حزب جبهة التحرير الوطني، فهم ينتهون سريعا مثل نهاية جنرالات الاتحاد السوفياتي سابقا مع استثناءات خاصة ومحدودة جدا. استقالة الأمين العام للتجمع الوطني الديمقراطي وهي التي تذكرنا باستقالة الشاذلي بن جديد في جانفي 1992، كانت أكثر من مفاجأة رغم الحراك والتوتر الذي أحاط بالأرندي منذ مدة، وهو لا يرقى إلى حدة ما يجري في حزب جبهة التحرير الوطني من تجاذب سياسي خطير.. رغم ذلك استقال أويحيى بدلا من بلخادم.. أقصد أن الأمر يتعلق بعبد العزيز أويحيى.. لست أدرى لماذا تحقق السلطة أو جزء منها أو جناح أو طرف محسوب عليها الانتصار تلو الآخر عندما يتعلق الأمر بإسقاط الآخرين، وتحرز الفشل والانكسار كلما واجهت مشكلة لحلها وما أكثر ما فشلت في حله من مشاكل وتوترات اجتماعية.. المشكل السياسية بالنسبة للسلطة هي في الحقيقة حرب على الخصوم السياسيين من الداخل، أي بواسطة الانقلابات والتصحيحيات والتغيير ومختلف الأسماء التي تعتبر في النهاية انقلابا على القوانين وعلى الشرعية، وقد فعلتها في أكثر من مناسبة سياسية دفعتها لعبة التحالفات إلى التخطيط لذلك. الحراك السياسي الحاصل هذه الأيام في بلادنا ليس نتيجة لترتيبات تسعى السلطة لاستباق الزمن بها لكن بفعل ثقافة ترسخت لديها، وهي فعل لا يرقى إلى أن يؤسس للتعددية السياسية حتى لو كانت الطبقة السياسية في مستوى دون تطلعات الرأي العام في البلد، خصوصا أن الجزائر التي فتحت أبواب التعددية السياسية قبل غالبية الدول العربية وحتى بعض دول شرق أوروبا وغالبية الدول الإفريقية وهي التي قطعت شوطا مهما في هذا المجال على الرغم من تخلفها الاقتصادي. ما يثير الشفقة في بلادنا أن تضيع سنوات طويلة في الانقلابات والمؤامرات رغم صحة وجهة نظر بعض الذين يطالبون زعماء أحزابهم بالرحيل، لكن في الحقيقة أننا لم نصل بعد إلى صناعة طبقة سياسية واعية يمكنها ممارسة النشاط السياسي بعيدا عن التمسك بأهداب السلطة والعيش في جلبابها بعيدا عن الشارع والمناضلين والمشاكل الحقيقية للبلد.