لعل أهم ما ميّز السنة الأخيرة، هي خروج العديد من الشخصيات السياسية الجزائرية عن صمتها المطبق منذ سنوات عديدة، فأسماء مثل الرئيس السابق ليامين زروال، علي بن فليس، طالب الابراهيمي، مولود حمروش، وآخرون.. كلها أسماء كادت أن تدخل "الأرشيف الوطني" فما كان يسمع عنها، أو يعرف لها تصريح أو موقف أو تحليل منذ آخر تحرك لها، قد يعود في أحسن الأحوال لخمس سنوات مضت، ولكن "بريقها'' ظلّ يستهوي الجزائريين كلما حلّت مناسبة وطنية، منها مناسبة رئاسيات 2014 التي اخرجت هؤلاء من "كهوفهم" وأرغمتهم على الادلاء بدلوهم ولو ببيانات صحفية "عن بعد". كانت البداية مع الرئيس السابق ليامين زروال، الرئيس السابع للجزائر، الذي دعاه "محبوه" إلى أن يكون مرة أخرى "تاسعا" والعودة من جديد لقصر المرادية، بتوالي الزيارات ل"فيلا" باتنة أين يقطن الرجل، حيث دعاه "زائروه" إلى الترشح لرئاسيات 2014، بطريقة فهمها البعض كأنّها محاولة لإمساك "خيط الأمل الأخير" في جزائر مقبلة على موعد رئاسي من دون رموز "كاريزمية مؤثرة وملهمة" بحجم زروال، بومدين، بن بلة، بوضياف و بوتفليقة في حال عدم قبوله الترشح لعهدة رابعة .. وآخرون. زروال، ذاك الزاهد في السلطة، قرر الخروج عن صمته،ليقولها بوضوح في 2013 كما قالها في 2009 "لن أترشح!"، فهو لا يؤمن بالشخص الملهم أو المنزل مثلما خطّ في بيان له سنة 2009،.. ولكن محبوه وهم كثر يؤمنون بذلك، ويصرّون على أنّ "لا بديل" لزروال وهو الذي بقي وحيدا في نادي "الرؤساء السابقين". زروال ابن باتنة، لم تلبث تصريحاته طويلا حتى خرج ابن منطقته، رئيس الحكومة الاسبق، علي بن فليس، بدوره عن صمته الذي استغرق عشرية كاملة، منذ خسارته المنافسة أمام عبد العزيز بوتفليقة سنة 2004. واختار الرجل يوم 19 جانفي، ليدلي فيه بخطاب طويل بفندق الهلتون بالجزائر العاصمة، تناول من خلاله العديد من القضايا والمسائل السياسية، وأعلن ترشحه للانتخابات الرئاسية المقبلة، مقدما بعض نقاط برنامجه الانتخابي. وبنفس الوتيرة، تلاحقت شخصيات سياسية أخرى، مشهورة وكانت مؤثرة في المسار السياسي للجزائر، حيث اختارت ثلاث شخصيات معروفة الخروج ببيان مشترك حول الواقع السياسي الجزائري الحالي، وأعلن كل من اللواء المتقاعد رشيد بن يلس والرئيس الشرفي للرابطة الوطنية للدفاع عن حقوق الإنسان علي يحي عبد النور ووزير الخارجية والتربية والتعليم والإعلام الأسبق الدكتور أحمد طالب الإبراهيمي، أنهم ضد العهدة الرابعة للرئيس عبد العزيز بوتفليقة، وقال الثلاثة في بيان أنه "ينبغي أن تكون الانتخابات المقبلة فرصة لإجراء إصلاح شامل، ولابد أن لا يسمح بالترشح للرئاسة الآن إلا للقادة الذين ما يزالون في مقتبل العمر فقط، ويتمتعون بكامل القدرات الجسدية والفكرية". وتأتي خرجة الثلاثي بن يلس وطالب الإبراهيمي وعلي يحي عبد النور بعد صمت دام طويلا، وغياب أطول عن الساحة السياسية، وكذا في خضم الحديث عن ترشح وشيك ومحتمل للرئيس بوتفليقة لعهدة رابعة، وهو الترشح الذي لم يتأكد رسميا بعد. وبشكل سريع وغير متوقع، التحق رئيس الحكومة الاسبق، مولود حمروش، بنادي "كبار المتحدثين"، حيث أصدر بدوره بيانا هو الأول من نوعه منذ سنوات طويلة من الصمت المطبق والابتعاد عن الواجهة السياسية للبلاد، ودعا من خلاله إلى إجماع وطني يساهم في بناء وتطور الجزائر، مذكرا الجيش الوطني الشعبي بالتزاماته، والذي قال عنه إنه "بفضله تم استعادة هويتنا الجزائرية ومشروعنا الوطني"، كما أكّد في تصريحات صحفية استعداده للترشح للرئاسيات المقبلة في حال لم تقدم السلطة مرشحا عنها. هذه بعض الشخصيات السياسية التي اتفقت على الخروج عن صمتها ولو ب "بيانات صحفية"، غير أنّ خيار الصمت والعمل بصمت، ما يزال مقترنا بشخصيات وأوزان سياسية ثقيلة، يتقدمهم رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة الذي يعد أهم شخصية تلتزم الصمت، وان كانت الرسالة الأخيرة التي بعثها الرئيس لنائب وزير الدفاع، رئيس أركان الجيش الشعبي الوطني الفريق احمد قايد صالح قد أزالت نوعا ما بعض الحيرة. صمت الرئيس، دفع بالعديد من الشخصيات السياسية وقادة الأحزاب، إلى استجدائه لتوضيح موقفه من الرئاسيات وإنهاء الحيرة، وهو الأمر الذي ينتظره 40 مليون جزائري، في الوقت الذي تشير معلومات إلى أنّ رئيس الجمهورية قد يقدم خلال الأيام القليلة المقبلة على توجيه خطاب للشعب الجزائري، يتناول فيه العديد من القضايا التي تحفل بها الساحة الجزائرية حاليا، وقد تكون مسالة ترشحه للرئاسيات من بين ما سيتطرق اليه الرئيس في خطابه المتلفز. شخصيات أخرى أيضا، تعتبر من الأوزان الثقيلة مثل رئيس الحكومة الأسبق، أحمد أويحي، الذي مذ غادر الحكومة وبعدها رئاسة حزب التجمع الوطني الديمقراطي، لم يعرف له أثر، أو تصريح أو رأي أو توضيح، ما عدى ظهوره مرة او مرتين في مناسبة او مناسبتين، ولكنه ظهور كان صامتا أيضا. ونفس الوضع بنطبق على الزعيم التاريخي حسين آيت احمد، فهو ما يزال يقبع في "نادي كبار الصامتين" ولا يريد مغادرته ولو بتصريح مقتضب حول رأيه فيما يحدث في جزائر 2014، ورغم كون "الدا الحسين" قد قرر الابتعاد عن الحياة السياسية، إلاّ أنّ ثقله التاريخي والسياسي يفرض عليه اليوم ان يشارك الجزائريين رأيه في واقعهم السياسي. شخصيات اخرى كثيرة، ما تزال تقبع في صمت مطبق، قد يخرجون عنه خلال الأيام القليلة المقبلة، وقد ينطبق عليهم قول "لا حياة لمن تنادي" فيستمرون في سياسة "كفى الله المؤمنين ( شر ) القتال".