بهاء الدين. م انتقد مثقفون وكتاب وفنانون ومخرجون “هزال وتراجع” أداء الأعمال المسرحية التي تتبارى في منافسة الدورة الثانية للمهرجان الثقافي الوطني للإنتاج المسرحي النسائي بعنابة مقارنة بسابقتها، على خلفية “الارتجالية والاستعجال” اللذين طبعا إنتاج بعض العروض المشاركة. وفتح سهرة أمس الأول، عرض مسرحية “الباهي وبهية” التي أنتجتها جمعية “مسرح نجوم الفن” لولاية سكيكدة، الباب على مصراعيه لنقاش مستفيض حول واقع الأعمال المسرحية التي تتداول على الركح، حيث عرّت تدخلات كتاب ومهتمين بالشأن الثقافي الجزائري، حقيقة الإنتاج المسرحي الذي تتفاخر به تعاونيات وجمعيات “أبدعت في الاغتراف” من المال العام دون حسيب ولا رقيب. واستوقف نص “الباهي وبهية” الكاتب والإعلامي جلال مناد، إذ ندد باحتكار مجموعة مخرجين ومنتجين “مزيفين” للمشهد المسرحي، يتعمدون الجمع دفعة واحدة بين التأليف والتمثيل والإخراج والإنتاج في أعمال لا ترتقي إلى الاحتراف. وتابع المتدخل الذي يرأس جمعية “ترقية الفنون والتراث الثقافي” موجها كلامه لصاحبة العرض “إني لم أستسغ كيف تمكنت من القيام بدور الممثلة والمخرجة والمنتجة والمؤلفة في آن واحد؟”. وواصل متعجبا “من يتولى الإخراج وأنت غارقة في التمثيل؟ ما دام المخرج هو من يفترض أن يشرف على تفاصيل العمل المجسد على الخشبة”. وواجهته سامية سعدي بالقول “أنا لم أبتدع شيئا”، مستشهدة بتجارب سابقة جمع فيها أصحابها بين التمثيل والإخراج والتأليف، واعترفت المتحدثة “أنا لا أتقن الكتابة المسرحية لكن الواقع فرض علينا احترافها مادامت هناك هواية”. وتأسف مناد كثيرا للواقع المرير الذي آل إليه الركح بما سيؤدي لا محالة إلى غياب الذاكرة المسرحية، فهناك خمول وركود أصاب المسرح بسبب غياب العروض الجادة وطغيان الأعمال التقليدية ومحدودة الأفق وتلك التي لا تطمح لأي تغيير أو تطور، فأزمة المسرح تتجلى حسبه في فقدان النص المسرحي في سوق الكتاب الأدبية، حيث لا أثر لنصوص مسرحية تتداول بين القراء، ليست هناك دراسات أو تكوين أو استثمار في هذا المجال، حتى الفنان أصبح باحثا عن الريع لا غير. ولم تتمالك صاحبة دور”بهية” نفسها حين اتهمها المتحدث بممارسة “الخربشة وليس التأليف المسرحي الذي له أصول يحتكم إليها”، وقاطعته حين وصف العرض ب”فارغ المحتوى والمفتقر للإبداع بعدما تضمن مقاطع غنائية صاخبة رقّّع بها النص الفاقد للحبكة والترابط”. أما الكاتبة زهور غربي فقد أثارت “فوضى السينوغرافيا التي لم تنسجم مع تطورات العرض”، كما فشلت في إبراز جهد المؤلف والمخرج والممثلين بصورة لم تتناغم فيها الموسيقى والإضاءة والفكرة مع الأداء ما عكس محاولات فاشلة لم تخرج عن التقليد المألوف بشكل انتزع البسمة من شفاه الجمهور وأخفق في ملامسة الإشكالية المطروحة في الوقت ذاته”. وعلق متدخلون آخرون أن انطلاقة المهرجان أسقطته في سياق عروض الهواة بشكل يتعذر على جمهور “الفن الرابع” التفريق بين الأعمال المحترفة من الهاوية. وعاد الناشط الثقافي جلال مناد ليفتح النار على القائمين على إدارة النقاش الذي يتبع العروض حيث “لا يعقل أن تمنح الكلمة لمن يمتدحون الأعمال المقدمة فيما يصادر رأي المنتقدين للأداء وهذا وحده دليل كاف على أن منظمي المهرجان حريصون فقط على كسب تأييد الحاضرين وتصفيقهم ولا تهمهم النقاشات الجادة والبناءة”، على حد اتهامه. وتكاد أراء العديد من المهتمين الذين حضروا الفعاليات تتقاطع حول اجترار العروض المتنافسة لتجارب سابقة طغت عليها تجارب فاشلة اتخذت من الجسد محورا للعمل المسرحي بغض النظر عن باقي مكونات الفرجة، فقليلة هي العروض التي انطلقت من نص مسرحي رصين يراعي الشرط الجمالي في العرض المسرحي ووحدة الموضوع والحبكة وتطوير الشخصية والحدث. وتستدعي هذه الوضعية -حسب الحضور- تدخلا عاجلا لوزيرة الثقافة ومراجعة السياسة المسرحية المنتهجة والتي كرست لتعاونيات وجمعيات الريع والتهام المال العام دون الرقي بالفن الرابع في الجزائر.