قوة الدول الكبرى في المرحلة الراهنة أصبحت تقاس بمدى قدرتها على اكتساب وتسويق قوة الصورة والكلمة والصوت، والتي تمثل أحد أعمدة قوة الدبلوماسية الناعمة، وهو ما يبدو واضحا في مرحلة التحولات العالمية الأخيرة حيث تتنافس الدول التي تريد أن تكسب المزيد من الهيمنة والسيطرة على عقول وقلوب الآخرين، منافسة شديدة تشهدها الساحة العربية بين مجموعة من الفضائيات تخطط لاحتكار الفضاء الإعلامي العربي، حيث تتنافس فيه قناة الحرة الأمريكية إلى جانب قناة روسيا اليوم، وقناة فرنسا 24 الحديثة إلى جانب ''البي.بي.سي'' البريطانية العريقة، وقناة دوتشي فيلي الألمانية وغيرها من القنوات، التي تركز برامجها الإعلامية المتنوعة قصد توجيه العقول وصنع إدراك الرأي العام والنخب في العالم العربي بما يخدم مصالح تلك الدول، بتصدير قيم وتراث تلك الدول، والقاسم المشترك تقريبا بين هذه القنوات الفضائية أن قاعدتها الأساسية انطلقت من الإذاعات. ومقابل هذه القنوات الغربية هناك محاولات من بعض الدول العربية والإسلامية تسعى بدورها لتصنع الرأي العام العربي بما يخدم مصالحها الخارجية مثل الجزيرة التي أعطت لدولة قطر ثقلا ودفعا دبلوماسيا في تسوية بعض النزاعات الإقليمية، أو قناة العربية السعودية ومجموعة النيل الإخبارية المصرية إلى جانب قناة العالم الإيرانية وقناة ميدي 1 الفرنكو مغربية. وفي خضم هذه المنافسة الإعلامية الغربية والعربية تبرز إذاعة الجزائر الدولية في ذكراها الثانية (19 مارس 2007) كتجربة تحاول التكيف مع هذه التحديات والموجات الإعلامية التي تحاول أن تصنع الرأي العام في العالم العربي انطلاقا من تسويق صورة الجزائر ومواقفها الدولية. وبالرغم من أن الخبراء الإعلاميين يؤكدون أن مقياس النجاح الإعلامي يقاس بالسنين، لأن صناعة الأفكار والرأي تحتاج إلى هندسة طويلة الأمد تستند إلى إستراتيجيات واسعة للدولة تقوم على تعبئة الموارد البشرية والمادية للدولة قصد لعب الدور الإقليمي أو الدولي المسطر من قبل صانعي القرار كأهداف عليا في السياسة الخارجية، وفي هذا السياق يمكنني أن أقدم شهادة ذاتية عن قرب لدور قناة الإذاعة الدولية بحكم متابعتي لها كمستمع أو كمحلل سياسي في برنامج السلطة الخامسة، فرغم أن عمرها لم يتعد سن الرضاعة بحسب عمر الإنسان، فإنها استطاعت أن تحصد أربعة ميكروفونات ذهبية هذه السنة بعد أقل من عامين على ميلادها في منافسة مع أعرق القنوات الإذاعية الأخرى، وتمثل هذه الميكروفونات تكريما لجودة الأداء والفعالية في مواكبة الأحداث الوطنية والإقليمية والدولية، تعليقا وتحليلا ونقلا للأخبار بموضوعية وحيادية، لا تجعلها تخرج عن محاولة نشطة للعب دور دبلوماسي مكمل للأداء الوظيفي الذي تقوم به وزارة الخارجية، فكل الملفات الحساسة التي تشغل الدبلوماسية الجزائرية تم التطرق إليها من خلال مواضيع متعددة من دور الجزائر الإفريقي ومشروع النيباد وآليات التنمية والحكم الراشد في القارة السمراء، ومتابعة قضايا تقرير المصير وملف الصحراء الغربية وتغطية العدوان الصهيوني المستمر على الشعب الفلسطيني تحليلا وموقفا، إلى ملف الجزائر والبعد المتوسطي من خلال مشروع الاتحاد من أجل المتوسط والشراكة الجزائرية الأوروبية أو مسار المفاوضات للانضمام إلى منظمة التجارة العالمية، إلى التعاون الجزائري مع القوى الصاعدة مثل الصين، روسيا، البرازيل، كوريا الجنوبية وغيرها، وهي ملفات تم تغطيتها