متى تفصح الصناديق السحرية عن أسرارها ليطمئن الأحياء.. ويستريح الموتى.. ويكف الأطفال عن الاستفسار؟ خمسون عاما والصندوق المتكتم يرفض الإدلاء بشهادته.. ليعرف الناس ما هو.. وماذا بداخله.. ومن يتداوله.. وأين يخفي مفتاحه؟ يقولون إن عفاريت السلطة تحرس الصندوق.. فلا يجرؤ أحد على الاقتراب منه .. ويقولون أيضا إن الأيدي الخفية تنقل الصندوق من مكان لآخر تحت جنح الظلام.. حفظا له من العين الحاسدة والفضوليين والمتشردين.. واجتنابا لضوء النهار الذي يؤذيه.. فكل الصناديق السوداء قد تتلف وتتبخر وتضيع كنوزها إن رآها الناس.. أو حاولوا لمسها.. أو سطعت عليها الشمس.. ولهذا السبب لا تريد الحكومة أن تفتح الصندوق.. ولا أن تحدد محتواه ومكان إقامته. نحن المواطنين.. لا نعلم شيئا عن عالم الأيدي الخفية التي تتحرك بسرعة البرق .. دون أن نراها أو تخلف وراءها أثرا.. هي أيد غير مرئية.. ولا عناوين لها ولا أسماء.. حتى حمضها النووي غير قابل للقراءة.. ككل الأشياء الأخرى العصية على الفهم في جزائرنا العزيزة. المال في الجزائر صندوق أسود وعالم سحري.. ينجذب إليه كل شيطان مريد.. عالم لا نعرف عنه إلا القليل مما يطفو على السطح.. أو يثيره القضاء الأجنبي.. فمن صندوق التضامن الذي حوى هبات الشعب الجزائري من مال وذهب.. والذي تلقفته اليد الخفية وهربت به إلى مكان مجهول.. إلى صندوق بجاوي والخليل الأكثر حداثة.. مرورا بخزنة الخليفة ومن معه.. إلى مئات وآلاف الحسابات المعتمة التي حوت مسروقات يصعب حصرها وعدها.. تحولت الجزائر إلى بؤرة استقطاب للصوص والسراق والناهبين والمغتصبين للجثة الملقاة في العراء.. قبل أن يفروا بها إلى الأدغال ليأكلوها هنيئا مريئا. ما هذا الذي يحدث؟ نريد أن نعرف؟ نريدهم أن يقولوا لنا: هل الجزائر مشاعة بدائية.. يأخذ منها كل واحد بحسب قوة عضلاته؟ أما من آخر لهذه الفضائح التي تتناسل وتتسع رقعتها لتغمر شرف الجزائر.. دون أن يخجل من يقول: إن السرقات في سوناطراك مسألة فردية.. وكأن السرقات الفردية جنحة بسيطة.. وفعلة يمكن غض الطرف عنها.. وكأنها لا تخدش سمعة البلد.. ولا تطعن في مصداقيته.. ولا تعريه أمام العالم. *** يلازمني سؤال عجيب: لماذا تتولى الفضائح الكبيرة الأسماء الصغيرة؟.. في حين تختفي الديناصورات الضخمة من آكلات المال العام خلف الأجمة.. وتطل علينا من بعيد؟ عندما انفجرت القنبلة الذرية للخليفة.. اكتشف الرأي العام أن اللص كان غرا.. أي شابا لم يجف حليب أمه في فمه.. وعندما تكشفت فضيحة الخليل طفا على السطح “بجاوي الصغير “.. الذي يدير مكتبا في هونغ كونغ.. لينهب الجزائر.. انطلاقا من باريس؟.. أليست المسألة أشبه بالأب الذي يرسل أبناءه الصغار ليسرقوا نيابة عنه.. وعندما يأتون إليه بالمال يقبلهم.. ويصرفهم إلى غرفة نومهم.. ليحلموا بغد أفضل؟ وإلا كيف وجد الخليفة الصغير طريقه وسط العتمة والوحوش الكبيرة إلى كنوز كسرى وقيصر.. فانقلب في لحظة من صيدلي يبيع علبة أسبرين إلى صاحب إمبراطورية لا تغرب عنها شمس الجزائر.. وكيف تسنى لهذا البجاوي الغامض أن يمتد إلينا من وراء المحيط الهندي.. وهو الذي لا يعرف له اسم ولا رسم.. سوى أنه ابن أخ وزير الخارجية الأسبق محمد بجاوي..؟ صحيح أن الصغار عندنا يكبرون في ليلة واحدة.. فتولد أحزاب مكتملة الشوارب.. ويبرز مليارديرات من أكواخ الصفيح ومسالك التهريب.. ويتشكل سياسيون بارزون في دورة انتخابية تمتد يوما واحدا.. وتتطور كائنات صغيرة لتكتسب أحجام الغيلان في دقيقة واحدة.. وهذا في حد ذاته تأسيسا على الحالة الجزائرية المتشبعة بالغرائب والعجائب لا يهم كثيرا.. ما يهم هو: من يقف وراء هذه الصناعة القذرة؟ من يصير هؤلاء الصغار كبارا..ليفتح بأيديهم الصناديق السحرية؟ من الفاعل الأصلي في الجريمة؟ الخليفة في السجن.. لكن من أخذ المليارات المنهوبة؟ وقد يؤتى بالبجاوي غدا.. إن لم يحظ بحماية دولية.. فمن علمه الكلمة السحرية التي فتحت له باب المغارة؟ *** عندما لا نطرح الأسئلة الصحيحة.. نخسر الإجابة الصحيحة.. فمن يستطيع المغامرة بجلده.. ليمد يده إلى جحر “الكوبرا”؟ ! نحن لا ننتظر من الحكومة الكثير.. فقد اعتادت ألا تمنحنا شيئا.. وألا تجيب على أسئلة تبدو غير مخولة للحديث عنها.. والظاهر أنها مسكينة ومستضعفة مثلنا.. فهلا أرتنا جدارتها هذه المرة فقط. نريد أن نرى القضاء يتحرك.. والإعلام يتكلم.. والرأي العام يصرخ بملء فيه.. وعموم المخلصين ينتبهون لما يكاد لهذا البلد.. والخلاصة: متى يوم الخلاص؟