هل كانت هناك مساعي باتجاه السلطة آنذاك لتهدئة الأوضاع في أحداث جوان، خاصة وأنه يقال إن وفدا من الرابطة يتزعمه آيت علجت على ما اذكر وجاب الله حاول الاتصال بحمروش، هل تم اللقاء ولماذا؟ كانت هناك مساعي عديدة مع رئاسة الجمهورية ومع الجبهة الإسلامية للانقاذ، غير أن هذه الأخيرة اعتذرت عن مقابلة وفد الرابطة بحجة وجود قيادة الجبهة حينها في اجتماع مغلق لدراسة المستجدات.. على الأقل هذا ما قيل لنا في ذلك الوقت.. أما السيد مولود حمروش الذي كان يومها رئيسا للحكومة فلا علم لي بمقابلته لأي وفد من الرابطة، غير أنني أستطيع أن أؤكد أن مكتب الرابطة لم يبعث باي وفد رسمي لمقابلة السيد مولود حمروش.. كما استطيع أن أؤكد أنه كانت هناك مساعي أخرى، بعضها من قبل النهضة وبعضها الآخر من طرف حماس باعتبارهما حزبان سياسيان معتمدان.. لكنها كلها باءت بالفشل في الوصول إلى أية نتيجة تذكر. أعطنا موقف كل فصيل من الإضراب كل الجماعات الثلاث (النهضة، حمس، الجزأرة،) ، بالإضافة إلى الحياديين كانوا على موقف واحد وهو التهدئة والتحذير من الانزلاق..وهو نفس موقف الرابطة التي لم تتبنى هذا الإضراب رسميا ولم تشارك فيه.. وقد أصدرت بيانا يدعو إلى التهدئة ويحذر من الانزلاقات كما أسلفنا.. لو تعود عجلة الزمان إلى الوراء، هل كنتم ستتعاملون مع الفيس بهذا المنطق وبهذه السياسة؟ في رأيي موقف الرابطة كان باردا.. باتجاه مواقف الفيس ولم يكن حاسما ولا حازما حتى في القضايا التي كانت محل إجماع داخل الرابطة - طبعا ما عدا ممثلي الفيس- ولم يكن موقفا رادعا. معناه أنكم نادمين على عدم الأخذ على يدي الفيس.. لا تقول نادمين لكن أقول إننا سجلنا أخطاء وتجاوزات... وقد توضح اليوم لدى الجميع أنه لوكانت الرابطة حازمة في كل ما كانت مقتنعة به اتجاه مختلف تلك الأحداث الوطنية.. وكذلك في علاقتها مع الفيس أو مع الأحزاب الإسلامية الأخرى لأمكننا تجنب الكثير من الانزلاقات. يا شيخ عندما تقول إن الفيس لم يكن يستمع إلى الرابطة فإنك لا تفشي سرا هذه حقيقة.. ولقد ذكر بعض الباحثين في تاريخ جمعية العلماء المسلمين الجزائريين أنه من أكبر أخطائها أن مواقفها لم تكن منسجمة مع قناعاتها ولعله نفس الشيء بالنسبة للرابطة.. لا، الرابطة كانت منسجمة مع مواقفها وقناعاتها ولم تغير ذلك على الإطلاق.. لكن عيبها كما قلت وأكرر أنها لم تكن حازمة ولا صارمة مع الفيس حتى في القضايا المصيرية ذات البعد المتعدي. نعود الآن إلى قضية المعسكرات...ما هو موقف كل جماعة وما هو الموقف الرسمي للرابطة إن كان هناك موقف...وهل توقعتم أنه بمثابة خطوة أولى للعمل المسلح؟ كانت تصلنا معلومات حول بعض هذه المسائل وكنا نقدر خطورتها وأبعادها. كما كنا على علم بوجود أطراف من داخل الفيس كانت تدفع بقوة نحو هذا الاتجاه.. حتى أن الشيخ عباسي مدني نفسه اعترف لي في إحدى مقابلاتي له في تلك الأيام بالقول.. لقد أصبحت أسيرا.. ولا استطيع فعل ما أريد، ولربما كان يقصد وجود لوبي من داخل الفيس أو أمر آخر.. وقد كان هذا الكلام قبيل تجمع قاعة حرشة بالعاصمة.. وكان موقف الرابطة في جميع جلساتها هو التحذير من الانزلاقات ومن المواجهات لأن ذلك لا يخدم أحدا لا الجبهة ولا السلطة.. كان هذا هو رأي الرابطة وموقفها رغم أن الاجتماعات العامة بحضور الفيس قد توقفت بعد الإضراب.. أما موقف الجماعات أو الأحزاب التي انبثقت عنها فقد كان واضحا ومصرحا به في وقته وخلاصته رفض مثل تلك الأساليب والوسائل لما لها من تأثيرات على مآلات الأمور. نفهم من كلامك هذا أنه كانت لديكم معطيات ومعلومات حول مجمل هذه المسائل التي قد تؤدي إلى انزلا قات؟ نعم قلت إنه كانت محاولات من داخل الجبهة تدفع نحو ذلك... والأدلة موجودة.. وهؤلاء الرجال مازالوا موجودين... وبعضهم أعلن عن ذلك في رسائل مكتوبة.. كما كانت هناك محاولات تدفع نحو هذا المنحدر الخطير من خارج الفيس وبعضها كان يحسب على دوائر في السلطة حينها. وقد حذرنا من هذا وذاك. برأيكم من يتحمل مسؤولية تلك الانزلاقات أقول في هذا المجال إن مثل هذه الأخطاء السياسية كانت من طرف الفيس أوبعض جيوبه.. كما كانت من طرف السلطة حينها... وإن كلا الطرفين يتحملان قسطا من المسؤولية.. لكن الأمانة والموضوعية تقتضي أن نقول إن السلطة السياسيةحينها تتحمل القسط الأكبر لأنها أولا تمثل الدولة والشعب ولأن لديها الوسائل الكفيلة بمنع ذلك الانزلاق. جرى حديث عن محاولة التنسيق بين الأحزاب أو التحالف أو الدخول بقوائم موحدة أو مشتركة قبل الانتخابات التشريعية وبالجملة كان هناك حديث عن التحالف وغيرها، ماذا كان موقف الرابطة ومن عطّل مساعي استدراك فشل تجربة الانتخابات المحلية؟ في الانتخابات المحلية لجوان 1990م كان الحديث يدور حول الدخول بقوائم موحدة ومختارة.. مع اختيار بلديات نمودجية ومجالس ولائية تخصص لها أفضل الكفاءات الموجودة... لكن هذا المقترح قوبل بالرفض من قبل الجبهة حيث فضلت الدخول في كافة بلديات القطر وكافة المجالس الولائية.. وتحت شعار وبرنامج الجبهة.. ولم يكن موضوع التحالف مطروحا لسبب بسيط هو أن الأحزاب الإسلامية مثل النهضة وحماس لم تكونا موجودتين. أما في الانتخابات التشريعية لديسمبر1991م فقد طرحت فكرة التحالف حقا ولكن ليس باسم الرابطة... وقد كان الجواب حينها بالكلمة المعروفة لا حلف في الإسلام، لكن الرابطة لم تتدخل بشكل رسمي.. ودعت الجميع إلى الابتعاد عن كل ما من شأنه أن يؤجج الصراع أو يدفع للاختلاف المذموم. ما هو موقف الرابطة من وقف المسار الانتخابي؟ قلت إن الرابطة لم تجتمع بشكل رسمي ابتداء من الإضراب المفتوح الذي دعت إليه الجبهة الإسلامية للانقاد بالشكل الذي اشرنا إليه وما حدث بعده من انزلاقات خطيرة.. ومن ثم فإن الجواب واضح حول ذلك السؤال..