ليس بعد اليوم، لافول (مصري) ولا لوبيا ولا عدس ولاحمص فكله دخل خانة ''متعب''، اللاعب المصري الذي وهن مثلنا وتساوينا في المحن! هكذا قرّر التجار عندنا في غبطة الاحتفال بمعاك ''يا الخضراء'' بمجرد أن سمعوا بأن الحكومة زادت في الحد الأدنى للأجور... فهل يكون التجار (ومن معهم) الاستثناء الوحيد من بين كل السكارى ''بالكورة''؟! قفة رمضان؟ ! كل القرارات التي تصدرها الحكومة تحتاج إلى قرارات أخرى تفسرها، من قرارات العفو عن قائمة المسجونين الذين يستفيدون بواسطة مراسيم رئاسية في كل عيد وحتى قرارات العفو عن الإرهابيين التائبين وانتهاء بقرارات الإعفاءات والزيادات (في مصروف الجيب)! وهكذا خرج قرار رفع الحد الأدنى للأجور المكنى اختصارا بالفرنسية ''اسميف'' ليزيد البل في الدقيق وينشف الريق، عند البعض على الأقل ممن يتصورون بأنه قد جاءهم مكسب من بعيد بفضل بركة سيدي السعيد ومن معه، سمتها عمتنا لويزة قفة رمضان! و''السميف'' الذي قدّروه لنا تقديرا بثلاثة آلاف دج على أساس لم يفرقوه لنا كما هو مطلوب باسم الشفافية، لأننا كنا نطلب على الأقل أن يكون وفق الزيادات في سعر سيدي الكبش الذي ارتفع هذا العام بخمسة آلاف دج عن العام الذي فات.. هذا ''السميف'' طرح خلافات بين جماعة المسؤولين في فهمه مثل طرح نفس الغموض عند المستفيدين والنقابيين وربما بين الذين طرحوه... خاصة أن القرار ''الشجاع'' ورد كما يفهم من السياق العام والخاص لمواجهة أفواج الجياع المحتملين ممن يتخرجون على أيدي التجار في مدارس ''البزنسة وبيع القرد والضحك على شاريه''! فإذا كان كل هؤلاء المستفيدين بقدر ما من الزيادات في الحد الأدني للأجور قد اختلفوا في أمر التقدير وفي نسبها، إلا أن المتربصين بها من طلوع الفجر من حزب البقول والفواكه والخضر فاقوا للأمر. فقد بان لهم بما لايدع للشك، أن الكل مستفيد من العامل الضعيف الأجر الذي سيحصل على ''كوطة'' واحدة بثلاثة آلاف دج، إلى العامل الذي ستتضاعف عنده 10 مرات، على اعتبار أن أجور هؤلاء تحسب مضروبة (كم مرة) في السميف! ولهذا استبقوا للأمر، وقرروا باسم ''الوطنية'' وامعاك ياالخضراء'' إشعال النّار في الأسعار بنفس القدر الذي زادوه فيه، حتى وإن لم تحصل الزيادة بعده في الواقع والملموس، ولكنهم يكونون قد استفادوا من سياسة الضربات الاستباقية التي تقوم بها أمريكا في ضم الدول العربية والإسلامية ضمة (لاتشبع منها أبدا)، فضربوا ضربتهم في السوق واختبأوا وراء حجة ارتفاع الأسعار في الأسواق الدولية... بعد أن صارت الحجة الأساسية عندهم؟ ويمكنكم الآن أن تتصوروا قسمة هؤلاء بمبلغ السميف على النحو الآتي: صاحب الفول والحمص والعدس والبقول الجافة لهم الثلث من المبلغ (إن هو وصل أو لم يصل) وصاحب (اللحوم والجاج) يزيدون أقل بقليل، لأنهم مثل باندية الإسمنت ضربوا ضربتهم ومازلوا منذ قرون وهم يضحكون والباقون من أصحاب الفواكه والنخل والزيتون والليمون فلهم ماتبقى من الزيادات وإن أمكن يعرجون مع أصحاب السكر والزيت على الأجر المعلوم بكامله فليتفون حوله وفق مقوله سقط من الضم فوقع في الكم (بضم الكاف)، فمن هم المستفيدون في النّهاية من رفع الحد الأدنى للأجور؟ الجواب القاطع أنهم التجار وأصحاب الخضر الذين يسقط عندهم الدينار في نهاية الأمر، ولايمر عند المستفيدين منه من العمال إلا كمرور الكرام... فيقرأون عليه أي الدينار السلام وبعض الآيات من القرآن على شاكلة ''يوم تكوى بها جباههم'' يقصد ''الصّوارد''! كل الفول!! .. وعلى ذكر الفول، فإن الصحن منه مشهور عند المصريين من الزمن القديم إلى اليوم مثله مثل الثوم والبصل، فأكله يساعد الفرعنة! والفرعنة تؤدي إلى الاستعلاء! والاستعلاء ضلال وغوى ! والمهم في سياق التاريخ الطويل للفول (المصري) وليس السوداني لأنه إذا نسب لأهل السودان صار كاوكاو، فإن حكاية قديمة تقول إن حاكم مصر أنذر داي الجزائر حسين بأن يأخذ حذره من الفرنسيين الذين سيحتلون ولايته بعد حين، فما كان من الداي صاحب المروحة الشهيرة إلا أن بعث له يقول ''روح كل الفول''! والمهم