دعنا نتحدث عن المرجعية آنذاك سواء كانت مجسدة في شخص المرحوم أحمد سحنون أو في غيره.. ولكن وجود مرجعيات أخرى إلى جانب احمد سحنون الم يكن عائقا. لقد كانت شخصية الشيخ أحمد سحنون عليه رحمة الله الشخصية الجامعة بين العلم الشرعي والتجربة الفذة والوقار الكبير الذي لا يجرؤ على مخالفته أحد مهما علت منزلته، بل كان الجميع يحرص على طلب وده ومباركته - حتى الشيخ عباسي مدني ممثل الجبهة الإسلامية للإنقاذ كان يحاول استعطاف الشيخ سحنون كما كان يحاول جاهدا استدراجه لتأييد ولو شفهي منه رحمه الله لبعض مواقف الجبهة، لكنه لم يفعل وظل ثابتا على موقفه متمسكا بالرأي الذي يصدر عن الرابطة حتى في أصعب المواقف والظروف...وهذا ما جعلنا نصفه بالمرجعية... أما زعماء الجماعات الإسلامية أو حتى زعيم الجبهة فلم يرتق أحد منهم الى مستوى هذه المرجعية وقد ظل في أحسن الأحوال زعيما على جماعته فقط... هذا وأعترف شخصيا ولا ألزم رأيي أحد أن اللقاءات التي كان يغيب عنها الزعماء كانت أكثر جدية وأكثر فعالية وأكثر إنتاجا وأن أغلب المشاريع إنما أنجزت في غياب الزعماء -س: أين كانت تتم لقاءات الرابطة؟ -ج: في بيت الشيخ أحمد سحنون بمسجد أسامة كل اللقاءات التحضيرية للرابطة كانت في بيته... ففي ظرف ثلاثة أشهر قمنا بعقد أكثر من 20 لقاء... ما بين فيفري ومارس وحتى نهاية أفريل وهي اللقاءات التي تم فيها تحضير القانون الأساسي والنظام الداخلي كما تم قبل ذلك وضع أهداف الرابطة العشرين... وصولا إلى الإعلان عن المكتب الوطني للرابطة وعن هيئة المؤسسين. - س: هلا حدثتنا عن أهداف رابطة الدعوة الإسلامية وكيف تطورت الفكرة من مجرد محاولة للتنسيق بين الجماعات الدعوية من جهة والجبهة الإسلامية للاتقاد من جهة أخرى إلى مشروع إسلامي له أهدافه وله قانونه الأساسي.. وهيئة للمؤسسين وقيادة مستقلة كما ذكرت؟ -ج:حقا لقد كانت رابطة الدعوة الإسلامية تسعى في أول الأمر إلى توحيد الواجهة السياسية للتيار الإسلامي في الجزائر تحت اسم الجبهة الإسلامية للانقاد وبمباركة ودعم الجماعات الدعوية وكل أبناء الصحوة الإسلامية على ان تبقى الرابطة كما أسلفت بمثابة المرجعية الفكرية والدعوية لهده الجبهة.. لكنها فشلت في ذلك رغم تكرار المحاولات. وقد اهتدت في النهاية بعد مشاورات وحوارات معمقة إلى تأسيس مشروع إسلامي دعوي شامل له أهداف واضحة وقانون أساسي يضبط موضوع الهيكلة وقواعد العمل.... ومن هذه الأهداف العشرين التي حددها القانون الأساسي لهذه الرابطة ما يلي.... 1- العمل على التمكين للإسلام ونظامه 2- الحفاظ على وحدة الأمة مقوماتها 3- تذكير الشعب الجزائري المسلم برسالته وتعميق قناعته بكون الحل الإسلامي فريضة شرعية وضرورة حضارية 4- العمل على تقريب الرؤى وتوحيد الجهود والمواقف العامة بين العاملين في الدعوة الإسلامية 5- تحقيق مبدأ الاجتهاد الجماعي في النوازل وتوحيد الفتوى في القضايا العامة 6- إصلاح الاعتقاد وتهذيب الأخلاق وتصحيح العبادات ودعم رسالة السجد 7- الاهتمام بقضايا الأمة والسعي لحلها 8- العمل على إخراج الأمة من التخلف والتبعية في كل نواحي الحياة وتغطية الاحتياج من الكفاءات في مختلف التخصصات 9- ترشيد العمل السياسي وحمايته من الانحراف في الوسائل والغايات 10- كشف مخططات التآمر على الأمة ودينها والتصدي لحملات التغريب والتنصير والعلمانية هذه بعض الأهداف العامة التي أعلنتها رابطة الدعوة الإسلامية وألزمت بها نفسها ومن يريد التحرك معها وليست كلها وأحيل القاري على قانونها الأساسي في مادته الثانية للمزيد من الاطلاع على بقية الأهداف ومن اجل أخذ صورة كافية عن هذه الرابطة التي نحن بصدد الحديث عنها. وتتكون الرابطة من هيئة مركزية بالجزائر العاصمة تضم هيئة للتشاور وهيئة للتسيير ومن شعب تغطي الوطن - يحدد النظام الداخلي للرابطة طريقة اختيار أعضاء الهيئات وكيفية التسيير وكذا العلاقة بين مختلف الهيئات المركزية والقاعدية. كما حددت المادة 22 من هذا القانون الأساسي مهام مجلس الشورى وصلاحياته. أما المادة 23 من نفس هدا القانون فقد وضحت مهام الأمانة التنفيذية الوطنية وكيفية عملها وحدود صلاحياتها. -س:تحدثتم عن اتخاذ الفيس كواجهة وكان ذالك املكم في الرابطة، هل بتركيبتها التي نشأت بها وهل يعني الذوبان في الفيس وليس في الرابطة؟ -ج: لقد كان المشروع الأولي للرابطة الذي بقي مجرد أحلام هو أن يباشر الإسلاميون في الجزائر تجربتهم السياسية الأولى موحدين تحت راية واحدة ومستجمعين لطاقاتهم وكفاءاتهم ووسائلهم ليضعوا ذلك كله في خدمة الهدف الكبير ولا مانع من أن يكون ذلك تحت اسم الجبهة الإسلامية للانقاد على أن تبقى الرابطة هي بمثابة القاعة الإستراتيجية في الخلف وتهتم بالدعوة والتعليم والتكوين وبالعمل الخيري والاجتماعي...ولم يكن موضوع الذوبان في الفيس مطروحا بالمرة بل هو رؤية شاملة ومتكاملة... بل إن موضوع الذوبان لم يكن مطروحا حتى في الرابطة نفسها التي فضلت من أول الأمر أن تبقى إطارا للتشاور والتحاور وأخذ الموقف الموحد أو على الأقل المتفق عليه..وهذا ما جعلني أقول في عدة مناسبات أن مشروع الرابطة هو مشروع الحلم الذي لم يكتمل... ولا زلت على هذه القناعة إلى اليوم بمعنى أنه المشروع الأكثر واقعية وبالتالي الأكثر حظوظا في تحقيق التقدم والمحافظة على المكتسب وتطويره كما أنه يبقى في نظري المشروع الوحيد القادر على مواجهة التحديات الراهنة والمستقبلية. -س: بعد تأسيس الرابطة واعتماد الفيس كحزب سياسي جديد حيث أصبح أمرا واقعا...البعض فضل الالتحاق بالفيس والبعض الآخر فضل تأسيس حزب آخر فيما فضل آخرون عدم الدخول في الفيس وعدم تأسيس حزب آخر.. فالأغلبية داخل النهضة فضلت تأسيس حزب إسلامي آخر وحمس نفس الطرح كان لهم واهتدت في النهاية إلى استحداث حزب إسلامي جديد..غير ان التنظيم الوحيد الذي فضل الالتحاق بالفيس بصفة كلية هو الجزأرة...؟ وسؤالي هو.. في النهضة كيف كان التعامل مع دخول الجزأرة في الفيس؟ -ج:حتى نكون في الصورة.. فالتاريخ يذكر أن أغلب القيادات البارزة من مختلف الجماعات كانت دخلت في الجبهة بهدف الحماية من الداخل والحرص على عدم انحراف المشروع الإسلامي كما أسلفت عن وجهته وعن غاياته...ويمكن أن نؤكد- فيما يخص أفراد النهضة- أن ''علي جديب وببوخمخم''..على سبيل المثال- كانا في تلك الفترة في مجلس الشورى الوطني للنهضة إلى غاية تأسيس الجبهة الإسلامية... حيث كانا من مؤسسيها الأوائل.. وكانا أعضاء أساسيين في مكتبها الوطني وفي مجلس شوراها.. وأنه في هذه المرحلة كان كلا من الأخ حشاني رحمه الله والأخ رابح كبير ما يزالا في المجلس الشورى الوطني لحركة النهضة..ليتم التحاقهما بعد ذلك بالجبهة...وأن هناك قيادات من المرتبة الثانية والثالثة كانوا يعدون بالمئات....قد التحقوا بالفيس متأخرين..يعني قبيل الانتخابات المحلية.. وأن أغلبهم التحقوا بهدف حماية الفيس الذي أصبح أمرا واقعا...وخوفا من أن يتعرضوا لتأثيرات خارجية أخرى.. وأعتقد أن هذا هو المبرر الأساسي لأفراد النهضة ممن ذهبوا إلى الفيس. كما أعتقد أن نفس المبررات تقريبا التي كانت في الطرف الآخر للجزأرة حتى يلتحقوا بالفيس في تلك الفترة. أما قيادات حمس فقد كان لهم موقف آخر منذ البداية. -س:كيف كان موقف حماس؟ -ج: موقف حماس في حدود معلوماتي كان من البداية واضحا وصريحا وهو رفض الدخول في هذه الجبهة...وربما لهذا السبب لم نجد في القيادات الوطنية للجبهة الإسلامية للنقاد عناصر من إطارات حماس ومن الصف الأول على الخصوص...وحتى على مستوى الولايات كان عدد محدود جدا من التحق منهم بالجبهة في البداية الأولى لكن اغلبهم التحق في الانتخابات المحلية ثم في الانتخابات التشريعية الملغاة؟ -س: أنت تقول أن هذا السبب الأساسي ولا تعتقد وجود مطامع لكن في النهاية الأمر المروج هو أنه فيه مطامع؟ -ج:أنا قلت ما اعتقده بكل صراحة وصدق أو على الأقل هذا ما كان يصرح به هؤلاء الإخوان في جلساتهم معنا ولا أنفي إمكانية وجود بعض هده المطامع قديما وحديثا لكنني لا أعتقد أنها السبب الرئيسي في ذلك؟ -س:سمعت شهادة (بغض النظر عن صحتها) أن الشيخ جاب الله أعطى أوامر لكوادره لاختراق الفيس، ما مدى صحة هذا الأمر؟ -ج:هذا غير صحيح ، لأن موقف جاب الله كان رافضا لذهاب القيادات البارزة إلى الفيس لأن ذلك سيفرغ الجماعة، من وجهة نظره في تلك الفترة والظروف... -س:لكن يمكن القول كذلك إن الجماعة حسمت هذا الأمر داخليا بصفة متأخرة جدا... حتى أن أغلب قياداتها وكوادرها كما تفضلت أخذت موقفا من هذا الموضوع دون الرجوع إلى الجماعة. وكيف كان الأمر عند حماس؟ -ج:حماس كانت أقل التنظيمات السياسية التحاقا بالفيس لأن موقف الجماعة كان واضحا منذ البداية بالرفض...وبالتالي لم نجد من القيادات التاريخية و البارزة من التحق بالفيس إلا نادرا و لا أعرف أشخاصا التحقوا في المراحل الأولى، لكن أعرف إطارات من الصف الثاني التحق بعضهم في الانتخابات التشريعية التي صودرت نتائجها. س:أول امتحان للرابطة كان في الانتخابات المحلية في 12 جوان كيف تعاطيتم معها؟ ج: اجتمعت الرابطة بحضور جميع الأطراف بما في ذلك قيادات من الفيس وتناولنا الموضوع من كل الجوانب السياسية والتنظيمية والإجرائية. س: متى بدأ التفكير في هدا الموضوع؟ ج:ابتداء من شهر أبريل حيث كانت الجلسة الأولى... وقد عقدنا ثلاث جلسات بخصوص هذا الموضوع وقد خلصت الرابطة إلى رأي او اقتراح مفاده ان يدخل الإسلاميون هذه الانتخابات بقوائم موحدة وتحت اسم الجبهة الإسلامية للإنقاذ، على أن تتم تكون عملية انتقاء المرشحين ووضع المواصفات من اختصاص هيئة تكونها الرابطة...هذا من جهة، أما من جهة ثانية فقد كان هناك اقتراح يقضي بضرورة اختيار بلديات وولايات نموذجية يقع التركيز عليها بدل الدخول في كافة بلديات القطر... والحجة حينها أن التجربة الإسلامية في هذا المجال ما تزال تفتقد للكثير من المعلومات والمعطيات...الخ. وقد كانت مثل هذه الاقتراحات والمناقشات بحضور ممثلين عن قيادة الفيس في ذلك الوقت...غير أن الشيخ عباسي مدني وفي نهاية هذه الجلسات تحفظ على الإمضاء وقال إن هدا الأمر يرجع إلى مجلس شورى الجبهة الإسلامية للانقاذ والتي كانت في تلك الأثناء تضع اللمسات الأخيرة لقوائمها الانتخابية... وفعلا فقد فضلت هذه الأخيرة الدخول في كل بلديات وولايات القطر وبقوائم تختارها هي وفق الشروط التي وضعتها هيئتها الانتخابية التي أنشئت لهذا الغرض وقد كان هذا أول موقف خارجي تفشل فيه الرابطة رغم أن الفيس والى غاية هدا الموقف ما يزال موجودا داخل الرابطة ويحضر اجتماعاتها بصفة رسمية. - س: قلتم إن عباسي تنصل بشكل غير مباشر من التوقيع على الاتفاق فماذا كان موقف الجزأرة وحماس والنهضة وماذا سيكون موقف عباسي لو حولتم الرابطة الى لجنة مساندة؟ -ج: موقف الجماعات الثلاثة كان في عمومه داعما لهذا الرأي الذي هو في الحقيقة خلاصة توافقية بين الجميع بمن فيهم الحياديون.. لكن الذي تحفظ هو الشيخ عباسي مدني والحجة كالعادة هي ضرورة رجوعه إلى مجلس شورى للفيس، لكن الرد لم يأت إلى الرابطة يومها لا من المجلس الشورى ولا من غيره... يتبع يواصل جرافة الحديث عن تاريخ رابطة الدعوة الإسلامية وبحضور قوي للفيس الذي أسس لمنطق ولادة الأمة ربتها في العمل الإسلامي، وفي هذا الجزء، يكشف جرافة أن حركة مجتمع السلم كانت أكثر الجماعات ثباتا أمام إغراءات الالتحاق بالحزب المحل، لسبب بسيط، يقول جرافة، بأنه يتعلق بالحزم والحسم في الأمر، إضافة إلى وضوح الرؤية لدى جماعة الراحل محفوظ نحناح.