بتحليلات ونقاشات مفتوحة بآراء الخبراء والمحللين السياسيين من داخل الجزائر وخارجها، وببرامج متنوعة منها البرنامج الساخن زملفات سياسيةس الذي تقدمه الإعلامية المخضرمة باللغة الفرنسية، جهيدة ميهوبي، إلى برنامج نقاط على الحروف مع الإعلامي النشط مروان لوناس، إلى السلطة الخامسة وصهيب شراير صاحب الميكرفون الذهبي إلى لقاء اليوم مع مصطفى سكحال إلى الخط المفتوح على الرأي العام الجزائري لمناقشة العديد من القضايا الثقافية والسياسية والاجتماعية الذي يقدمه الشاب رفيق سحالي، وحوارات ومؤشرات اقتصادية، كما كانت إذاعة الجزائر الدولية مواكبة للتحولات والإصلاحات السياسية التي تشهدها الجزائر بفتح ميكروفوناتها أمام الأحزاب السياسية وممثلي المجتمع المدني في مناقشات لإثراء التحول الديمقراطي. والمتابع لحصص إذاعة الجزائر الدولية عبر الأثير أو الأنترنت أو الرقمي قد يندهش كما اندهشت عندما يعلم أن فريق الإذاعة الجزائرية الدولية طاقم من الشباب مفعم بالنشاط والحيوية يريد إبراز قدرات الشباب الجزائري في القوة الإعلامية أداء ومنافسة وجودة، مسلحين بالأدوات الإعلامية المعاصرة، اللغات والتحكم في الإعلام الآلي، وهو فريق مؤطر بخبرة مديرها محسن سليماني خريج العلوم السياسية بجامعة الجزائر، الذي كانت لديه تجربة مهنية واسعة مع القناة الإذاعية الأولى تجده عاكفا طيلة ساعات الوقت بين مكتبه الزجاجي في الطابق التاسع في مبنى الإذاعة والتلفزيون غارقا في ملفات إعلامية وصوت القناة الدولية الذي لا ينقطع عن سماعها لمتابعة الهفوات أو تقديم النصائح بعد كل حصة، كما يتابع ما يجري في الأستوديو مرشدا في الميدان كمدرب لفريق كرة القدم يبحث دائما عن النقاط الإيجابية للفوز بالكأس والبطولة معا، وإلى جانبه مديرة الأخبار جهيدة ميهوبي، التي تشرف على الأخبار باللغات الأربع عربية، فرنسية، إنجليزية وإسبانية، كثيرا ما تجدها في مكتبها المجاور للأستوديو وراء مجموعة من الملفات الإعلامية وأكمام الجرائد والمجلات وقتها يقاس بساعات البث ومواعيد الأخبار وبالأخص الأخبار المركزية التي تبث على الساعة الواحدة زوالا وعلى مدار الساعتين يوميا، ومن كثرة الانشغال والمتابعة تجد الساندويتش في يدها اليمنى وتقلب الملفات بيدها اليسرى أو في اتصال هاتفي لتحديد المواعيد مع الضيوف أو ضبط الرزنامات. حينما أركز على حيوية الشباب في إذاعة الجزائر الدولية، أذكر بما على السلطات من واجب الرعاية بهذه الفئة من الشباب الإعلاميين إدراكا مني أن هناك من ينتقي الموارد البشرية الجزائرية الفاعلة بعدما تتعلم في الجامعات الجزائرية وتتلقى تكوينها المهني في القنوات الجزائرية لتستفيد بهم القنوات الأجنبية. فلا يكفي أن نمدح الشباب ونثقلهم بالخطابات وإنما أن نعطيهم الفرص أكثر بتحسين المستوى المهني من خلال التكوين المستمر مع تحسين الجوانب الاجتماعية والمادية حتى لا نضطر أن نصدر أهم الموارد التي تشكل عنصر القوة الدبلوماسية الناعمة لمستقبل الجزائر، لأنه بدون مجاملة إذا كان أصدق وصف لإذاعة الجزائر الدولية فهي المرآة الدبلوماسية الإعلامية التي يمكن أن تعطي الجزائر قوتها الناعمة في لعب الدور الإقليمي المنتظر.. مع تمنياتي الخالصة بمزيد من الانتصار لإذاعة الجزائر الدولية، وكل عام وعيدك سعيد وأن يعود عيد النصر على كل الجزائريين بالأمن والبركات، وألف مبروك للمولودين الجديدين قناة القرآن الكريم وقناة الأمازيغية.