مع بدايات حكم الرئيس الأسبق الشاذلي بن جديد، ومع عودة حزب جبهة التحرير الوطني كواجهة لنظام الحكم، بعد تهميش طويل زمن هواري بومدين، أطلق الشاعر الجزائري أزراج عمر صيحة في قصيدة يخاطب فيها الأفلان بقوله: ''أيها الحزب الوحيد·· أيها الحزب العتيد·· تعدد أو تجدد أو تبدد''· تلك القصيدة سبّبت الكثير من المتاعب لصاحبها الذي غادر البلاد سنة 1986 متوجها إلى لندن، قبيل عامين من أحداث الخامس من أكتوبر التي أعقبها دستور 23 فيفري ,1989 وهو الدستور الذي سمح بالتعددية، لكن الأفلان الذي يصفه البعض بالجهاز، لم يتبدد مثلما نادى بذلك الكثير من السياسيين، وعلى رأسهم الرئيس الراحل محمد بوضياف عند عودته إلى البلاد في جانفي 1992 وقال حينها أن الأفلان ''مات في ال .''1962 والأفلان الذي ظل على مدار سنين طويلة حزبا واحدا وحيدا، لا يتعدد ولا يتجدد ويرفض التبدد، وجد نفسه في مأزق تاريخي مع بداية التعددية وظهور حوالي ستين حزبا يريد أن يقتله ليحل محله، سرعان ما اضطر في عهدة الأمين العام الأسبق عبد الحميد مهري للانضمام إلى معارضة ''السلطة الفعلية'' كما كان يسميها عبد الحميد مهري، لكنه رجع إلى بيت الطاعة سنة 1996 مع نجاح أصحاب ''المؤامرة العلمية'' بقيادة بوعلام بن حمودة وعبد القادر حجار في زحزحة مهري من الأمانة العامة للحزب، وعاد الأفلان إلى السلطة بعد هجران أربع سنوات كانت طويلة جدا لحزب ورث الجبهة التي أسست للدولة نفسها، ولم تكن تلك العودة عادية· ومع فشل الكثير من الأحزاب في زحزحة الجهاز القديم من مكانته، تكرس الأفلان كأمر واقع واستطاع أن يتجدد في أحاديته ويتعدد في أحزاب أخرى أحادية النظرة، ورغم أعدادها الكثيرة فهي أحزاب واحدة أحادية، لم تنجح في قتل الأب الذي أصبح يتقوى حتى من حركات المؤامرات العلمية وغير العلمية التي تحدث داخله· وفي كل مرة ينشق عنه بعض المناضلين عندما يتهمون غيرهم بإقصائهم من قوائم الانتخابات ويترشحون تحت عباءات أحزاب أخرى، وسرعان ما يعودون إلى حضن ''الأفلان'' بعد أن أصبحوا أعضاء في مختلف المجالس المنتخبة، وبدا الأمين العام الحالي عبد العزيز بلخادم فرحا بهذه الظاهرة وعلّق عليها قبل سنوات بقوله أن الأفلان بمثابة ''البيت الكبيرة'' في ثقافتنا الشعبية ومعروف في ثقافتنا القول الدارج ''اقصد البيت الكبيرة·· إذا ما تعشيشتش تبات للدفا (الدفء)''، والكثير من المناضلين لا يترددون في العودة إلى الجهاز الأم الذي خرجوا من رحمه، وتبين أن الكثير من الأحزاب التي تريد أن تكون بديلا للجهاز هي في الحقيقة مشروع جهاز بديل للأفلان في ظل غياب ثقافة التعددية في واقعنا السياسي، ويستدل أصحاب هذا الطرح بالقول أن الأفلان يكاد يكون الحزب الوحيد الذي بني بعيدا عن الزعيم الواحد وفي كل مرة يتم فيها التداول بشكل سلمي على أمانته العامة إلا في حالات استثنائية جدا وبقي الكثير من قادته السابقين مناضلين في صفوفه رغم انسحابهم من قيادته، لكن هذا الأمر في حقيقته محزن وفي ظل هذا الوضع المتجدد نبقى نصرخ تلك الصرخة القديمة: تعدد أو تجدد أو تبدد·