جالست أكثر من شخصية كبيرة في شتى مجالات ودهاليز السلطة والحياة وكنت أقطف من كل تواصل بالآخرين المهمين منهم والتافهين، انطباعا عاما بأن فعل التواضع مقترن اقترانا مباشرا بغزارة المعرفة، فربطة العنق لا يمكنها أن تضيف لوزن الريشة ولا لنحافة ''البذل'' غراما واحدا، فالمعيار الأساسي كفة المعرفة التي تنتج تواضعا هو قمة التجسيم لمفهومي السمو والعلو.. قابلت خلال مسيرتي الإعلامية أكثر من شخص مهم قلبا وقالبا، كما اصطدمت بأكثر من ''نحس'' مُغم -من الغم- قلبا وقالبا، والفرق بين المهم و''المُغم'' أن الصنف الأول رفعته معرفته وليس منصبه، أما الصنف ''المغم'' والمذمم فهم نوع من مشاريع منقرضين، وجودهم مرتبط بربطة عنق وسلطة إذا مازالت زال رأس ''المتسلط'' لينتهي حاله إلى حديقة مخلوقات تعاني عروض الانقراض.. بجامعة البليدة اشتكى طلبة من دكتور يحمل شهادة، وليس عقلا و''معرفة''، دكتور، وبعدما استعبد عن طريق ''نقاط'' الحجاج، طلبته ليمارس عليهم رجولته ''النقاطية''، وليس المعرفية، وبجامعة أخرى لا يهم إن كانت الجلفة أو تيارت أو المسيلة، لا يتردد ''مخلوق'' جامعي في التلويح بحجاج ''النقاط'' أو سيفه في وجه طلبته ما لم يصفقوا على ''نحافة'' تفكيره ومعرفته وتحصيله العلمي، الذي قاده مؤخرا إلى الاستعانة بحصة من قناة ''الجزيرة'' ليمتحن فيها طلابه ''المبتدئين'' بعيدا عن المقرر الدراسي، والمهزلة أن سيادته حينما ''حلل وناقش'' امتحانه ''هردلها جدها'' لأن الموضوع كان أشمل وأثقل منه.. فلتعلموا أيها السادة أن المعرفة تعني التواضع بالضرورة، أما ما سواها من ريش ''طواويس''، فإن قاعدة ''أنك لن تخرق الأرض'' ستظل بالمرصاد لمن توهم بأنه سيبلغ الجبال طولا، سواء تعلق الأمر بمن هم في السلطة أو وبمن يريدون أن يكونوا سلطة..