أن الداي الذي حدث له ماحدث لملوك بني الأحمر في قرطبة واشبيلية، مر على مصر في طريق عودته للأستانة، أي اسطنبول، فهرع إليه المصريون وقدموا له طبق فول! هذه القصّة جالت ببالي وأن أتأمل كيف غيّر العناد موقعه (مثلما غيّر الإرهاب موقعه مع رضا مالك طيب الله ذكره بعد أن صار في قبره الدنيوي) والأكيد أن الفول (المصري) يتحمل المسؤولية الكاملة عن هذا العناد الذي أدى بهم وأدى بنا الى الواد... فكما أن الحكام هناك استفادوا من فش غيظ المحكومين في غيرهم بتصدير الأزمات كما تتبادل الحكومات الاتهامات فيما بينها، فإن الحكام عندنا لم يكونوا أقل استفادة منهم بالذات، في حين أن ثعالب التجار ممن يتحينون الفرص في كل الأوقات فوجدوا في الأمر مايسمح لهم بالتحرك في ضوء النهار وعلى المباشر، وليس في غياهب الليل وفي الصحاري! فإذا كانت الدولة تخيفهم، فقد ذهب الخوف، لأنها دولتهم والحكومة حكومتهم والوزير منهم والمفتش صاحبهم... وفوق هذا فإن المستهكلين مثل ''ذبان'' وادي الحراش أو أغنام الجلفة••• تأتمر بأوامر الكلب الراعي دون أن يكلف الراعي نفسه الوقوف أحيانا! فهل تعرفون تاجرا في العالم يجد ''أعقل'' من المستهلك الجزائري لايمس البضاعة، ولايسأل عن السعر ولا عن صحة الوزن... ويدفع ويمر؟ وفي معظم الأحيان يشكر؟! ..''صخشيا'' لم أر هذا النوع من المستهلكين إلا في ربوع الجزائر يمارسها الخضار والتاجر والوسيط في الواجهة والمخفي وكل مايحدثه لايتجاوز التذمر على أمل أن يتحسّن الوضع بتحسن الأجر، فمن أين للمستهلك بكل هذه الأمور التي يطلبها التاجر عادة بغير وجه حق؟ بحساب الميزانية السنوية لكل قطاع، جاءت مثلا وزارة المجاهدين في المرتبة الرابعة بعد الدفاع والتربية والداخلية، وفسر القائمون على ذلك بأن هذه المرتبة المشرفة لوزارة خدماتية لاتنتج شيئا ملموسا، وفيما مايقال عن المستفيدين منها أنها جاءت بعد رفع منح أعضائها! وتصوروا الآن مثلا هيئة وطنية كبرى عندنا مئات الآلاف من الأعضاء يتقاضون أجورا ضخمة دون تقديم جهد حقيقي، هل يعجزهم أن ينفقوا دون أن يسألوا عن الأسعار، خاصة أنهم مع عدد آخر من المستفيدين قلبوا الآية، فأصحبت الدولة فقيرة وعاد الشعب (بعضه غنيا) كما يعترف أويحيى وزيرنا الأول على الأقل فيما يتعلق بالفكرة الأولى! أنت تشخر ... أنت مريض!! منذ أيام فقط، طالبت الجمعية الجزائرية للأمراض الصدرية بإدراج الشخير كمرض يجب التكفل به، وقالت إن نصف الرجال عرضة له، مما يهددهم بسكتة قلبية مضاعفة، خاصة أن نصف المتسوقين رجال، وأكثر من 80% من مناصري الكرة من الخضر وحتى باقي الألوان في الفرق المحلية! والمثير في الموضوع الذي عرض مشكلة النوع التي يعاني منها نصف سكان العالم، كما يؤكده المختصون، أن هؤلاء يطالبون بإدراجه كمرض من الأمراض، حتى تتكفل به الحكومة! ورغم أن الاعتراف به كمرض مشكلة كبيرة، لأن كل مريض بشخير تلزمه شهادة ''عينية'' تثبت بأنه بالفعل يشخر، فإن الفكرة في حد ذاتها تطرح مسألة الشخير العام الذي يعاني منه المجتمع... فلولا الجلدة المنفوخة في الأيام الأخيرة التي أشعلت فتيل الحرب بين البدين، وحولت الخلق الى محللين كرويين وسياسيين إستراتيجيين، لقلنا إن البلاد برمتها تشخر، وبالتالي فهي بالمفهوم الطبي مريضة ويجب مداواتها! والمهم في هذه الحالة التي أوصلتنا إليها الكرة أنها حولت الكثير منا إلى ثمالى وسكارى لحدّ أن الواحد يبيت وهو جوعان وظمأن وعريان، على أمل أن تكون هذه الجلدة منقذته، والاستثناء الوحيد دائما في مثل هذا التنويم المغناطيسي والشخير العام يأتي من التجار الذين يغتنمون الفرصة لخلط الخضار مع ''الخضرا'' والطماطم مع العلم ولحم الضأن مع نحبك ياوطني وليس كمثلك واحد... ولا حتى مستهلك... نكلح له وهو غارق في الضحك! فهل هذا بسبب آخر لكي نمدح أنفسنا بأننا أحسن شعب في العالم في التصفيق للكرة وفي السوق ''أيضا'' ولاتحزن ياولدي كما كتب الداعية عائض القرني، فاليوم ''كورة وغدا ربما رحلة لانغولا أو جنوب إفريقيا... ونم قرير العين فالمستقبل (مضمون)!!