هناك إرادة سياسية كبيرة واضحة في الجزائر تريد تطوير العمل الثقافي، ويقف على رأس هذه الإرادة العليا القاضي الأول في البلد رئيس الجمهورية· لقد أدركت القيادة السياسية في بلادنا أن لا تنمية مستدامة دون ثقافة جادة، انطلاقا من ذلك فقد ضاعفت الدولة الجزائرية ميزانية قطاع الثقافة بمئات المرات على ما كانت عليه قبل سنة .2000 وأعتقد أن الثقافة من حيث أنها استثمار بعيد المدى في الإنسان والقيم الخالدة التي تصنع الفرد وتنتج المواطنة، تحتاج إلى إمكانيات مادية، لكني وفي الوقت نفسه، أريد القول بأن المال وحده لا يكفي لصناعة ثقافة جادة وقادرة بدورها على صناعة إنسان الغد· فالثقافة تحتاج أولا وقبل كل شيء إلى حسن التدبير مْىفن-ْىًُّفَّ مج، وحسن التدبير هذا لن يكون إلا إذا ارتكز على سياسة قطاعية واضحة واستراتيجية تربط الثقافة بالقطاعات الأخرى كالتعليم بكل مراحله والعمران البشري والهيكلي·لا أحد ينكر ما تحقق في مجال التنشيط الثقافي في بلادنا خلال المرحلة السابقة، وهو أمر كان يجب القيام به لظروف عرفتها الفضاءات الثقافية في الجزائر، لكني أعتقد بأن الجزائر الثقافية المراهن عليها تحتاج، موازاة مع هذا التنشيط، إلى تأسيس وتشييد مؤسسات قادرة على صناعة الثقافة الجادة وفي الوقت نفسه؛ قادرة على جمع شمل المثقفين· فالجزائر التي أصبحت بلدا بأزيد من مائتي مدينة بالمفهوم الدولي الديموغرافي والهيكلي للمدينة، هذه الجزائر تحتاج في المستعجل إلى دور للثقافة وإلى مسارح وقاعات السينما ومكتبات و''كونسرفاتوارات''، وبدورها تحتاج هذه المؤسسات، كي لا تسقط في الإهمال والابتذال، إلى مسطرة من القوانين التي تحميها وتحترمها من الرداءة والابتذال، ويحتاج القيمون عليها إلى تأهيل مستمر يمكنهم ومؤسساتهم من اللحاق بأسطورة عجلة التطور التكنولوجي في إدارة الشأن الثقافي بطريقة معاصرة وأصيلة· أعتقد أن الثقافة المستقبلية في الجزائر، تلك التي يراهن عليها المثقفون والمواطنون، تتطلب من حيث الإنجاز والتحقيق، وضع خارطة طريق واضحة المعالم والمراحل يعرف المثقف والمواطن بموجبها ما تحقق وما ينتظر تحقيقه وما هو مسطر على المدى القريب والبعيد· أتصور أيضا بأن الجزائر الثقافية المستقبلية، تلك التي يراهن عليها المثقفون بكل حساسياتهم الفكرية واللغوية والإبداعية، عليها التخلص النهائي من ثقل كثير من الأنشطة التي لا تقدم كبير شأن للثقافة، بل على العكس من ذلك·· إنها في كثير من المرات تسيء لصورة الثقافي والثقافة والمثقف وتبلع المال كثيرا دون كبير مردود ثقافي··علينا اليوم وغدا؛ الانتقال بالعمل الثقافي إلى الجودة والنوعية بعيدا عن الكمية·· أن نختار مجموعة من الأنشطة الفاعلة في التراكم وفي البقاء ونوزعها على جميع مناطق الجزائر العميقة بشكل دوري، فالثقافة ليست الجزائر العاصمة· وأعتقد أيضا بأن الثقافة المستقبلية في الجزائر، كما أراها وأتصورها، عليها الانتقال من ''باب'' الإنفاق فقط إلى باب ''اقتصاد الثقافة'' فالثقافة استثمار اقتصادي حقيقي ومحقق في الكتاب والمسرح والسينما والفن التشكيلي والموسيقى· صحيح أن على الدولة مرافقة تطوير هذه القطاعات بالدعم؛ ولكن هذه المرافقة يجب أن يرافقها بالمقابل تصاعد في اقتصاد القطاع وإلا ظلت الثقافة عالة باستمرار·· علينا الخروج من دائرة الشكوى على دائرة الإبداع والمنافسة الاقتصادية التي تظهر في الكتاب وعلى شباك التذاكر في المسرح والسينما والحفلات الموسيقية· لا يمكنني أن أتصور مسرحا نقول عنه إنه حصد الجوائز العربية أو الدولية ولا نعرف ما سر شباك التذاكر الذي تمر فيه الريح؟ مسرح نكيل له المدائح ولا يستطيع شباكه إطعام مائة عامل فيه أو أقل؟ لا أستطيع أن أفهم كيف يمكن القول بأن لنا كتابا كبارا في صورة النجوم ولا يحقق الكتاب أتعاب الناشر والمبدع على السواء؟ ولا يمكنني تصور حفلات غنائية للشاب خالد أو وردة الجزائرية أو مرسيل خليفة على حساب خزينة الدولة دون شباك، وهي الأسماء التي تمثل سوقا وبورصة هامة ووازنة عند جيراننا وغير جيراننا؟·· أنا لا أشكك هنا في مبدعينا أو في قرائنا؛ ولكن أتساءل ''ما هو الغائب عن شأننا الثقافي؟''·· في رأيي الخاص، هو حسن التدبير الذي يقضي وحده على الاتكالية ويجعل الثقافة داخل ''الميكانزمات'' الجديدة التي ترفعها من دائرة الشأن المعوق إلى دائرة التنمية الشاملة والمستدامة·عام سعيد للثقافة والمثقفين·· وعام أسعد للقارئ وللمواطن الذي ينتظر منا أكثر وأكثر، وهنيئا 2010 سنة لكل جنود الثقافة الجزائرية في مؤسسات الدولة وفي جميع المواقع التي منها يعملون من أجل نحت صورة جديدة لثقافة سامقة كالجزائر ·