رفض عربي وإسلامي غير مسبوق لسياسة باريس دخلت فرنسا دوامة من التخبط السياسي من خلال التصريحات غير المنضبطة للرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند وعدد من وزرائه في مقدمتهم وزيرة العدل والتربية، فضلا عن التضليل الإعلامي الذي تمارسه أجهزة الإعلام الفرنسي العمومي والمستقل المخترق أو الممول من قبل اللوبيات اليهودية والإسرائيلية وكذا اليمين المتطرف. ولم يخرج فرانسوا هولاند عن قاعدة التخبط وهو يدعو إلى معاقبة الذين تسببوا في حرق الراية الفرنسية في الجزائر وغيرها، فيما غض الطرف عن مسلسل الإساءات للمقدسات والقيم الإسلامية التي يتبناها أزيد من مليار مسلم في العالم. وقد واصلت وسائل الإعلام الفرنسية حملة الإساءة للرسول صلى الله عليه وسلم بالإعلان عن رفع سحب صحيفة "شارلي إيبدو" سيئة الذكر في العالم الإسلامي إلى 7 ملايين نسخة، وهي الصحيفة التي تعرض مقرها لهجوم مسلح من قبل الإخوة "كواشي" في السابع جانفي 2015 وأسفر عن مقتل 12 شخصا منهم صحفيون. الرئيس فرانسوا هولاند وفي تعليقه يوم السبت على ردود الفعل القوية التي عرفتها عدة مدن وعواصم عربية وإسلامية في إفريقيا وآسيا، دعا إلى معاقبة المتظاهرين الذين حرقوا الراية الفرنسية في الجزائر وغيرها من العواصم التي خرج الآلاف فيها نصرة للرسول وتنديدا بمواصلة صحيفة "شارلي إيبدو" نشر صور مسيئة لنبي الرحمة، دون اعتبار لأخلاقيات المهنة واحترام الأديان والرسل والأنبياء. تصريحات هولاند اعتمدت في أساسها على كون فرنسا دولة ذات قيم ومبادئ ديموقراطية وفي مقدمتها حرية التعبير، لكن من الواضح جدا أن تلك القيم انتقائية، فقد عاقبت قيم حرية التعبير عندما جرت الفيلسوف رجاء غاردوي إلى المحاكم الفرنسية لأنه شكك في قصة "الهولوكوست"، كما جرت مثقفين ورسامين آخرين حاولوا ممارسة مبدأ من المبادئ التي يتحدث عنها فرانسوا هولاند اليوم بالسخرية من اليهود، لكن يبدو أن العنصر اليهودي جد مقدس سواء في فرنسا أو باقي الدول الأوروبية. هذا المشهد وبصفة عامة يترجم حالة من التخبط السياسي التي تعيشها فرنسا الدولة والجمهورية، بكل مؤسساتها وكياناتها التي دخلت في دوامة أمنية وسياسية وقد تنعكس على الجانب الاقتصادي مستقبلا مع بدء الدعوات إلى مقاطعة المنتجات الفرنسية في الجزائر وغيرها من دول شمال إفريقيا، وهذا من شأنه أن يكبّد فرنسا خسائر لن تقوى "مبادئها" التي تتشدق بها على تحملها، بل ستضطر إلى مراجعة سياسة الإساءة التي تعتمدها إزاء العالم الإسلامي ومقدساته، مثلما حدث مع الشركات الدنماركية والهولندية في السعودية وباقي دول الخليج التي تكبدت خسائر فادحة جراء مقاطعة منتوجاتها من قبل المسلمين، مما دفع بها إلى فتح خط مفاوضات مع هيئات وجمعيات مقابل الحد من مسلسل الإساءة التي تعتمدها بعض وسائل الإعلام المدعمة من تلك الشركات وأصحابها.