اتخذه الشباب فسحة للترويح عن النفس، قبل أن يتجذر في السلوك كفرصة للاحتفال خارج التقاليد والأعراف الاجتماعية والطقوس الدينية في بلد يدين بالإسلام ومادة دستوره الثانية دليل واضح على ذلك. واتخذه ناشطو الفرق الدينية مطية لزرع الشك والفرقة بين الناس بإصدار فتاوى أخلطت، رغم يقظة الضمير الجماعي الوطني، على العامة الفقه النير للدين الحنيف في ماهو مباح وما لايجوز. واتخده الانتهازييون من تجار الفزع والترويع وعبدة الدينار والدرهم مناسبة لتحقيق أرقام خيالية يستثمرونها في مثل هذه المناسبة من كل عام لجلب آخر ما تنتجه صناعة المفرقعات الصينية. والفرق بين الصينيين والمسلمين، أن الأولين أحسنوا تلوين سماء دنياهم بما يسر الناظرين، في حين تستعمل البلاد الإسلام زينة المفرقعات لصرف أموال طائلة في ما لا ينفع الناس لا دنيا ولا دين. أما في الجزائر فتلك الطامة الكبرى، فالحديث عن المولد الشريف عندنا أصبح له مرادفات مثل زسكودس، سدوبل كانوس وغيرها من الألعاب النارية التي أصبحت وبالا على الأولياء ووزرا على السلطات العمومية وجراحا يدمى لها الجبين. فتجار النار لا يتورعون عن جلب المواد المتفجرة على مرأى ومسمع السلطات. مواد أصبح استعمالها نقمة على المجتمع وعبئا على هيئات رسمية مثل الصحة والداخلية والحماية المدنية، لا لشيء سوى أن ضررها أكبر من منافعها التي اختلف حولها الفقهاء . فالاحتفال بالمولد النبوي الشريف بالشكل الذي أصبح شائعا بين الجزائريين اليوم حوّل الاحتفالية بالرسالة المحمدية من أسمى معانيها إلى مجرد سانحة للمرح واللهو والتهريج المضر ذو توابع وانعكاسات وخيمة على سلامة الأفراد والجماعات. فعلاوة على الضجيج السمعي الذي تثيره أصوات المفرقعات بشوارع المدن الآهلة بالسكان والشوارع التي تعج بالمارة، فإن الطيش والإسراف اللذان بلغا مداهما في السنوات الأخيرة ألحقا أضرارا جمة بالأفراد والمجموعة الوطنية. إذ عرفت المدن حرائق خرّبت بيوتا وأتلفت متاجر.ما تسببت في جرح أعداد من المواطنين، منهم من فقد بصره، ومنهم من صمّ ومنهم من بترت أصابعه وهو يلعب بالمفرقعات أو يحاول رميها على غيره من ذويه أو جيرانه أو عابري السبيل لتتحول أسمى ذكرى إلى مآتم في بيوت المسلمين، جراء حوادث تسبب فيها الحمقى والجشعين.إذا كان لزاما على مصالح الجمارك التي يقع على عاتقها مسؤولية حجز سلعة الموت فمسؤولية وزارتي التجارة والداخلية مضاعفة الحذر والحيطة لحظر هذه التجارة التي وجدت رواجا كبيرا في الجزائر وطغت طقوسها على ثقافة الانتماء الحضاري وإذكاء الحس المدني.كما لوزارة الشؤون الدينية وزر غياب أو تغييب البعد الحضاري للاحتفال بالذكرى على منابر المساجد التي لا يؤمها جمهور المسلمين. لأنه على غفلة من روح المسؤولية، سهو المسؤولين والإرشاد الذكي، طغت طقوس النار على جنة الحياة المطمئنة والهادئة. وفي انتظار إحياء أنبل ذكرى على الوجه المطلوب ليس بوسع المرء سوى أن يسأل بأي حال عدت يا مولد؟.