وهو أن الرابطة لم تجتمع ولم تصدر بيانا رسميا خاصا بها... لكن الاتصالات مع الشيخ أحمد سحنون لم تنقطع طوال تلك الأزمة وتداعياتها...وعلى العموم فقد كان موافقا على البيان الذي صدر يومها باسم حركة النهضة الإسلامية والذي دعا إلى تشكيل جبهة وطنية للدفاع عن اختيار الشعب. بعد وقف المسار الانتخابي، كانت هناك محاولة لتأسيس فضاء جديد هو التاج أي التضامن الإسلامي الجزائري بقيادة أحمد سحنون، بن خدة وبن محمد، هل هذا الفضاء كان امتدادا للرابطة أو انقلابا عليها؟ هذا غير صحيح.. لقد كنت أحد الحاضرين في هذه الجلسة إلى جانب الشيخ سحنون وبن خدة عليهما رحمة الله وبعض رجالات الثورة التحريرية.. غير أن الحديث لم يتطرق على الإطلاق إلى تأسيس تنظيم جديد مهما كان اسمه أو هدفه.. بل اكتفينا بتباحث سبل تطويق تلك الأزمة أو التخفيف من آثارها.. وقد كانت تلك المبادرة من طرف السيد يوسف بن خدة ومعه شخصيتان تاريخيتان نسيت اسمهما.. أما الشيخ أحمد سحنون فأستطيع أن أجزم أنه لم يترأس أية لجنة أو مبادرة خارج الرابطة. برأيكم لماذا تعطل مسار الرابطة وما هي النتائج المستخلصة؟ لا أدعي أنني املك الحقيقة حول هذا الموضوع.. ولا حتى المعلومات التي تحيط بكافة الأسباب.. رغم أنني لم أتغيب ولو عن جلسة واحدة من جلساتها الرسمية منذ الأيام الأولى للتأسيس.. غير أنني أقول باختصار شديد إن هناك أسبابا داخلية وأخرى خارجية.. ولا أريد أن أتحدث كثيرا عن الأسباب الخارجية لأن جلها أصبح معروفا لدى كل متتبع للصحوة الإسلامية ولمسارات التيار الإسلامي عموما.. لكنني أريد أن أقف قليلا على بعض الأسباب الداخلية فأذكر منها.. الزعامة والحب المفرط للذات سواء كانت هذه الذات متمثلة في شخص الزعيم أو التنظيم.. فكل تنظيم كان يريد أن يكون هو المحور وهو القاطرة التي تجر غيرها.. كما كان يرى نفسه أحق بالملك وأحق بالزعامة وكل من يريد أن ينافسه في ذلك فردا كان أو تنظيما يتحول إلى خصم إن لم نقل إلى عدو... ومعلوم ان الرابطة كانت تجمع داخل هيئتها عدة زعماء وعدة تنظيمات.. وإن كل تنظيم ولو بأشكال متفاوتة كان يريد أن يستقوي بالرابطة نظرا لسمعتها وتأثيرها في الرأي العام... لكن بعد مرور الوقت تشكل تيار من داخل الرابطة نفسها اقتنع فعلا بالدور الرسالي لهذه الرابطة كما اقتنع بأنه بإمكانها أن تقوم بدور حضاري رائد لو فتحت الطريق أمامها لتجسيد أهدافها على أرض الواقع.. لكن أغلب الزعماء أصبحوا يخشون أن تتحول إلى تنظيم جامع بديل. أما الدروس المستخلصة من تلك التجربة فأتركها للقارئ وللباحث الموضوعي النزيه خاصة من أبناء الجيل الجديد الذي لم تتأثر شخصيته بلوثة الولاء المغشوش للزعيم أو تقديس الأشخاص والتنظيمات.. لأن التحديات المعاصرة قد جعلت أصحاب العقول السليمة تدرك أن المعركة المستقبلية تتطلب جهودا أكبر بكثير