فتحت مصالح الأمن تحقيقات معمّقة في عدة ولايات للوصول إلى مروّجي مطويات وكتب دينية "سلفية" في المساجد، تدعو الصائمين للتمرد على الرزنامة الرسمية لمواقيت الإفطار والإمساك بداعي "مخالفتها للأحكام المتعلقة بالمواقيت الشرعية لآذاني المغرب والفجر وما يترتب عنهما من إفطار وإمساك". وبالموازاة أبرقت وزارة الشؤون الدينية بتعليمة مذيلة بتوقيع الوزير محمد عيسى تطالب الأئمة "بالتقيّد الصارم بالمواقيت التي حددتها الوزارة الوصية واحترمت فيها الاختلاف الزمني من منطقة إلى أخرى وتتوعد المخالفين بتحمل مسؤولياتهم في حال إخلالهم بالرزنامة الرسمية". وتصل الإجراءات الردعية للأئمة "المتمردين" على المواقيت المحددة حسب مصادر مطلعة إلى حد الفصل من المنصب، نظرا لحساسية القضية التي يثار حولها جدل واسع حتى خلال الدروس الشرعية التي يلقيها الأئمة والخطباء بالمساجد من طرف منتسبين إلى التيار السلفي. وترى وزارة الشؤون الدينية أن "وقت الإفطار والإمساك معروف دينيا وعلميا وبالتالي فهو بمنأى عن أي اجتهاد أو بحث، على خلفية أن تلك المواقيت مضبوطة بدقة عالية من قبل أهل العلم والاختصاص في المرصد الوطني للفلك والجيوفيزياء ببوزريعة ولا مجال للمزايدة أو التلاعب بهذه المواقيت الشرعية التي ترتبط بصحة عبادات وشعائر دينية حساسة ومهمة لامجال فيها لإثارة البلبلة في أوساط المصلين والصائمين". وتشير نماذج من المطويات التي يروجها سلفيون على نطاق واسع في المساجد بأن العين المجردة تعد وسيلة كافية لتحديد وقت الإفطار والإمساك، دون الحاجة إلى الاعتماد على مواقيت محددة سلفا من طرف وزارة الشؤون الدينية. ويحتدم الجدل تقريبا كل سنة بفعل الترويج القوي لتلك المؤلفات كلما تزامن الظرف مع شهر رمضان، حيث يجد المواطن نفسه حائرا بين اتباع آذان المسجد القريب إليه أو تطبيق رزنامة رمضان. وتطعن تلك الاصدارات التي توزع خلسة ودون ترخيص حتى في المستوى العلمي للأئمة والمؤذنين، حيث تقو إحدى النماذج التي اطلعت عليها "البلاد" أنه "حتى اليوم كما أنَّ كثيراً من الناس قد تقدَّموا إلى الإمامة في الصلاة وهم لا يعرفون صفتها الشرعية وإنما يصلونها على ما اعتادوا عليه مع الأخطاء التي قد تبطل بها الصلاة أو قد تنقص، فكذلك كثير من المؤذنين قد تقدَّموا إلى الأذان وهم لا يعرفون علامات دخول الوقت بل يعتمدون على ورقةٍ خُصِّصت لمواقيت الصلاة لكل شهر!، بل ولكلِّ سنة!!، بل لعدة سنوات!!!؛ وهذه المواقيت تصدر من هيئة أو لجنة رسمية موكَّلة بذلك". وتتابع المطوية "فهؤلاء المؤذِّنون لا يعتمدون لمعرفة مواقيت الصلاة على النظر إلى الأوصاف التي ذُكرت في الأحاديث الصحيحة مع أنَّهم مؤتمنون؛ ولهذا نراهم في بعض الصلوات يؤذِّنون إما قبل الوقت وإما بعد الوقت، ولعلَّ أثر ذلك على الذين يصلُّون في المساجد لا يظهر، ولكنَّه ظاهر على مَنْ يُصلي في بيته من أهل الأعذار". وتستشهد المطوية "ويقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى [الشرح الممتع 1/339 -340]: ((والعِلْمُ بالوقت يكون بالعلامات التي جعلها الشَّارع علامة، فالظُّهر بزوال الشَّمس، والعصر بصيرورة ظلِّ كُلِّ شيءٍ مثله بعد فيء الزَّوال، والمغرب بغروب الشَّمس، والعِشاء بمغيب الشَّفق الأحمر، والفجر بطلوع الفجر الثَّاني. وهذه العلامات أصبحت في وقتنا علامات خفيَّة؛ لعدم الاعتناء بها عند كثير من النَّاس، وأصبح النَّاس يعتمدون على التقاويم والسَّاعات!!.. وتضيف المنشورات "لكن هذه التقاويم تختلف؛ فأحياناً يكون بين الواحد والآخر إلى ست دقائق، وهذه ليست هيِّنة ولا سيَّما في أذان الفجر وأذان المغرب؛ لأنَّهما يتعلَّق بهما الصِّيام، مع أنَّ كلَّ الأوقات يجب فيها التَّحري". وكانت وزارة الشؤون الدينية قد استبقت هذا الجدل بإجراءات تمهيدية تمكن الأئمة بالتقيد بالرزنامة الوقتية الرسمية، حيث وزّعت على جميع مساجد الجمهورية، فضلا عن نشرها في الموقع الإلكتروني للوزارة.